بات المستشارون الذين كلفهم رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، أبرز نقطة سلبية في هذه الحكومة، كما ترى أوساط سياسية، أكدت أيضا أن هؤلاء المستشارين فقدوا أصل وظيفتهم لعدم قيامهم بدورهم الصحيح، في ظل وجود مؤسسات تنفيذية تشغل نفس اختصاصات المستشارين، رغم تأكيدهم على أهمية المنصب في الدول الأخرى، لا كما يتم التعامل معهم، وفقا لـ"الترضية السياسية".
ويقول المحلل السياسي علي البيدر، خلال حديث له إن "الهدف من وجود المستشارين لدى أي مؤسسة حكومية أو شخصية مسؤولة، هو لتقديم حلول غير تقليدية لأي أزمة، وتجاوز الأطر الروتينية، إضافة إلى تقديم المعلومة للمسؤول، حتى يكون على اطلاع حول ما يجري من أحداث، لكننا نرى اليوم، أن منصب المستشار في العراق أفرغ من محتواه".
ويبين البيدر، أن "منصب المستشار أصبح للترضية السياسية وتحقيق مكاسب شخصية وحزبية أو من أجل تحقيق نسبة التمثيل في السلطة، وبعض الأشخاص أصبحوا يعقبون معاملات في دوائر الدولة، بسبب الصفة التي يمتلكونها، وهي المستشار لدى الجهات الحكومية العليا وتمرير بعض الصفقات، وهنا الخلل بالمستشار والمستشير".
ويضيف أن "رئيس الوزراء، لا يحتاج إلى جيوش من المستشارين، فهناك مؤسسات دولة، يمكن أن تقدم له المعلومة والاستشارة من قبل موظفين ذوي خبرة وكفاءة، بدل تعيين المستشارين الذين هم بالأغلب لا يقدمون أي استشارة حقيقية لرئيس الوزراء والدولة العراقية، رغم أن بعض المستشارين يكلفون خزينة الدولة أموالا طائلة".
ويشدد المحلل السياسي على "ضرورة تفعيل قانون المستشارين من أجل إيجاد مستشارين حقيقيين يقدمون الاستشارة والنصيحة والحلول للأزمات"، منتقدا "وجود مستشارين كثر للمحافظات، قد يبلغون أكثر من سبعة لبعض المحافظين، إذ لا نعرف هل هؤلاء فعلا يقدمون الاستشارة والنصيحة والحلول للأزمات، أم أن حضورهم للترضية السياسية فقط".
وخلال الأيام الماضية، كلف السوداني مستشارين جددا، وهم معتمد الموسوي لشؤون الانتخابات، وحسن نعمة الياسري (رئيس هيئة النزاهة الأسبق) للشؤون الدستورية، وهذا إلى جانب تكليف سابق، تضمن هشام الركابي للشؤون الإعلامية، وفادي الشمري وسامي العسكري للشؤون السياسية وغيرهم.
تضاف هذه التكاليف إلى سلسلة سابقة، تضمنت كلا من: عبد الكريم السوداني مستشارا أمنيا، رشيد العزاوي مستشارا للعلاقات العربية، حسن العقابي مستشارا لمكافحة الفساد، سناء الموسوي مستشارا لشؤون الحماية الاجتماعية، زيدان خلف مستشارا لحقوق الإنسان، عارف الساعدي مستشارا للشؤون الثقافية.
وهؤلاء المستشارون يضافون لمستشارين موجودين في رئاسة الوزراء ضمن هيئة المستشارين ومعينين في الدولة، وهم: إياد بنيان مستشارا للرياضة والشباب، عرفان الحيالي مستشارا عسكريا، فرهاد علاء الدين مستشارا للعلاقات الخارجية، مظهر محمد صالح مستشارا اقتصاديا، وحسين علاوي مستشارا أمنيا.
بالمقابل، يرى الخبير في الشأن السياسي نزار حيدر، خلال حديث له، أن "ملف المستشارين باب من أبواب الفساد المالي والإداري، ليس الغرض منه رفد المسؤول بالأفكار والرؤى التي تساعده على توسيع خياراته عندما يريد أن يتخذ قرارا ما، وإنما هو ملف يصب في خانة المحاصصة الحزبية والفئوية المقيتة التي دمرت الدولة واوصلتها الى ما هي عليه الآن من فشل على مختلف المستويات".
ويبين حيدر، أن "المستشارين الذين يتم الإعلان عن تعيينهم بين يوم وآخر، إنما يتم ذلك بعملية تدوير واضحة لفاسدين وفاشلين مروا بتجارب في العملية السياسية ولم يقدموا شيئاً للدولة، كان آخرهم المطرود من الجامعة بسبب تورطه بعملية غش، فهل يؤتمن مثل هذا (الغشاش) على صوت الناخب حتى يتم تعيينه مستشاراً لشؤون الانتخابات، وانها عملية تدوير تشبه الى حد بعيد عملية تدوير النفايات المعروفة".
ويضيف أن "التعيينات في هذا الملف غير شرعية وغير دستورية لأنها تتعارض مع قانون (تنظيم عمل المستشارين رقم 3 لسنة 2022، وهو القانون الذي صوت عليه مجلس النواب في الجلسة المرقمة 35 في 15/5/2017، والذي تسترت عليه القوى السياسية بالتوافق فلم يوقع عليه رئيس الجمهورية وقتها ولم يُنشر في الجريدة الرسمية (الوقائع العراقية) ليصبح قانوناً نافذ المفعول الى ان أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في 20/12/2022، حكماً بإلزام رئيس الجمهورية اضافة الى وظيفته بإصدار ونشر القانون المذكور".
ويتابع أن "الغريب والمثير في هذا الملف هو أن رئيس مجلس الوزراء يعين لنفسه مستشارين في كل مؤسسات الدولة من وزارات وهيئات مستقلة وأجهزة أمنية وغيرها، وكانه يخطط لبناء هياكل موازية لمؤسسات الدولة، وهذا خطأ فاحش لا يساهم في بناء الدولة ابداً وإنما يضعفها ويقوي الكانتونات الموازية".
ويضم البلد مؤسسات تنفيذية عديدة في أغلب المجالات التي كلف فيها السوداني مستشارين، فضلا عن لجان نيابية ولجان حكومية أخرى، معنية بنفس الاختصاصات.
ويكشف مصدر مطلع خلال حديث لـه، أن "أغلب المستشارين الذين كلفهم السوداني، هم موظفون في الدولة ولديهم مناصبهم الوظيفية، فهو لم يتجه لتعيين جديد".
ويوضح أن "المستشارين جرى تنسيبهم لرئاسة الوزراء، وفق النظام الوظيفي، وباتوا يستلمون مخصصات رئاسة الوزراء، وذلك للابتعاد عن أي مخالفة قانونية بتعيين جديد".
وكان مجلس النواب، أقر في عام 2017 قانون تنظيم عمل المستشارين، وتضمن: لكل من مجلس النواب ورئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء عدد من المستشارين بمكاتب مختصة لكل مستشار وبدرجة خاصة عليا ألا يزيد عددهم على ستة، يرتبطون ارتباطا مباشراً برئاسة الجهة المعنية، كما ورد في المادة الرابعة منه: يعين المستشار في رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء والوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة بمرسوم جمهوري بناء على موافقة مجلس النواب على توصية مجلس الوزراء بتعيين المستشار المقترح من رئاسة الجهة التي يعين فيها.
كما اشترط القانون تعيين المستشارين بالشروط العامة للتوظيف وهي: أن يكون حاصلا على الشهادة الجامعية الأولية في مجال اختصاصه في الأقل، وأن تكون لديه خدمة فعلية وخبرة في مجال تخصصه مدة لا تقل عـن 15 سنة للحاصل على شهادة الدكتوراه و18 سنة للحاصل على شهادة الماجستير و20 سنة للحاصل على شهادة البكالوريوس وعلى ان تكون بضمن هذه المدد خدمة وظيفية فعلية في مجال تخصصه لا تقل عن خمس سنوات، وتكون الاولوية في التعيين بصفة مستشار لمن شغل منصب وزير أو درجة وزير.
بدوره، يذكر رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، خلال حديث لـه، أن "الحكومات في كل العالم على صعيد الرئاسة او غيرها تعتمد من المؤسسات الرسمية والمهمة على عدد من المستشارين المتخصصين لإدارة بعض الملفات المهمة، بما يساعد الوزارات المختصة ورئيس الوزراء في رسم السياسات المختلفة".
ويضيف فيصل "في العراق، الأمر مختلف، خصوصاً أن تعيين وتكليف المستشارين كبير بشكل غير مبرر، كما ان هناك مستشارين لا يؤدون أي مهام مطلوبة لتطوير عمل وأداء مجلس الوزراء ومتابعة بعض الظواهر الخطيرة في المجتمع".
ويبين: "ليس هناك أي عيب بوجود مستشارين وفق ضوابط وقوانين، لكن العيب ان نتوسع بعدد المستشارين والجهاز البيروقراطي لا يؤدي مهامه المطلوبة بل على العكس، يكلف الدولة أموالا طائلة، خصوصاً إذا كان المستشار بدرجة وزير، فهذا الأمر يحتاج الى إعادة نظر من قبل الجهات المختصة الرقابية".
جدير بالذكر، أن هذا القانون ورغم إقراره بمجلس النواب في عام 2017، لكنه لم ينشر بالجريدة الرسمية لغاية الآن، وقد أصدرت المحكمة الاتحادية قرارا في كانون الأول ديسمبر الماضي، بناء على دعوى رفعت أمامها، بإلزام رئيس الجمهورية بإصدار ونشر قانون تنظيم عمل المستشارين المصوت عليه من قبل مجلس النواب، لكن لم ينشر أيضا حتى الآن.
من جهته يؤكد الباحث في الشأن السياسي كاظم ياور، خلال حديث لـه، أن "تعيين المستشارين في رئاسة الوزراء أو غيره من مؤسسات الدولة، يجب أن يكون وفق قانون المستشارين، وتعيين أي مستشار يجب أن يكون له حاجة في اختصاصه ويكون من ذوي الخبرة بالمجال الذي يكلف فيه، لكن التعيينات الحالية هي بسبب المحاصصة السياسية والطائفية".
ويبين ياور أن على "رئيس مجلس الوزراء الاعتماد على الكفاءة والخبرة، وليس على الكمية، خصوصاً ان اغلبهم لا تنطبق عليه شروط تعيين او تكليف مستشار"، لافتا إلى أن "تعيين المستشارين بحكومة السوداني غالباً يتم على معيار الانتماءات والصفات السياسية والحزبية، وهذا ما يؤكد ان هذا التكليف من اجل الترضية السياسية ليس إلا".
وأضاف الباحث في الشأن السياسي أن "مجلس النواب العراقي مطالب بضرورة متابعة ملف التعيين والتكليف بصفة مستشار في رئاسة الوزراء، كما يجب تفعيل قانون المستشارين من أجل إنهاء هذه القضية".
وتخضع المناصب الرفيعة لنظام المحاصصة منذ أول حكومة عراقية بعد 2003، ومن ثم تطور الأمر وبات مرهونا بعدد المقاعد والثقل السياسي الذي تمثله كل كتلة.