07 Feb
07Feb

تحمل زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى بغداد، خفايا عديدة "غير معلنة" تخص الاصطفافات الجديدة في المنطقة والعالم، وسط توقعات بتأثير نتائج الزيارة على العلاقات العراقية الأوروبية، نظرا لمحاولة جرّ البلاد إلى محور "روسيا وإيران"، في ظل تصاعد خلافاتهما مع القارة العجوز، فيما شدد مراقبون على ضرورة إبقاء الحكومة لعلاقتها بموسكو ضمن الحدود الطبيعية.

ويقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، خلال حديث له، إن "زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى العاصمة العراقية بغداد تأتي مع المتغيرات التي يشهدها العالم في إطار استقطاب المحاور، خصوصاً بعد الحرب الروسية الأوكرانية، واندفاع روسيا نحو منطقة الشرق الأوسط ومحاولتها بناء شراكات مع دول المنطقة، لعقد اتفاقات مع هذه الدول، لاسيما أن العراق يقع ضمن الجغرافيات التي تسعى روسيا للتمدد فيها على حساب الولايات المتحدة الأمريكية التي أحست روسيا بضعفها".

ويوضح الشمري، أن "هذه الزيارة سيكون لها تأثير على العلاقات العراقية الأوروبية، خصوصاً وأن دول أوروبا جميعها تعمل على محاصرة روسيا التي تتعرض لعقوبات صارمة من قبلها، وأن هذه الزيارة سوف تضع العراق في دائرة الاستفهام، من قبل دول أوروبا"، لافتا إلى أن "هذه الدول ستراقب العراق ما إذا كان سيبدي مرونة مع خصمها أم لا، وقد تكون لهذا الأمر تداعيات كبيرة جداً".

وحول موقف الولايات المتحدة الأمريكية، يستبعد "صدور أي موافقة من قبل واشنطن بدفع بعض مستحقات روسيا بالدولار، خصوصاً وأن جزءا من أزمة الدولار في العراق حاليا، هو وصول هذه العملة إلى موسكو"، منوها إلى أن "عقد بغداد أي اتفاقات مع روسيا ربما يكون له تداعيات من قبل واشنطن، خصوصاً إن حولت بغداد الدولار إلى موسكو دون الرجوع إلى الولايات المتحدة".

ويخلص رئيس مركز التفكير السياسي، إلى أن "زيارة لافروف إلى بغداد، تحمل ملفات غير معلنة، فشخصية بحجم لافروف لن تتواجد في بغداد إلا نتيجة ملفات سرية، وبالتأكيد فإن روسيا تحاول في هذا التوقيت، دفع العراق بشكل أكبر نحو محور الشرق (روسيا، الصين، إيران)، وهذا ربما يكون أحد الأهداف غير المعلنة لزيارة لافروف".

وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد وصل إلى بغداد أمس الأول الأحد، وبدأ أمس اجتماعاته الرسمية، بدءا بوزير الخارجية فؤاد حسين، الذي أكد خلال المؤتمر الصحفي المشترك بينهما، على التعاون بين الطرفين في الجوانب الأمنية والاقتصادية، ودراسة كيفية التعامل مع المستحقات المالية للشركات الروسية العاملة في العراق، مشيرا إلى بحث الأمر قريبا خلال زيارة مرتقبة إلى واشنطن.

كما أشار لافروف خلال المؤتمر الصحفي، إلى أن اللجنة المشتركة بين العراق وروسيا ستعقد اجتماعاتها في بغداد، وفيما نوه إلى أن اجتماعاته شهدت مناقشة الأوضاع في منطقة الخليج، لفت إلى ضرورة تنسيق المواقف بين الطرفين حول مجمل القضايا الإقليمية وخصوصا القضية الفلسطينية.

والتقى لافروف أيضا، رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وأكد خلال اللقاء على رغبة روسيا في إدامة العلاقات الثنائية بين البلدين وتطويرها في مجالات متعدّدة، فيما بين السوداني، أن الحكومة تتحرك في مجال العلاقات الخارجية من منطلق المصالح المتبادلة والشراكات المستدامة، كما عقد لافروف اجتماعا مع رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي.

من جهته، يرى المحلل السياسي المقيم في واشنطن نزار حيدر، خلال حديث له، أن "روسيا باتت في موقف سياسي واقتصادي وأمني ودبلوماسي لا تحسد عليه بسبب حربها ضد جارتها أوكرانيا، التي تصورها الرئيس بوتين أنها ستكون نزهة لا تدوم أكثر من أسبوعين، ليتبين له فيما بعد أنها مستنقع استدرج إليه، ويشبه إلى حد بعيد المستنقع الأفغاني من قبل، كما أن العراق من جانبه في موقف سياسي واقتصادي وأمني لا يحسد عليه أيضا، فهو يرزح تحت ضغط أزمات إقليمية ودولية ويقبع في ورطته الداخلية بسبب صراعات القوى السياسية والفساد والفشل المتراكم، فهو يسير على حبل مشدود، يحاول أن يتلمس طريقه في كل هذه الزلازل السياسية والمالية، بطريقة لا تزيد معاناته ولا تزيد مشاكله تعقيداً، وتخفف من الاحتقان الذي يمر به".

