بعد نحو تسعة عقود على تأسيسها، تقف مصارف "الزراعي"، و"الصناعي"، و"العقاري"، أمام قرار حكومي بدمجها، ما عده متخصصون، خطوة إيجابية، بسبب تراجع مستواها، وثقة الناس بها، وعجزها عن تمويل المشاريع ذات الفائدة الاقتصادية، على الرغم من امتلاكها ودائع كبيرة.
ويقول الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، خلال حديث لـه إن "قرار دمج مصارف الصناعي والزراعي والعقاري، هو جزء من الاصلاح المصرفي والمالي، باعتبار أن القطاع المصرفي خارج مسيرة التنمية رغم أنه يمتلك ودائع كبيرة، إلا أنه غير قادر على تمويل المشاريع الكبيرة ذات العوائد الاقتصادية، وخاصة مصرفي الرافدين والرشيد الذين يعتبران متخلفان جدا، والدول حاليا يقاس تقدمها بتقدم قطاعها المصرفي".
ويضيف المرسومي، أن "الروتين والبيروقراطية والعمل المتلكئ أدى أيضا إلى ضعف ثقة الناس بالقطاع المصرفي، وتسبب بأن تكون 90 بالمئة، من الكتلة النقدية في البلاد هي خارج المصارف"، مبينا أن "ما يخص المصارف المذكورة بقرار الدمج، فإنه لا توجد الآن في العالم مصارف متخصصة، بل مصارف شاملة تستقبل الودائع وتمول المشاريع سواء كانت عقارية أو صناعية أو زراعية، وهذه الخطوة جيدة، من أجل إعادة بناء القطاع المصرفي ودمجه بمسيرة الاقتصاد العراقي".
ويلفت إلى أن "هذا القرار لن يتسبب بضعف قدرة هذه المصارف، بل على العكس هو سيعطيها دفعة قوية وقدرة على التمويل أكبر من السابق".
وكان مجلس الوزراء، وافق في جلسته أمس الأول الثلاثاء، على التعاقد المباشر مع شركة آرنست ويونغ، لدراسة موضوع إعادة هيكلة مصرفي الرافدين والرشيد، وتقديم توصياتها بشأنهما، واقتراح خارطة طريق بهذا الشأن، خلال 6 أشهر، والتعاقد المباشر من المصرف الصناعي مع شركة آرنست و يونغ، لدراسة موضوع دمج المصارف الصناعي، العقاري، الزراعي في مصرف واحد من خبراء مختصين لديها.
كما وافق على التعاقد مع الشركة المذكورة، لدراسة موضوع دمج شركة التأمين الوطنية مع شركة التأمين العراقية، في شركة واحدة من خبراء ومختصين لديها.
ومر النظام المصرفي العراقي بعدة مراحل بدءا منذ العام 1867، فكان أقدم مصرف عرف في العراق هو البنك العثماني ثم بنك الشاهنشاه الإيراني والبنك الشرقي البريطاني، ثم بدأت بعدها مرحلة الصيرفة العراقية الوطنية عام 1935 التي شهدت إنشاء المصرف الصناعي الزراعي الذي انشطر بعد عام 1940 إلى مصرفين هما: المصرف الزراعي والمصرف الصناعي، ومن ثم في العام 1948، تأسس المصرف العقاري وكان الغرض الرئيس منه تمويل شراء الدور من قبل الافراد.
وفي العام 1941 تأسس مصرف الرافدين، وهو المصرف التجاري الوحيد في العراق، وفي 1947 تأسس البنك المركزي العراقي تحت مسمى "المصرف الوطني العراقي".
من جانبه، يبين الخبير المصرفي محمود داغر، خلال حديث لـه أن "قرار مجلس الورزاء بشأن دمج المصارف، جيد وتوقيته مناسب أيضا، فهذه المصارف ما زالت برأس مال منخفض ودمجها كمرحلة أولى هو الافضل".
ويشير إلى أن "شركة أرنست يونغ تعتبر من الشركات الأربع الأولى عالميا في المحاسبة والتدقيق، ولها أعمال سابقة في العراق وتعرف طبيعة تحدياته جيدا، والبلد يعتمد عليها في عمليات التدقيق ومراجعة الحسابات وتحديد الفجوات القائمة وايجاد السبل الصحيحة للدمج أو الاستحواذ، وهي ستمارس دورا مهما في تصفية ميزانيات هذه المصارف ودمجها وبيان حجم الأصول والخصوم".
وينوه إلى أن "المؤسسات الحكومية أسيرة للتعليمات والروتين دوما، وهي بحاجة إلى الدعم والتطوير، والحل الأفضل والأسلم للعراق هو تحويلها إلى القطاع الخاص في المستقبل، وانهاء دور المؤسسات التي تثقل كاهل الدولة".
ويضم العراق، بحسب موقع البنك المركزي العراقي، 80 مصرفا عاملا، منها 62 محليا و18 مصرفا عبارة عن فروع لمصارف أجنبية.
يشار إلى أن القطاع المصرفي العراقي، مهمل من قبل المواطنين الذين فقدوا الثقة به، وبحسب أرقام البنك الدولي الصادرة العام الماضي، فإن 23 بالمئة فقط من الأسر العراقية لديها حساب في مؤسسة مالية، وهي نسبة من بين الأدنى في العالم العربي، ولاسيما أن أصحاب تلك الحسابات هم من موظفي الدولة الذين توزع رواتبهم على المصارف العامة نهاية كل شهر، لكن هذه الرواتب أيضا لا تبقى طويلا في الحسابات، إذ سرعان ما تتشكل طوابير أمام المصارف من الموظفين الذين يسحبون رواتبهم نقدا ويفضلون إبقاءها في بيوتهم.
إلى ذلك، يبين الخبير الاقتصادي همام الشماع، خلال حديث لـه، أن "قرار مجلس الوزراء بتكليف شركة أرنست يونغ بإعادة هيكلة مصرفي الرافدين والرشيد هو لدراسة المشاكل والخلل الحاصل بعملها واقتراح هيكل جديد، والأرجح تحويلها الى مصارف خاصة كبيرة، وإعادة دمجها ربما في مصرف واحد".
ويؤكد "فيما يخص المصارف العقاري والصناعي والزراعي، فإنها ستخضع أيضا للدراسة من قبل الشركة المكلفة التي ستقدم اقتراحات وتوصيات بالدمج"، مبينا أن "هذه المصارف متلكئة وأدخلت نفسها بمتاهات، لعدم التكيف مع المتغيرات المصرفية حول العالم وعدم اتخاذها الإجراءات المناسبة في الأزمات الاقتصادية، مما أدى إلى ضياع رأس مالها، ولا تمتلك خطط إستراتيجية لمواكبة المعطيات الاقتصادية، لذا فأن هذه الخطوة جيدة لإيجاد حلول ناجعة لهذه المصارف".
يشار إلى أن النظام المصرفي الحالي، يعيش حالة إرباك كبيرة نظرا لمحاولة السيطرة على تهريب الدولار، فضلا عن الاتهامات بالفساد والتهريب التي طالت العديد من المصارف، ومنها حكومي.
يذكر أن واشنطن دخلت على خط أزمة تهريب الدولار العام الماضي، وجرى إخضاع العراق لنظام سويفت العالمي، ما خلق فجوة بين السوق الموازي والرسمي، وزاد من فقدان الثقة بالمصارف العراقية، حيث تعرضت العشرات إلى عقوبات أمريكية وأخرى عراقية دون معالجة أموال المودعين، فضلا عن تورط أغلب المصارف حاليا بعمليات التهريب، حسب ما أكدت وزارة الخزانة الأمريكية.