فيما تتجه حكومات العالم إلى حماية الغابات وتوفير الأغطية النباتية، وتحويل أراضيها لأحزمة خضراء، لمواجهة مخاطر التغير المناخي، تقوم سلطات محافظة السليمانية في إقليم كردستان بالإجهاز على الأشجار والمساحات المزروعة لتشييد مجمعات سكنية عمودية، وهو ما حذر مختصون من مخاطره على البيئة.
وكانت السلطات المحلية في السليمانية، قد أعلنت في آيار مايو الماضي، عن المباشرة ببناء مجمع سكني عمودي في سفح جبل گويژة، ما أثار غضب شريحة واسعة من الأهالي والمنظمات المعنية بالبيئة، لكون المستثمر قام بتجريف الأشجار الموجودة في موقع المجمع.
ويقول الخبير البيئي رمضان محمد، خلال حديث لـه، إن “المجمعات السكنية يتم إنشاؤها في إقليم كردستان عموما والسليمانية على وجه الخصوص قرب الغابات الجبلية، حيث يتم قطع الأشجار من أجل ذلك، ما يخلق سلبيات كبيرة في مقدمتها تحجيم الحزام الأخضر للمدن، والتأثير على البيئة كثيرا، ويزيد من معدلات الارتفاع في درجات الحرارة”.
ويضيف محمد، أن “المجمعات السكنية تخنق الأوكسجين، كونها لا تهتم بالمساحات الخضراء، ومن الناحية العلمية كل شخص يحتاج إلى أربعة أمتار من المساحات الخضراء، وهذه المساحة غير متوفرة، في حين يقوم المستثمرون بقطع الأشجار والغابات لبناء مجمعات سكنية على أسس غير علمية”.
ويتابع “كما أن المجمعات السكنية وبسبب غياب التخطيط والفوضى فإنها تستحوذ على كميات كبيرة من المياه، بسبب التضخم الكبير في السكان داخل تلك المجمعات، باعتبار أن أقل مجمع فيه 50 عمارة، وكل عمارة تضم 20 طابقا، وما بين 60 إلى 70 شقة، وهذا يؤدي لضغط كبير على المياه، ويخلق أزمة تزيد من معدلات الجفاف، لأن المستثمرين يوفرون المياه بشكل مستمر لتلك المجمعات على حساب حصص القرى الزراعية”.
وكان نائب رئيس حكومة إقليم كردستان، والقيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني قوباد طالباني، قد اعترف بحجم الانتقادات التي طالته وطالت السلطات في السليمانية، بسبب مشروع جبل ”گويژة”، وفيما دافع فيه عن اتخاذ مثل تلك الخطوة، أقر بخطورة التدهور البيئي، واصفا إياه بأنه أكبر بكثير من خطر الإرهاب.
بدوره، يؤكد الأكاديمي حكيم عبدالكريم، خلال حديث لـه، أن “أغلب المجمعات السكنية، ومنها المجمعات التي يتم بناؤها على غابات جبل گويژة، هي مجمعات مستثمرة من قبل شخصيات متنفذة في الاتحاد الوطني الكردستاني ومقربة منه”.
ويشير عبدالكريم، إلى أن “أغلب المجمعات أصبحت مهمتها غسيل الأموال والثراء على حساب المواطنين، فالموظفين وذوي الدخل المحدود لا يستفيدون منها”.
ويلفت إلى أن “أغلب المستثمرين يفضلون بناء المجمعات بالقرب من الجبال والغابات ومنها جبلي گويژة وأزمر، كونها تساهم برفع أسعار الشقق والفلل باعتبار أن هنالك رغبة ممن يشترون الشقق بمشاهدة جمالية المنطقة والإطلالة على المناطق الجبلية”.
ويوضح الأكاديمي، أن “ما يجري في جبل گويژة من اقتطاع للأشجار وتدمير الحزام الأخضر للسليمانية هو جريمة بحق البيئة، وجريمة بحق المحافظة”.