ويوضح حيدر، أن "كل تجارب العراق مع روسيا خلال العقدين الماضيين وعلى مختلف الأصعدة لم تحقق انجازاً يذكر، على الرغم من أن المشتركات بين بغداد وموسكو كثيرة إذا كانت بغداد قد أحسنت التصرف بها واستغلت هذه المشتركات لخدمة أمنها القومي ومصالحها الوطنية العليا".

ويرى أن "زيارة لافروف إلى بغداد، تهدف بالدرجة الأولى إلى استحصال الأموال المتراكمة على العراق من اتفاقيات ومشاريع سابقة ظلت متلكئة حتى هذه اللحظة، خصوصا وأن روسيا بحاجة إلى سيولة لمنع استمرار تدهور العملة الوطنية من جهة، ولدعم المجهود الحربي، من جهة أخرى"، مستبعدا "سعي العراق لكسر الحصار والعقوبات الدولية المفروضة على موسكو، ولذلك قد يتفق مع الوفد على مقايضة المستحقات بالخدمات، وهي الطريقة التي لا يعارضها المجتمع الدولي، وكذلك، قد ينتهج العراق سياسة مسك العصا من الوسط، ولو إلى حين، فيوقع مع بعض الشركات الروسية عقوداً آجلة، وبذلك سيظل يمشي على الحبل من دون أن يقع في احد الجانبين".

ويتابع أن "ملف مكافحة الإرهاب، كذلك، هو واحد من الملفات المشتركة المهمة بين بغداد وموسكو، فالأولى، كما نعرف، لها حضور عسكري استراتيجي ومهم في الجارة سوريا، والذي مازال شمالها وشمال شرقيها يعيش القلق والتوتر الأمني والعسكري، وهو أمر يقلق العراق كثيراً باعتبار حدود التماس بين البلدين، وتأسيساً على ذلك، فإن ملف مكافحة الإرهاب سيكون من أهم وأبرز الملفات التي يناقشها الوفد الزائر، كما صرح بذلك لافروف في بغداد".

يذكر أن مصادر مطلعة كشفت الشهر الماضي، عن حراك يجري في المنطقة بقيادة روسيا، وذلك بالتزامن مع زيارة رئيس البرلمان الأردني إلى بغداد، التي جاءت بعد اجتماعات لوفد روسيا في الأردن، ومن ثم تحركت الجارة الغربية نحو بغداد ومن ثم الكويت، وهناك بحثت أيضا الملفات العالقة بين العراق والكويت.

وتتزامن التحركات في المنطقة، مع أخرى بين تركيا وسوريا، حيث يجري الإعداد لمصالحة وصفت بـ"التاريخية" بين الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بهدف السيطرة على المناطق الكردية في سوريا وإنهاء وجود القوات المشكلة فيها، خارج أطر النظام.

ومنذ قرابة العام، دخلت الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، بصراع مع روسيا، على خلفية اجتياح الأخيرة لجارتها أوكرانيا ومحاولة احتلالها بالكامل، ومنذ اندلاع تلك الحرب، التي انتهت بانسحاب القوات الروسية، تم فرض حصار اقتصادي على موسكو، شمل منعها من التصدير وإخراجها من نظام التحويل المالي العالمي، فيما أقدمت روسيا على إيقاف خط توريد الغاز لأوروبا ما أدخل القارة العجوز بأزمة طاقة كبيرة.

إلى ذلك، يذكر الكاتب والصحفي العراقي المقيم في فيينا زياد السنجري، خلال حديث له أن "منطقة الشرق الأوسط تشهد تغييرات متسارعة، خصوصاً بعد القمة الخليجية المصغرة، التي كانت في الأردن، بمشاركة قادة بعض دول الخليج، كما أن المنطقة تشهد تحركات كبيرة بالملف النووي الإيراني مع إعلان فرنسا وبريطانيا وبعض الدول الأخرى عن قلقها من زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم، وهذا سيؤثر على المنطقة، وستكون بكل تأكيد هناك إجراءات، فهذه الزيارة تأتي ضمن التحركات الدبلوماسية في المنطقة والاصطفافات التي تحدث، خصوصاً أن العراق يعتبر نقطة تحول رئيسية في ملف المفاوضات في المنطقة".

ويبين السنجري، أن "العلاقات العراقية– الأوروبية سوف تتأثر بعد زيارة وزير الخارجية الروسي إلى بغداد، لأسباب سياسية واقتصادية، خصوصاً أن العراق دائما ما يستخدم كممر للرسائل ما بين الدول، وخصوصاً المتعلقة بإيران، خاصة بهذه المرحلة لقرب حكومة محمد شياع السوداني من المحور الإيراني"، مؤكدا أن "توقيت زيارة لافروف يحمل أهدافا غير معلنة، خصوصا مع وجود متغيرات كثيرة وكبيرة في منطقة الشرق الأوسط، إذ تأتي هذه الزيارة لوضع اللمسات الأخيرة للاصطفافات السياسية في المنطقة والعالم".

وسعت الدول الأوروبية وأمريكا، إلى الحصول على مصادر جديدة للطاقة، لاسيما من الدول العربية، وقد شارك العراق بتصدير دفعة من النفط في حينها إلى جانب بعض دول الخليج، وهذا الأمر كان أساس القمة العربية– الأمريكية التي عقدت في السعودية، إلى جانب قمم أخرى، لكنها لم تقدم الدعم اللازم الذي كان ينتظره الغرب.

وتشهد المنطقة تحولات أيضا، من بنيها توجه الإمارات وعبر مسؤولين رفيعين فيها إلى سوريا ولقاء الأسد، بهد حلحلة الأزمة السورية وإخراجها من العزلة، وهذا بمقابل سعي الأردن، كما كشفت مصادر مطلعة إلى العودة لنفوذه في سوريا ولبنان، بعد أن فقده بسبب الأزمات في تلك البلدان.

بدوره، يرى رئيس المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية غازي فيصل، خلال حديث له أن "العراق يتبع سياسة خارجية متوازنة في العلاقات الإقليمية والدولية والانفتاح على الاستثمارات الدولية للحصول على الطاقة وتعزيز علاقاته التجارية وإعادة بناء القاعدة الصناعية والزراعية والخدمات في اقتصاده الذي يمتلك موارد مادية حيوية تقدر بـ20 تريليون دولار (نحو 14 مليار دولار)، تشكل عامل جذب للشركات والدول للاستثمار وتحقيق المكاسب الاقتصادية".

ويضيف فيصل، أن "زيارة لافروف تأتي بدعوة من الحكومة العراقية لبحث التطورات السياسية ومشكلات الطاقة والأمن الغذائي وتحديات البيئة والعمل لتعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وتقريب وجهات النظر والمواقف على المستويين الإقليمي والدولي، مما يؤكد انفتاح العراق على روسيا والصين وحليفته الاستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية لتعزيز الشراكات والاستثمارات الاقتصادية ومواجهة التحديات المختلفة خصوصا ملفات الطاقة".

ويتابع "على صعيد آخر، تستمر الولايات المتحدة بالضغط على الحكومة العراقية بسبب وجود أجنحة مقربة لطهران في الإطار التنسيقي تعمل على الانفتاح على الدول الأوربية والصين وروسيا لتحقيق معادل نوعي لعلاقات التحالف والشراكة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة. لذا تستهدف زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التي جاءت بضغط من التنظيمات الراديكالية في العراق المتحالفة مع طهران لتعزيز دور وفاعلية ما يطلق عليه محور المقاومة والممانعة بوجود روسيا في المعادلة العراقية لتحقيق التوازن مع واشنطن".

ويؤكد فيصل أن "محور المقاومة والممانعة الذي ترعاه طهران وموسكو في الشرق الأوسط، يستهدف تقويض فاعلية العقوبات الاقتصادية عنهما عبر البحث عن مصادر للحصول على الدولار في العراق والاستمرار في بيع النفط والغاز في السوق الموازي لتجاوز العقوبات الدولية المفروضة على الطرفين خصوصا وان الدولتين بينهما تحالف رغم وجود خلافات جوهرية لكن بينهما مصالح مشتركة لمواجهة الحصار واللجوء إلى السوق السوداء للحصول على الدولار".

يذكر أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، زار مؤخرا كلا من ألمانيا وفرنسا، وأبرم اتفاقيات عدة، وأبرزها اقتصادية، وهذا إلى جانب دخول واشنطن على خط أزمة تهريب الدولار في العراق وفرضها إجراءات صارمة لبيع الدولار من قبل البنك المركزي للحد من عمليات التهريب، التي وصلت إلى روسيا أيضا، وبحسب بعض الأنباء فقد وصل للأخيرة مليارا دولار من العراق، إلى جانب التهريب لتركيا وإيران.

وتعمل في العراق شركات نفط روسية عدة، في الحقول الجنوبية، بالإضافة إلى شركات استثمارية أخرى، وهذه لم تتأثر بالحرب مع أوكرانيا ولم تنسحب نتيجة لفرض الحصار على روسيا، بل استمر عملها حتى الآن بشكل طبيعي.

المصدر // العالم الجديد

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة