تتزايد تحديات الأمن السيبراني مع تقدم التكنولوجيا، خاصة مع تطور الذكاء الاصطناعي. ويعزى ذلك إلى أن الـ AI قد يسهم في تعزيز قدرات الهجمات السيبرانية وجعلها أكثر تطوراً وتعقيداً، في الوقت الذي يُمكن أن يُستخدم أيضاً في رفع إمكانات مواجهة تلك التهديدات من ناحية أخرى، كسلاح ذو حدين.
من الأوجه الإيجابية لتقنيات الذكاء الاصطناعي في التفاعل مع التهديدات السيبرانية المتقدمة أنه يمكن لتلك التقنيات -لا سيما تلك التي تتصل بتحليل البيانات- أن تسهم في اكتشاف الأنماط غير المعتادة والتصرفات المشبوهة في الشبكات السيبرانية، الأمر الذي يمكن أن يساعد في الكشف المبكر عن هجمات محتملة، كما أنه يمكن لتكنولوجيا الاستجابة التلقائية أن تكون فعالة في الحد من تأثير الهجمات السيبرانية، من خلال تطوير أنظمة تقوم بعزل الأنظمة المتضررة تلقائياً لمنع انتشار الهجمات.
ومع زيادة عدد الأجهزة المتصلة بالإنترنت (انترنت الأشياء)، يصبح أمان هذه الأجهزة أمراً بالغ الأهمية، وهنا يمكن استخدام تقنيات التشفير والتحقق الثنائي لضمان أمان التفاعل بين هذه الأجهزة والنظم السيبرانية الأخرى، ضمن الأوجه الإيجابية كذلك. كما يمكن باستخدام التحليل البياني تطوير نماذج تنبؤ متقدمة لتحديد الثغرات المحتملة في الأنظمة والتطبيقات.
وبالنظر لناحية الأوجه السلبية، فيمكن للمهاجمين استغلال الذكاء الاصطناعي لتطوير أساليب هجمات أكثر تطوراً وتعقيداً، كما يمكن أن يتيح لهم استخدام تقنيات التعلم الآلي لتحليل البيانات واكتشاف الثغرات والأنماط غير المألوفة في الأنظمة السيبرانية، وهذا يجعل من الصعب اكتشاف هذه الهجمات بسبب تعقيد الأساليب المستخدمة.
الهجوم والدفاع
هذا ما يشير إليه العضو المنتدب لشركة IDT للاستشارات والنظم، محمد سعيد، والذي يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن تقنيات الذكاء الاصطناعي متداخلة إلى حد كبير جداً في مسألة الأمن السيبراني، لا سيما وأن المهاجمين يعتمدون عليها من أجل الاستفادة مما تتيحه من فرص، وفي ضوء تعدد النماذج المختلفة في الفترة الأخيرة لتطبيقات الـ AI.
ويضيف: "بدأ الهاكرز (المهاجمون) يلجأون إلى تلك النماذج لاكتشاف طرق وثغرات جديدة وآليات مختلفة للاختراق، وبما يشكل تحدياً واسعاً أمام المختصين في مواجهة تهديدات الأمن السيبراني والشركات".
بينما على الجانب الآخر فإن هؤلاء المختصين أيضاً توفر لهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي أدوات لتعزيز قدرات مواجهة التهديدات السيبرانية المتقدمة بنفس القدر، بحسب سعيد، الذي يعتبر أن "تطبيقات الـ AI تخدم الطرفين على حد سواء؛ فهي من ناحية قد يتم استغلالها من قبل المهاجمين في تطوير أساليب هجماتهم والعثور على ثغرات في الأنظمة، ومن ناحية أخرى تساعد متخصصي الأمن السيبراني في تطوير أدوات المواجهة.. وبالتالي فهي تطبيقات تساعد طرفي الهجوم والدفاع في آن"، على حد تعبيره.
تحديات واسعة
وفي عالم اليوم المترابط والرقمي، جاء التطور السريع للتكنولوجيا بفرص غير مسبوقة وتحديات رهيبة. أحد التحديات الأكثر إلحاحاً في هذا العصر الرقمي هو التطور المتصاعد للتهديدات السيبرانية، والتي تتفاقم الآن من خلال دمج الذكاء الاصطناعي (AI) في جوانب مختلفة من حياتنا. ومع استمرار تقدم الذكاء الاصطناعي، أصبح من الضروري استكشاف كيف يمكن للتكنولوجيا أن تتفاعل بشكل فعال مع هذه التهديدات السيبرانية المتقدمة وتتصدى لها.
في هذا الإطار، يقول المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، الدكتور أحمد بانافع، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:
انتشار الأنظمة الرقمية والإنترنت والأجهزة الذكية عوامل أدت إلى تغيير جذري في كيفية عمل الأفراد والشركات والحكومات.
ومع ذلك، فإن هذا التقدم لم يأت من دون عيوبه وسلبياته؛ فقد أصبح عالم الإنترنت ساحة معركة للمتسللين والمنظمات الإجرامية وحتى بعض الدول، إذ يسعى كل منهم إلى استغلال نقاط الضعف لأغراض مختلفة، بدءاً من المكاسب المالية إلى النفوذ السياسي.
لم تعد الأساليب التقليدية للأمن السيبراني، مثل جدران الحماية وبرامج مكافحة الفيروسات، كافية لمواجهة الطبيعة المعقدة والتكيفية للتهديدات الإلكترونية الحديثة.
أصبح المتسللون بارعين بشكل متزايد في التهرب من الاكتشاف وصياغة الهجمات المعقدة التي يمكن أن تسبب اضطراباً هائلاً.
ظهر الذكاء الاصطناعي، وخاصة التعلم الآلي، كأداة فعالة في تعزيز جهود الأمن السيبراني.
