15 Aug
15Aug

بينما يترقب العالم ردا عسكريا قويا من إيران على إسرائيل، تخوض القيادات السياسية الإيرانية مفاوضات عالية المستوى مع الولايات المتحدة الأمريكية بوساطة مصرية – قطرية تسعى من خلالها لإيقاف التصعيد في المنطقة والخروج باتفاق ينهي حالة التوتر، وهو ما يدفع للتساؤل عن الفائدة التي ستتلقاها دول ما تسمى بـ”محور المقاومة” المتمثلة بالعراق وسوريا ولبنان واليمن من تلك الطاولة الثنائية وما ستخرج به.
وجاء اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في طهران، متزامنا مع الاغتيال الآخر للقائد العسكري في حزب الله اللبناني فؤاد شكر، بالضاحية الجنوبية لبيروت، كما سبقه استهداف صاروخي لميناء الحديدة في اليمن، إضافة لقصف مقرات الفصائل المسلحة في جرف الصخر شمالي بابل وقاعدة الصقر جنوبي بغداد، وهو ما أثار الدعوات كلها للتحشيد نحو رد إيراني يتم الحديث عنه لغاية الآن، وهو معلق بالمفاوضات الجارية التي أكدها بيان مصري، قطري، أمريكي لوقف إطلاق النار في غزة.
وبهذا الصدد، يقول الأكاديمي والباحث السياسي، عقيل عباس، خلال حديث لـه إن “دول العراق ولبنان واليمن وسوريا لن تكسب شيئا من مفاوضات إيران مع أمريكا لعدم تنفيذ الرد على إسرائيل لاغتيالها إسماعيل هنية، لأن ما يحصل هو قرار إيراني، بل ما يمكن حصوله هو نجاة الحركات المسلحة المنضوية تحت لواء إيران من عمليات قصف أمريكية شديدة”.
ويضيف عباس، أن “ما ستستفيد منه فصائل المقاومة في الدول المقربة من إيران هو إبعاد قادتها عن عمليات تصفية تنفذها أمريكا أو إسرائيل، أو حتى إبعاد القيادات الفنية الوسيطة عن ذلك الخطر لأن هذه الحرب الحاصلة أكدت إمكانية الاغتيال حتى في إيران كما حصل مع هنية، ومع فؤاد شكر، ولذلك هذه القدرة ربما تزداد تلقائيا”.
ويعتبر أن “هذا ما يمكن كسبه ولكنه بالأخير قرار إيراني وليس قرارا لفصائل المقاومة لأنه في سياق أطراف المحور من الصعب عليهم الدخول بصراع عسكري شديد وواسع مع أمريكا وإسرائيل”.
ويؤكد عباس، أن “دول المحور وفصائلها من الصعب أن تشرع بحرب مفتوحة ضد إسرائيل وأمريكا لوجود قرارات سياسية من قبل الإطار التنسيقي بالساحة العراقية مثلا، وهي ضاغطة على الحركات المسلحة وهي من تمسك بزمام الأمور وتعرف مدى خطورة الدخول بحرب ستؤثر كثيرا على العراق ولبنان واليمن”.
ويشير إلى أن “التهدئة هي التي تخدم هذه البلدان، لأن كسب التصعيد لا يحصل لعدم قدرة محور المقاومة هزيمة أمريكا أو إسرائيل وأقصى شيء يمكنهم هو كسب شروط تفاوضية وهو الأفضل لإنهاء حرب غزة وهذا ما تعمل عليه إيران”.
ويلفت إلى أنه “في حال حصول إيقاف لإطلاق النار في غزة فإن إيران ستلتزم بعدم استهداف جميع حركات المقاومة لإسرائيل بأي عمليات عسكرية لأن ذلك بالتأكيد سيكون مضمنا في الاتفاق أو شيء من هذا القبيل، كما أن الاتفاق لا يمكن الاعتقاد بأنه سيضمن إلغاء العقوبات على ايران، بل يمكن تضمينه عدم زيادتها عن الحالية والقيام بإطلاق بعض الودائع المالية الإيرانية من المجمدة حاليا”.
ويجري الحرس الثوري الإيراني تدريبات عسكرية بمشاركة وحدات صاروخية غربي البلاد، على مقربة من الحدود العراقية، حيث قال المتحدث باسمه العميد علي محمد نائيني إن “إسرائيل ستتلقى الرد على حماقة اغتيال إسماعيل هنية في الموعد المحدد”، مبينا أن “الاغتيال يهدف لتقليص القوة الرادعة لمحور المقاومة وحرف الأنظار عن هزيمة الكيان الصهيوني في مستنقع غزة”.
من جهته، يرى رئيس مركز الإعلام العراقي في واشنطن نزار حيدر، خلال حديث لـه أن “العراق أوضاعه تختلف عن لبنان واليمن كدول محور المقاومة، وهو للأسف ما زال ساحة مفتوحة لتصفية حسابات الأعداء مع بعضهم البعض، وخاصة واشنطن وطهران من خلال وكلاء ينشطون عسكريا على الساحة العراقية كلما اشتدت الأزمة بينهما”.
ويتابع حيدر، أن “حالة العراق الحالية لا علاقة لها بالحرب في غزة، أو في التفاوض بين واشنطن وطهران مقابل عدم رد الأخيرة على عملية الاغتيال التي شهدتها مؤخرا، ولذلك لا يمكن أبدا رؤية إمكانية لتفاوض مع واشنطن بالنيابة عن العراق الذي تديره السفيرة الأمريكية بكل التفاصيل المملة”.
ويردف بأن “شيئا واحدا يمكن للعراق أن يكسبه يتمثل بإيقاف الوكلاء لنشاطهم المسلح، وهو شيء ملموس مرات عدة خلال العقد الأخير على وجه التحديد”.
أما بالنسبة إلى لبنان، فيشير رئيس المركز إلى أن “هذا البلد يعتبر من دول المواجهة، ولقد نجحت واشنطن ومعها بقية الحلفاء في الحيلولة دون تحول المواجهات المحدودة بين حزب الله وإسرائيل إلى حرب شاملة، وهذا النجاح كذلك لا علاقة له بالتفاوض أو الرد، فالجهود تُبذل منذ 10 أشهر ولحد الآن، ولقد نجحت إلى حد كبير”.
وينبه حيدر، إلى أن “اليمن كذلك، فهي تصنف كدولة فاشلة وليس بإمكانها أن توظف أية مفاوضات لصالحها، حيث خسرت سابقا جولة 12 عاما من المواجهات الدموية مع السعودية في لحظة واحدة عندما اتفقت طهران مع الرياض لتطبيع العلاقات بينهما حتى من دون علم الحوثيين بذلك”.
ويشدد على أن “إيقاف إطلاق النار في غزة من شأنه إيقاف أنشطة الفصائل المسلحة لأن للحرب الشعواء التي تشهدها غزة منذ 10 أشهر أثر ثانوي كبير على كل التصعيد الذي تشهده المنطقة في البر والبحر والسماء”.
وكان رئيس تحالف الفتح هادي العامري قد أشار في كلمة له الأسبوع الماضي، إلى أن الفصائل “لن تتردد في الاستهداف، إذا تدخلت الولايات المتحدة في فلسطين”، في وقت تعرضت به قاعدة عين الأسد في الأنبار التي تتواجد بها قوات أمريكية، لقصف صاروخي ليلي بأربعة صواريخ، قالت بعدها خلية الإعلام الأمني إنها ألقت القبض على المنفذين دون كشف هويتهم أو الجهات التي ينتمون إليها.
بدوره، يعتقد الكاتب والباحث العراقي، سليم سوزة، خلال حديث لـه، أن “المفاوضات الحالية بين أمريكا وإيران لا علاقة لها بالملف الإيراني النووي، لأنه ملف مؤجل إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وإنما محاولة للوصول إلى حل وسط يحفظ لإيران ماء وجهها بعد اغتيال هنية على أرضها ويجنب إسرائيل ضربة إيرانية مؤثرة جراء ذلك الاغتيال”.
