على الرغم من حملات الإعمار والتطوير التي شهدتها الأنبار بعد تحريرها من تنظيم داعش، بقي القطاع الصحي متخلفا في أكبر محافظات العراق مساحة، إذ ما زالت مستشفياتها تعاني الإهمال والنقص في الكوادر والأجهزة الطبية، ويعتقد أنباريون أن هذا الإهمال متعمد بسبب الاتجاه للمشافي الأهلية التي يملكها متنفذون في المحافظة.
ويقول مروان المحلاوي (38 عاما) وهو من أهالي قضاء القائم غربي المحافظة، إن “الخدمات الصحية في المستشفيات الحكومية غائبة تماماً، وأغلب المستشفيات التي تعرضت للدمار، لم تعد للخدمة كما كانت، لذا يضطر أغلب المواطنين إلى مراجعة المستشفيات الأهلية أو العيادات الخاصة، بسبب غياب الأجهزة الطبية الحديثة وعدم توفر الأدوية في المستشفيات الحكومية”.
ويطالب المحلاوي، خلال حديثه لـه، الجهات الحكومية والجهات المعنية الأخرى، بـ”التدخل السريع لإنقاذ الواقع الصحي في المحافظة، والذي أصبح عبئا كبيراً على المواطن.
ويشكو عدد من المواطنين في محافظة الأنبار من انعدام الخدمات الصحية وغياب خدمة الطوارئ بالمؤسسات الصحية في المحافظة، فضلاً عن غلاء أسعار الخدمات الطبية والعلاجية في المستشفيات الأهلية الخاصة التي أصبحت بديلاً للمؤسسات الحكومية في مختلف مناطق محافظة الأنبار.
وتعرضت أغلب المستشفيات الحكومية في محافظة الأنبار للدمار، بعد سيطرة داعش على المحافظة عام 2015، فيما يعاني الأهالي من نقص الأجهزة الطبية وخاصة أجهزة الرنين والمفراس وأجهزة غسل الكلى وغيرها.
من جهته، يؤكد الناشط أحمد العاني، خلال حديث لـه، أن “الأنبار تعاني من إهمال كبير في الواقع الصحي، ومن يتحدث عن الإعمار وتوفير الخدمات، يجب أن يضع القطاع الصحي بأولوية الاهتمامات”.
ويضيف، أن “الاهتمام والتوجه بعد تحرير محافظة الأنبار من تنظيم داعش بات نحو المستشفيات الأهلية، وأغلب هذه المستشفيات عائدة لشخصيات سياسية متنفذة، بالتالي نعتقد بأن هناك جهات ما تعرقل تطوير المستشفيات الحكومية وتوفير كافة الاحتياجات لها”.
وكانت هيئة النزاهة أعلنت نهاية العام الماضي، اعتقال مدير حسابات دائرة صحة الأنبار، وذلك لوجود شبهة تضخم في أمواله لا تتناسب مع موارده الاعتياديَّة، وبما يزيد على مليار دينار.
ويشير العاني، إلى أن “ذوي الدخل المحدود لا يستطيعون مراجعة المستشفيات الأهلية وإجراء العمليات داخلها، بسبب أسعارها المرتفعة، ما يؤشر أن هناك جهة مستفيدة من عدم تطوير المستشفيات وتأهليها بالمستوى المطلوب، كما أن أغلب المستشفيات الحكومية في الرمادي وباقي الأقضية تحتوي جهازاً واحداً للمفراس والرنين، وهذا الجهاز لا يكفي، بسبب زخم المراجعين، وبعض المرضى يضطرون للانتظار لمدة شهرين أو أكثر.
وكانت دائرة صحة الأنبار، أعلنت في شباط فبراير الماضي، عن تفاصيل خطة مشاريعها في المحافظة للعام الحالي، مؤكدة أن هذه المشاريع تهدف إلى تطوير الواقع الصحي في المؤسسات الحكومية، وتضمنت إكمال وتجهيز مراكز تخصصية مثل جراحة الأطفال والقسطرة وأمراض القلب ومركز زرع الكلى، وكذلك مشروع إنشاء مركز الكلى والأمراض البولية في الفلوجة ومركز الأورام، بالإضافة إلى مركز تأهيل بدني ومركز لأمراض الجهاز الهضمي.
إلى ذلك، يشير الصحفي والناشط عبد المنعم الدوسري، خلال حديث لـه، إلى أن “تردي الواقع الصحي في محافظة الأنبار واضح ويعاني منه المواطن بشكل كبير، فأي مواطن يذهب إلى مستشفى الطوارئ أو مستشفى الرمادي التعليمي أو مستشفى الولادة يرى حالة الإرباك والفوضى، وعدم الالتزام من الأطباء، ولا يوجد أطباء اختصاص في الليل”.
ويلفت إلى أن “الطبيب الأخصائي لا يأتي إلى المستشفى، إلا بعد الاتصال به عند الحالات الطارئة، كما أن هناك بعض الأدوية والأجهزة الطبية تفقد في الليل، كما أن هناك زخما كبيرا على أجهزة السونار والأشعة، والأشعة الملونة، ومركز غسل الكلى والأمراض السرطانية يعانيان بشدة، بسبب عدم تحملهما للمراجعين، ما يضطر الكثير من المرضى للمراجعة في محافظات أخرى”.
ومن ناحية الأدوية، يوضح أن “هناك نقصا كبيرا أيضاً، لذا يجب أن يعطى القطاع الصحي أولوية، لاسيما أن دائرة صحة الأنبار لديها تخصيصات مالية جيدة، وإيرادات جيدة تحصل عليها من عائدات الضرائب، ويمكن من خلالها سد النقص واحتياجات المستشفيات في الرمادي وباقي الأقضية”.
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن نسبة الضرر الذي تعرضت له مدن الأنبار جراء سيطرة تنظيم داعش على المحافظة وصل إلى 85 بالمئة، إذ قدرت الحكومة المحلية وفق الكشوفات الأولية أن مبالغ تعويض الأضرار تبلغ 40 مليار دولار.
لكن مدير دائرة الصحة العامة في مديرية صحة الأنبار محمد صباح، يؤكد من جانبه، خلال حديث لـه، أن “الدائرة عملت بجد وإخلاص واستطاعت النهوض بالواقع الصحي من تحت الركام والأنقاض، لاسيما أن نسبة الدمار في القطاع الصحي من المستشفيات والمراكز الصحية تجاوز 85%، ولكن استطعنا إعادة تأهيل جميع المستشفيات في المحافظة بفترة قياسية، رغم قلة التخصيصات”.
ويلفت صباح إلى أن “مستشفى الرمادي التعليمي بسعة 400سرير، تمت إعادة تأهيله ويقدم خدمات ممتازة، وهناك خطة مستقبلية لبناء مستشفى آخر في الرمادي بمنطقة التأميم، ضمن خطة الوزارة للنهوض بالواقع الصحي في الأنبار”.
ويبين أن “صحة الأنبار استطاعت إيصال جهاز المفراس والرنين إلى جميع أقضية الأنبار، ومنها الرطبة والقائم، بعد أن كان المريض من تلك المناطق يضطر للسفر إلى مدينة الرمادي ويتحمل مشقة الطريق لغرض إجراء الفحص بتلك الأجهزة، لأنها غير متوفرة في مدينته”.
ويضيف أن “المستشفيات الأهلية حالة موجودة في كل دول العالم، ولا يوجد أي دعم أو توجه للتقصير في المستشفيات الحكومية، لغرض دعم القطاع الأهلي، بل العكس، دعم الوزارة والمحافظ مستمر للقطاع الصحي الحكومي، سواءً كان مستشفيات أم مراكز صحية، خاصة أن أكثر من يرتاد تلك الأماكن هم ذوو الدخل المحدود”.