تم تصميم خوارزميات التعلم الآلي للتعرف على الأنماط وإجراء التنبؤات بناءً على البيانات ، وتمكينها من تحديد الحالات الشاذة والتهديدات المحتملة التي قد تمر دون أن يلاحظها أحد من قبل المحللين البشريين.
تعد هذه القدرة على تحليل كميات هائلة من البيانات في الوقت الفعلي بمثابة تغيير لقواعد اللعبة في مكافحة التهديدات السيبرانية.
وبحسب بانافع، يمكن لأنظمة الأمن السيبراني المدعومة بالذكاء الاصطناعي التعلم باستمرار من البيانات الجديدة ، والتكيف مع قدراتها في اكتشاف التهديدات وتحسينها بمرور الوقت، ويلفت إلى أن "هذا مهم بشكل خاص لأن التهديدات الإلكترونية ليست ثابتة؛ فهي تتطور وتتحول مما يستلزم نهجاً ديناميكياً واستباقياً للدفاع". وتتفوق خوارزميات التعلم الآلي في هذا تحديدًا، فهي تتقدم بخطوة واحدة على مجرمي الإنترنت.
تحديات الأمن السيبراني
إلا أنه في حين أن دمج الذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني يحمل مزايا كبيرة، فإنه يقدم أيضاً مجموعة التحديات الخاصة به، أحد المخاوف المهمة هو "إساءة الاستخدام المحتملة للذكاء الاصطناعي من قبل الجهات الخبيثة"، على النحو التالي:
يمكن للقراصنة الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتطوير هجمات أكثر تعقيداً واستهدافاً، وأتمتة مراحل مختلفة من عملياتهم.
قد يؤدي ذلك إلى سباق تسلح للهجمات والدفاعات التي يقودها الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي يزيد من تعقيد مشهد الأمن السيبراني.يكمن التحدي الآخر في الآثار الأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني.وهو ما يشير إليه المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، بقوله "نظراً لأن أنظمة الذكاء الاصطناعي أصبحت أكثر استقلالية وقدرة على اتخاذ القرارات المستقلة، تثار أسئلة حول المساءلة والمسؤولية..
من المسؤول عندما يتخذ نظام الأمن السيبراني المدفوع بالذكاء الاصطناعي قراراً تنتج عنه عواقب غير مقصودة؟ إن تحقيق التوازن الصحيح بين الاستقلالية والإشراف البشري أمر بالغ الأهمية لتجنب النتائج السلبية غير المقصودة".
علاوة على ذلك، يتطلب تكامل الذكاء الاصطناعي قوة عاملة ماهرة تفهم كل من تعقيدات الأمن السيبراني وتعقيدات تقنيات الذكاء الاصطناعي. بينما هناك نقص في المهنيين ذوي الخبرة في كلا المجالين، ما يبرز الحاجة إلى التدريب والتعليم متعدد التخصصات.
التخفيف من حدة التهديدات
على الرغم من هذه التحديات، فإن الفوائد المحتملة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني كبيرة، بحسب بانافع، والذي يقول في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"
إن:من أكثر التطبيقات الواعدة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي اكتشاف التهديدات والوقاية منها.يمكن للأنظمة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي تحليل حركة مرور الشبكة وسلوك المستخدم وسجلات النظام لتحديد الأنماط غير العادية التي قد تشير إلى هجوم إلكتروني.من خلال اكتشاف هذه الحالات الشاذة مبكراً ، يمكن للمنظمات والشركات اتخاذ تدابير استباقية للتخفيف من تأثير الانتهاكات المحتملة.بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز جهود الاستجابة للحوادث.
عند حدوث هجوم إلكتروني، تكون الاستجابة السريعة والفعالة ضرورية لتقليل الضرر.يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تحليل الهجوم وتحديد الأنظمة المتأثرة واقتراح استراتيجيات العلاج المناسبة.
هذا يقلل من الوقت المستغرق لاحتواء الهجوم والتعافي منه ، مما يحد من تأثيره الكلي.التحليلات التنبؤية مجال آخر يتألق فيه الذكاء الاصطناعي؛ فمن خلال تحليل البيانات التاريخية والاتجاهات الحالية، يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة المؤسسات على توقع التهديدات السيبرانية المحتملة ونقاط الضعف.
يسمح هذا النهج الاستباقي بتنفيذ التدابير الوقائية قبل وقوع الهجوم.نهج شامل للأمن السيبراني
وللتصدي بفعالية للتحديات التي تطرحها التهديدات السيبرانية المتقدمة وتكامل الذكاء الاصطناعي، يرى المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، أنه:من الضروري اتباع نهج شامل للأمن السيبراني. لا يشمل ذلك الاستفادة من التقنيات التي يحركها الذكاء الاصطناعي فحسب، بل يشمل أيضاً تعزيز التعاون بين مختلف أصحاب المصلحة.
يمكن أن تلعب الشراكات بين القطاعين العام والخاص دوراً حاسماً في تبادل معلومات التهديدات وأفضل الممارسات.تحتاج الحكومات والصناعات والمؤسسات البحثية إلى العمل معاً لإنشاء نظام بيئي قوي للأمن السيبراني يمكنه الاستجابة بفعالية لمشهد التهديدات المتطورة.كما أن التعليم والتدريب هي أيضاً عناصر حيوية في هذا النهج.
مع استمرار تطور مجال الذكاء الاصطناعي ، فإن التعلم المستمر ورفع المهارات ضروريان لتزويد المتخصصين في الأمن السيبراني بالأدوات والمعرفة اللازمة لتسخير الذكاء الاصطناعي بشكل فعال.