ويكمل سوزة، أن “إيران ستحاول تسويق ذلك الاتفاق، لو حصل، نصرا سياسيا وتنازلا إسرائيليا عن أهداف حربية قادمة في غزة والجنوب اللبناني، ولربما إيقاف الحرب في غزة، أما قوى المحور وأذرع إيران في المنطقة فلن تفعل إلا ما تؤمر به من قبل إيران، فهذه الأذرع ليست لها إرادة، سياسية وعسكرية، مستقلة عن راعيتها إيران”.
ويشير إلى أن “الفصائل المسلحة بمحور المقاومة ستمتنع عن ضرب إسرائيل في حال حصل الاتفاق، وتهاجمها عند فشل المفاوضات، وفي النهاية، كلما تأخر الرد الإيراني وطال أمد المفاوضات بين الإيرانيين والأمريكان، ازدادت فرص الحلول العقلانية والتسويات السياسية التي سيحاول كل طرف من الأطراف تسويقه على أنه نجاح سياسي”.
يذكر أن الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، كان قد هدد بقصف مدينة حيفا لما فيها من المواقع الإستراتيجية والقواعد العسكرية لإسرائيل، إذ قال في كلمة متلفزة، إن “حيفا قد تكون ضمن أهداف رد الحزب على اغتيال إسرائيل للقائد العسكري فؤاد شكر”.
وفي السياق، يعتبر الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، أمين بشير، خلال حديث لـه أن “نصر الله ينفذ أجندة إيرانية فقط وسيتوقف عن العمليات العسكرية وإطلاق النار جنوب لبنان إذا نجحت إيران بكسب ما تريده في مفاوضاتها الحالية”.
ويبين بشير، أن “الوضع الإيراني ليس في أحواله الطبيعية لأن سياسة طهران أصبحت مكشوفة وقد ثبتت قوة إسرائيل مقارنة بإيران وما تلقته من اغتيالات متتالية لقيادات حزب الله، إسرائيل تغلبت تكنولوجيا على حزب الله وإيران حيث أصبح الطرف الأخير يعلم عدم قدرته على مجاراة الكيان الإسرائيلي بالتطور الحاصل في تنفيذ العمليات حتى لو أعادت إرسال المسيرات والصواريخ كما في نيسان أبريل الماضي فلن تنفعها”.
ويوضح أن “نقطة المفاوضات تمثل ربحا بالنسبة لدول المحور، وأيضا للسياسة الإيرانية بحال كسبتها الأخيرة بنقاط تجعلها تستغني عن الرد على اغتيال هنية، والاجتماعات مستمرة بين الأمريكيين والإيرانيين في سلطنة عمان من أجل التوصل لاتفاق يرتبط أيضا بالاتفاق النووي ورفع العقوبات”.
ويعتبر الكاتب اللبناني، أن “الهم الوحيد لإيران مع دعمها لأذرعها المسلحة هي تسعى لعدم استقرار الأوضاع في بلدان العراق ولبنان واليمن وتقوم بالاستثمار في ذلك، وبالتالي هي تحارب بالدم العربي لإنقاذ مصالحها، ومتى أرادت إيقاف الجماعات المسلحة ستوقفها لتعطي تأمين للاتفاق مع أمريكا”.
ويختم “كسب إيران لوقف إطلاق النار في غزة سيكون ضامنا لوقف إطلاق النار في جنوب لبنان كما قال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، حيث ستتلاشى العمليات العسكرية وتتوقف، ليتم إثبات عدم وجود مبدأ وحدة الساحات والشعارات التي يتم إطلاقها”.
يشار إلى أن إسرائيل تكرر باستمرار استعدادها العسكري لمواجهة الرد الإيراني المتوقع على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، فيما تواصل تنفيذ ضربات استباقية ضد إيران وحزب الله اللبناني، مع القصف المستمر أيضا لمناطق مختلفة في غزة.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة