تقلب الفتاة البغدادية سجى خالد ذات العشرين ربيعا، صفحات وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي، وتتوقف طويلا عند الإعلانات الخاصة بمنتجات التجميل والعناية بالبشرة، كغيرها من آلاف الفتيات، المغرمة بمنتجات العناية بالبشرة، ولا تكاد تخلو منضدتها من أنواعها التي يتم الترويج لها، حيث تقتني شهريا منتجات جديدة لعلها تحصل على بشرة صافية كبشرة “المودل” التي تروج لهذا المنتج أو ذاك، ومن دون نتيجة تذكر.
وتقول سجى، خلال حديث لـها، إن “المنتجات التي أستخدمها منذ سنوات لم تصلح عيوب بشرتي مثل الكلف والمسامات الواسعة، والمشكلة أنها أصبحت كالمخدرات، فتركها يسبب ظهور عيوب أخرى، وهو ما يجبرني على مواصلة شراء المنتجات”.
وتضيف “أنفقت الكثير من الأموال على ومواد التجميل، ولكن في النهاية لم أحصل على ما أريد، ورغم ذلك لم أعد أستطيع الاستغناء عنها خشية الانعكاسات السلبية في حال تركها”.
وتحاصر منصات التواصل الاجتماعي، النساء بوابل من إعلانات مواد التجميل، ويُغرق “المؤثرون” أو “الإنفلونسرز” الناس بتجاربهم مع المنتجات التي يزعمون أنها غيرت حياتهم ومنحتهم بشرة جذابة ويستعرضون بخطوات عديدة للعناية بالبشرة.
ويتفنن هؤلاء المؤثرون وعبر العديد من الصور (الفلاتر) للظهور ببشرة صافية بغية جذب الزبائن وخاصة الإناث وإقناعهن بفاعلية المنتجات، إذ تمارس البائعات في محال الكماليات شتى أنواع الخداع لإقناع الزبونات بجدوى المنتج الذي تروم بيعه وتدفع بالزبونات لشراء مستحضر آخر يكون مكملا للمنتج الذي اشترته من أجل الحصول على نتائج جيدة.
بدورها، توضح طيبة هادي (25 عاما)، البائعة في متجر لبيع مستحضرات التجميل في بغداد، خلال حديث لـها أن “أصحاب المحال يرغمون البائعات على وضع كميات كبيرة من مساحيق التجميل من أجل إخفاء عيوب البشرة، لتبدو البائعة جميلة وذات بشرة صافية، بهدف جذب الزبونات وتحريك الغيرة لديهن لشراء أي مستحضر أو منتج تنصحها به البائعة”.
وتؤكد أن “أصحاب محال بيع مستحضرات التجميل يلزموننا ببيع عدد معين من المنتجات يوميا، وإن لم ننجح بذلك يخصمون مبلغا من الراتب الشهري، فيما تحصل البائعة على مكافأة مالية أن حققت زيادة في المبيعات، وهو ما يدفع البائعة لممارسة شتى أساليب الإقناع للضغط على الزبونات وتحقيق مبيعات جيدة يوميا”.
وتسهم مراكز التجميل والشركات المنتجة للمستحضرات في مسلسل الخداع، إذ تمول ظهور عارضات الأزياء المتزينات في المجلات والإعلانات، وفتيات الإنستغرام اللواتي تتأثر بهن العديد من الفتيات.
وكان المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، قد أكد في تصريحات صحفية، متابعة هذه المنتجات من قبل لجان فنية مختصة في جهاز التقييس والسيطرة النوعية لبيان مدى مطابقتها للمواصفات.
وأشار إلى أن اللجان تتابع مستحضرات التجميل التي يتم إنتاج بعضها في ورش داخل البيوت وتم ضبط عدد من المخالفات وإحالة أصحابها إلى القضاء، دون تحديد عددها ومواقعها.
من جهتها، تحذر طبيبة الأمراض الجلدية سما جمال، خلال حديث لـها من “استخدام منتجات العناية بالبشرة دون مراجعة الطبيب المختص، إذ أن 90 بالمئة ممن يراجعن عيادتي هن ضحايا استعمال مواد لا تتناسب وطبيعة بشرتهم، أو استعمالهن لأكثر من مادة على الوجه”.
وتنبه إلى أن “هناك مركبات كيميائية لا تتناسب مع مواد أخرى، الأمر الذي يؤدي إلى الإسمرار وتحسس البشرة وظهور الكلف وغيرها من التداعيات السلبية”.
وتشدد على “أهمية استعمال المنتجات بإشراف طبيب مختص حتى لو كانت هذه المنتجات تباع في الصيدليات، وأن يتم قبل كل شيء فحص البشرة للوقوف على نوع العيوب والأمراض والعلاج المناسب لتفادي المضاعفات”.
وتشير جمال إلى أن “أساسيات العناية بالبشرة تقتصر على التنظيف والترطيب والوقاية من الشمس، أما المنتجات الإضافية مثل السيروم وكريمات العين ومضادات الأكسدة والريتينول فهي غير ضرورية ويمكن الاستغناء عنها”.
ولا يقتصر انتشار مستحضرات التجميل المغشوشة على العراق، ففي العام 2015، اضطرت العاصمة البريطانية لندن لإصدار إنذار وطني بعد الكشف عن حاوية شحن قادمة من الصين تحتوي على أكثر من 4700 نسخة مغشوشة من منتجات مقلدة للعلامة التجارية الشهيرة المتخصصة بمساحيق التجميل MAC.
وفي هذا الإطار، يبين مصعب الربيعي، صاحب محل كوزمتك، خلال حديث لـه أنه “لا أسمح بإدخال أي منتج إلى محلي ما لم يتم الإعلان عنه من قبل فاشينيستا معروفة ولها عدد كبير من المتابعين لضمان عدم التورط بمنتجات مغشوشة”.
ويشير الربيعي، إلى أن “المنتج الذي تروج له الفانشيستا، ينفد من المحل خلال أقل من أسبوع مهما كانت كميته كبيرة وسعره وذلك لأن الكثير من النساء يثقن بالفانشيستا”.
يشار إلى المركز العراقي لمحاربة الشائعات، دعا في حزيران يونيو 2023، وزارة الصحة ونقابة الفنانين العراقيين، إلى اتخاذ إجراءات صارمة بحق شركات بيع المنحفات والمستحضرات التجميلية التي تروج لمنتجات غير خاضعة للموافقات الصحية على مواقع التواصل الاجتماعي، محذرا المواطنين، من استخدام هذه المواد دون استشارة الطبيب أو التأكد من وجود موافقات أصولية من وزارة الصحة كونها غير خاضعة للفحوصات الطبية.
إلى ذلك، يشرح أستاذ علم النفس في جامعة السلام، حسن عبد الله حسن، خلال حديث لـه، أن “عالم الدعاية والخداع يدفع الفتيات للوقوع فريسة سهلة لمراكز التجميل ومستحضرات العناية بالبشرة”.
ويتابع أن “هوس شراء منتجات العناية بالبشرة المبالغ به أصبح برمجة للعقل الباطن لدى الفتيات بأن سر جمالها يكمن في شراء هذه المنتجات بمئات الآلاف من الدنانير وهذا ما أدى إلى فقدان الثقة بجمالهن الطبيعي ليذهبن في رحلة بحث بلا نهاية عن الجمال في وسط هذا الخداع”.
وباتت عمليات التجميل هاجسا للكثير من السيدات والرجال الذين يبحثون دائما عن سبل للحفاظ على جمالهم وشبابهم، وتنقسم هذه الجراحات بين العادية لتعديل الأنف، ومَن يغوص أكثر في تجربة أبرز اتجاهات التجميل السائدة.
ويرى خبراء التجميل أن أبرز اتجاهات العمليات المتوقع انتشارها في العام 2024، هي تلك التي تعتمد على “الروتوش” وإجراء بعض التعديلات الطفيفة، ففي الوقت الحالي، يخشى معظم الناس من الجراحات التجميلية، لذا من المحتمل أن تظهر التدابير التي تساعد على إجراء تغييرات صغيرة ولكنها مؤثرة في الوجه والشكل.
ويتوقع الأطباء أيضا أن تتهافت النساء اللواتي في سنّ الأربعين على عمليات شدّ الوجه، على اعتبار أنها باتت من العمليات البسيطة.