ويشدد على أن “الاتحاد الوطني الكردستاني وتحديدا نائب رئيس حكومة الإقليم، قوباد طالباني يتحدث باستمرار عن ضرورة حماية البيئة، لكن حزبه والمتنفذين فيه هم من يعتدون على البيئة، وهذا الأمر يعبر عن ازدواجية غير مفهومة، فعلى طالباني إذا أراد حماية البيئة أن يتوقف عن منح الرخص الاستثمارية بالقرب من الغابات والقرى الزراعية والمناطق الجبلية”.
وفجرت مشاريع الإسكان التي تقام حاليا على سفوح جبال گويژة في السليمانية، جدلا واسعا وخلق فريقان متخاصمان أحدهما يرى أن هذه المشاريع قانونية وهي تخدم المحافظة وأهلها، فيما يجدها الفريق الآخر أنها مكانا لجمع الأموال بطريقة غير قانونية.
من جانبه، يحذر الصحفي الكردي المختص بالشأن البيئة هفيدار عمر، خلال حديث لـه، من “استمرار التجاوز على البيئة، وعلى القضاء في كردستان والجهات المختصة في حكومة الإقليم ووزارة البيئة الاتحادية التدخل بهذا الموضوع للحفاظ على البيئة”.
ويردف “من الواضح أن هيئة الاستثمار في السليمانية هي ليست الجهة المختصة في منح الرخص الاستثمارية، أو أنها تخضع للضغوط من قبل الجهات الحزبية الحاكمة في السليمانية”.
ويبين أن “السليمانية التي كانت تمتاز بأجواء معتدلة صيفا، ودرجات الحرارة قبل سنوات لم تكن تتجاوز الـ40 درجة مئوية إلا في حالات نادرة، لكن الآن الوضع اختلف بسبب قطع الأشجار المستمر، ما يزيد من نسب التصحر ويقلل من الأوكسجين، ويؤثر على الحزام الأخضر في أطراف المدينة”.
وتشهد السليمانية حراكا من قبل منظمات المجتمع المدني التي تدافع عن البيئة، وأغلب تلك المنظمات تطالب بإيقاف التجاوز على جبل گويژة، كونه منطقة سياحية ومتنفسا للمدينة.
إلى ذلك، يرى عضو الاتحاد الوطني الكردستاني صالح فقي، خلال حديث لـه ، أنه “لم يتم قطع أشجار ولم تبن أي مجمعات سكنية في وسط غابات جبل گويژة، وهذه المجمعات في منطقة بعيدة عن الجبل”.
ويردف فقي، بأن “المجمعات السكنية تعكس الوجه الحضاري للمدينة، وتباع على المواطنين من السليمانية ومن جميع المحافظات بأسعار مناسبة، وبالتقسيط، وهذا الأمر يجري في كل دول العالم، فكل الدول بدأت تعتمد على البناء فهو بالعكس مناسب للبيئة، وهذه المجمعات تهتم بالمساحات الخضراء والحدائق، وتقوم إدارتها بحملات للتشجير في الشوارع القريبة”.
ويختم بالقول “هذه الجمعات تخلق بيئة حضارية، وتزيد من الفرص الاستثمارية للمدينة، والاتحاد الوطني كحزب لا يتدخل في القرارات الإدارية لأي دائرة في السليمانية، فالجميع يخضع للضوابط والقوانين، وأيضا لا نقبل إطلاقا بأي تجاوز على البيئة”.
وتدار السليمانية منذ بداية تسعينيات القرن الماضي من قبل الاتحاد الوطني الكردستاني وهو أحد الحزبين الحاكمين في إقليم كردستان منذ تمتع المنطقة بحكم ذاتي شبه مستقل في العام 1991، وقد شكل الاتحاد الوطني عدة حكومات لإدارة المنطقة قبل أن تتوحد حكومة الإقليم في العام 2006، لكنه يلقي باللائمة في عدم تقديم الخدمات بشكل كافٍ للمواطنين خلال هذه العقود من الزمن على الخلافات المستمرة بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية في بغداد.