16 Jul
16Jul

محافظة المثنى التي من المتوقع أن تكون سلّة العراق الغذائية، وفيها بادية السماوة التي تضم العشرات من المواد الأولية في ميزة اقتصادية تفتقر لها باقي المحافظات، لكنها وفي مفارقة عجيبة فإنها تتصدر المحافظات الأشد فقراً بنسبة 52 بالمئة.
تتميز محافظة المثنى بموقعها الجغرافي واحتوائها على الزراعة والصناعة والسياحة بشقيها الأثرية والطبيعية، إذ تعد عاصمة صناعة الأسمنت في العراق.
جغرافية محافظة المثنى

تقع محافظة المثنى في القسم الجنوبي الغربي من العراق على أطراف السهل الرسوبي وفي الجزء الجنوبي منه، الا أن جزءاً منها يقع في القسم الجنوبي الغربي للهضبة الغربية، مما اكسبها موقعاً ضمن منطقة الفرات الأوسط.
ويحدها من الشمال محافظة الديوانية، ومن الجنوب المملكة العربية السعودية، ومن الشرق محافظتا ذي قار والبصرة، وغرباً محافظة النجف، وتبعد (282) كم جنوب العاصمة بغداد.
وهي ثاني أكبر محافظة في العراق من حيث المساحة، إذ تبلغ مساحتها الكلية (51740) كم2، وتشكل نسبة (11.8%) من مساحة البلاد.


إمكانات المحافظة

تتميز محافظة المثنى بموقعها الجغرافي كونها تتوسط بين منطقة الجنوب والوسط، ووجود المواقع الأثرية والسياحية، منها منطقة أوروك (الوركاء) التي دخلت ضمن لائحة التراث العالمي، وبحيرة ساوة.
كما تتميز المحافظة بامتلاكها منطقة البادية الجنوبية التي تشكل نسبة كبيرة من مساحة المحافظة والعراق، وتعد خزيناً استراتيجياً للتنمية الزراعية والصناعية والسياحية.
إذ تتوفر في بادية المثنى المواد الأولية خاصة تلك التي تدخل في صناعة الأسمنت، إضافة الى توفر المياه الجوفية الصالحة للزراعة.
وتتميز المحافظة أيضاً بدخولها ضمن الرقع الاستكشافية للنفط والغاز، وانتاج النفط، فيما يشكل الوضع الأمني الجيد في المحافظة عنصراً مهماً لدعم المهام والبرامج بما فيها تشجيع الاستثمار.


أولويات الاستثمار

ويرى مختصون أن موضوع تطوير قطاع الاستثمار في مفاصل القطاعات الاقتصادية الحقيقية كافة، يحتاج الى رؤية حول أولويات الاستثمار في هذا القطاع أو ذاك.
وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي، ضياء المحسن، إن “على الحكومة الاستثمار في القطاع الذي يؤمّن لها الأمن الغذائي، ونقصد هنا القطاع الزراعي”.
ويوضح المحسن، “لأن هذا القطاع يستطيع استيعاب أعداداً كبيرة من العاطلين عن العمل، بالإضافة إلى قدرته على تشغيل الصناعات التحويلية، من خلال تحويل الفائض من الإنتاج الزراعي”.
ويؤكد، أن “الاستثمار في القطاع الصناعي يحتاج إلى إقرار تعديل قانون الاستثمار الصناعي والذي يدور في أروقة مجلس النواب منذ فترة ليست بالقصيرة”.
ويضيف، كما أن “الاستثمار الصناعي يحتاج إلى وجود شركات عالمية لديها خبرات واطلاع واسع بنوعية المواد الأولية التي تنتشر في مختلف مناطق البلاد، وأيضاً وجود أيدي عاملة شابة ومثقفة بإمكانها التعامل مع التكنولوجيا الحديثة”.


مميزات المحافظة: 

الباديةتتمتع محافظة المثنى بميزة المساحة الواسعة، وتشكل باديتها تقريباً 20 مليون دونم، فيما تبلغ الأراضي المتشاطئة مع نهر الفرات حوالي مليون دونم.
وسبّب التغير المناخي انخفاض مستوى المياه وتدني جودتها ، فضلاً عن زحف التصحر على الأراضي الزراعية، ما نتج عن حصول هجرة داخلية في المحافظة، والعمل بأماكن أخرى لكسب المال بدل الاعتماد السابق على الزراعة.
لكن، ومنذ سنتين، تغيرت الوقائع في المحافظة، بعد دخول عناصر جديدة على المعادلة، وفق الخبير الاقتصادي من محافظة المثنى، ماجد أبو كلل.
وعن هذا التغيير يوضح أبو كلل أن “الحشد والعتبة الحسينية والعتبات المقدسة بدأوا في استثمار آلاف الدوانم، وحالياً يجري العمل مع مجلس التخطيط والتنمية والحكومة المحلية على تعشيق الزراعة مع الصناعات التحويلية المرتبطة بها”.
ويؤكد، “إذ لا يمكن تجاهل الميزة الاقتصادية الخاصة بالمحافظة عن سائر باقي المحافظات التي هي وجود 18 مليون دونم صالحة للزراعة في صحراء السماوة”.
ويتابع، “لذلك نشجع الاستثمار الزراعي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الاستثمار الزراعي يرتبط بالصناعة التحويلية، أما قبل أو بعد، وهي ما تسمى بـ(الأمامية والخلفية)”.
على سبيل المثال في الري، هناك وسائل الرّي الحديثة التي تحتاج إلى مصانع لإنتاج شبكات الرّي بالتنقيط، وهذه غير متوفرة لا بالمحافظة ولا في العراق، وتم التعاقد مؤخراً مع هيئة الاستثمار لتأسيس مصنع أو مصنعين بالمحافظة، وفق أبو كلل.
وكذلك التعليب، إذ إن صناعة التعليب تعتمد على الزراعة، لأن الكثير من المنتجات تكون أسعارها منخفضة في الموسم بسبب كثرة العرض، لذلك سوف تساهم هذه الصناعة في دعم المزارع، وغيرها الكثير من الصناعات المرتبطة بالقطاع الزراعي، بحسب الخبير الاقتصادي.


المياه الجوفية

تشكو حكومة محافظة المثنى من قلّة المصادر التموينية الذاتية للمحافظة، إذ تفتقر إلى منفذ حدودي في ظل غياب (سابق) للهوية الزراعية والصناعية، “لكن الحال تغير خلال السنوات الماضية، بعد العمل باتجاهين حكومي واستثماري”.
هذا ما أفاد به مستشار محافظ المثنى لشؤون الاعمار والاستثمار، حيدر الوهامي، ويضيف “ونتيجة لشحة المياه ذهبت الحكومة المحلية إلى تفعيل مصادر المحافظة، منها الاستثمار في المياه الجوفية المتوفرة بكثرة في بادية السماوة”.
ويبيّن أن “المياه الجوفية يعتمد عليها في زراعة نحو 8 ملايين دونم، بالإضافة إلى مليوني دونم التي في طور استثمار شركة (المهندس)، ومن المتوقع أن تكون سلّة العراق الغذائية في المستقبل من السماوة، لوفرة المياه الجوفية فيها”.
ويتابع الوهامي، “وظهر هذا جلياً في الموسم التسويقي الحالي، خاصة في تسويق محصول الحنطة الذي وصل هذا العام إلى 130 ألف طن، وهو أعلى مستوى يصل له هذا المحصول الاستراتيجي”.
الصناعة: الإسمنت والنفطأما في محور الصناعة، فيرى أن “المحافظة واعدة في الصناعة، وهويتها أسمنتية، وهناك 3 معامل أسمنت (الدوح، سامان، ونجمة المثنى)، وهذه المعامل تعمل بطريقة الاستثمار، وطاقتها الإنتاجية بحدود 6 ملايين طن سنوياً تُصدّر خارج المحافظة”.
ويضيف، “وكذلك توجد إجازات استثمارية قيد التنفيذ بحدود 5 معامل، بالإضافة إلى وجود معملين أسمنت حكوميين، كما يوجد في قضاء النجمي بحدود 43 معملاً أهلياً في صناعات مختلفة”.
وعن الصناعات النفطية في المثنى، يوضح مستشار المحافظ، أن “هناك رقعتين استكشافيتين، الرقعة الاستكشافية العاشرة، وحقل أريدو المشترك مع محافظة ذي قار الذي تعمل عليه شركة (لوك أويل) الروسية ضمن جولة التراخيص الرابعة”.
ويبيّن، أنه “بحسب العقد الموقّع مع الشركة، فإنه يتضمن حفر 9 آبار في الرقعة العاشرة واكتمل العمل بها، وفي عام 2025 سيتم إنتاج النفط، ويبدأ يتصاعد الإنتاج إلى أن يصل إلى 30 ألف برميل بحلول عام 2027”.
ويتابع الوهامي، “وكذلك هناك الرقعة الاستكشافية 12 المشتركة مع محافظة النجف، وتحديداً في نقطة منطقة السلمان، وتعمل شركة (باش) الروسية على 4 آبار استكشافية هي سلمان 1و2و3و4”.
ويؤكد مختصون، أن المشكلة الاقتصادية في العراق تتمثل بالاقتصاد الريعي، فمنذ 70 عاماً والبلاد تعتمد على تصدير النفط الخام، وهذا التصدير لا يمكن استبداله بصناعة أخرى تعتمد على الخام مصدر ثروة طبيعية ناضبة.
ويشدد هؤلاء على ضرورة عدم الميل إلى الاعتماد على الصناعات الاستخراجية التي هي صناعة تعتمد على مادة خام، لأن هذه الصناعة وإن طال الزمن فهي ناضبة من جانب، ومن جانب آخر تشغيل العاملين فيها قليل.
ويوضحون أن الصناعات الاستخراجية تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة، ومهارات واختصاص تقني للعامل، وهذا لا يتوفر حالياً في المثنى، لذلك نجد أغلب العاملين هم من خارج المحافظة أو من جنسيات أجنبية.


مركز تدريب

وفي هذا السياق، يقول مستشار محافظ المثنى، أن “القطاع الصناعي ومنها الصناعة النفطية تشهد تطوراً في العمل، ما يتطلب توفر كوادر ماهرة احترافية أو تخصصية، وهو ما تفتقر له محافظة المثنى التي تخلو من مركز للتدريب والتطوير لتهيئة العاطلين للعمل في المحافظة”.
في وقت تظهر قاعدة بيانات العاطلين التابعة لوزارة العمل، تسجيل 60 ألف عامل عاطل في المحافظة، يكشف الوهامي أن “شركة لوك أويل سوف تطلب أيدي عاملة من محافظة المثنى وذي قار حصراً في الرقعة العاشرة خلال الفترة المقبلة، ولكن سوف يطلبون متخصصين، وهو ما يؤكد الحاجة إلى فتح المركز لتأهيل هذه الكوادر العاطلة”.


الصناعات التحويلية

تتجه محافظة المثنى نحو “الصناعات التحويلية” التي يقصد بها الصناعات التي موادها الأولية يحصل عليها من الإنتاج الزراعي، مثلاً معجون الطماطم، فهو معمل صناعي ومادته الأولية هي الطماطم، وفق مدير تخطيط المثنى، قابل حمود.
من جانب آخر، يشير حمود إلى أن “المحافظة فيها آثار الوركاء التي أخذت بُعداً عالمياً بعد ضمّها في السنوات الأخيرة بلائحة التراث العالمي”.
ويؤكد، أنه “بمجرد الترويج الجيد للآثار، سوف تفتح آفاقاً جديدة لدخول السوّاح الأجانب وطلبة الدراسات والمختصين بالتراث والآثار والتاريخ، وبالتالي توليد جانب اقتصادي جديد بسبب السياحة”.
وفضلاً عن السياحة، تحتوي بادية المثنى على العشرات من المواد الأولية، ولكنها حالياً عبارة عن أتربة غير متحوّلة، وبالاستثمار والترويج الصحيح ودعم القطاع الخاص والاستثمار سوف تتحوّل هذه المواد الأولية إلى معامل وصناعات، وسوف تحقق القفزة والتحوّل بالمحافظة، بحسب حمود.
ويختم مدير تخطيط المثنى حديثه بالقول: “أمّا في ظل بقاء هذه المواد الأولية عبارة عن أتربة، فمن المؤكد يبقى الفقر العوز وقلّة الدخل لأهالي المحافظة”.
وبحسب تصريح سابق للمتحدث باسم وزارة التخطيط، عبدالزهرة الهنداوي، فإن محافظة المثنى تتصدر المحافظات الأشد فقراً بنسبة 52 بالمئة.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة