تهدف زيارة الزعيم الصيني شي جين بينغ إلى روسيا هذا الأسبوع، في جزء منها إلى تقديم بكين كوسيط محتمل بين موسكو وكييف، غير أن تزامنها مع استعداد كلا الجانبين لمعارك جديدة خلال فصل الربيع يعقّد فرص "الحديث عن السلام" في الوقت الراهن، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".
ويرتقب أن يجري الرئيس الصيني محادثات مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بعد نهاية مباحثاته مع بوتين وفقا للصحيفة.
ويشير المصدر ذاته، أن جين بينغ الذي وصل أمس إلى موسكو لعقد قمة مع نظيره الروسي، سيواجه تحديات عديدة في محاولة إثبات نفسه كوسيط نزيه في الصراع، نظرا لدعمه الصريح لموسكو منذ بدء الغزو قبل أزيد من عام.
وعبر الرئيس الأوكراني عن ترحيبه بالجهود الصينية، مجددا التأكيد على أن السلام يعتمد على انسحاب روسيا من جميع الأراضي الأوكرانية المحتلة.
من جهته، قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للرئيس الصيني شي جين بينغ، الاثنين، إنه اطلع على مقترحات الصين لحل الصراع في أوكرانيا وإنه ينظر إليها بعين الاحترام.
كما قال بوتين، الاثنين، خلال محادثات غير رسمية في الكرملين في بداية زيارة شي الرسمية إلى موسكو إن روسيا "تحسد" الصين قليلا على تنميتها السريعة في العقود الماضية.
وقال الكرملين إن زيارة شي لروسيا ستركز بشكل أساسي على تعزيز العلاقات الثنائية، ومن المقرر أن يوقع الزعماء على نحو اثني عشر اتفاقية، بما في ذلك اتفاقية بشأن التعاون الاقتصادي حتى عام 2030.
والزيارة التي تستمر ثلاثة أيام هي أول زيارة دولة يقوم بها شي لروسيا التي ترتبط بعلاقات دبلوماسية واقتصادية مهمة مع الصين، منذ حوالى أربع سنوات.
وخلال لقاء اليوم الأول، أبرز بوتين لنظيره الصيني اطلع على المقترح الذي قدمته بكين مؤخرا لحل النزاع الأوكراني، مشيرا إلى أن موسكو "كانت دائما منفتحة على عملية التفاوض".
وفي حديثه المترجم، أخبر شي الرئيس الروسي أن لبلديهما "العديد من الأهداف المشتركة التي ستتحقق من خلال التعاون والتفاعل".
وبالمقابل، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الاثنين إن زيارة الرئيس الصيني إلى روسيا هذا الأسبوع، في أعقاب إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تشير إلى أن الصين لا ترى ضرورة لمحاسبة الكرملين على ما يرتكبه من فظائع في أوكرانيا.
وقال بلينكن في إفادة للصحفيين إن العالم يجب ألا ينخدع بأي تحرك تكتيكي من جانب روسيا تدعمه الصين.
وسعت الصين إلى الترويج لعلاقتها مع روسيا على أنها "صداقة بلا حدود" رافضة إدانة غزو موسكو، رغم إعلانها احترام سيادة وسلامة أراضي جميع البلدان، كما تعد أكبر حليف لموسكو، وساعدت الكرملين في مواجهة العقوبات الغربية من خلال رفع مشتريات النفط والغاز الروسي وتعزيز شحنات الإلكترونيات وغيرها من السلع.
ويحذر المسؤولون الأميركيون من أن بكين تدرس إرسال أسلحة لمساعدة بوتين في حربه المتعثرة بسبب النقص في إمدادات قواته بالسلاح.
وتقدم الصين دعما دبلوماسيا ثابتا للرئيس الروسي، وانتقدت وزارة الخارجية الصينية المحكمة الجنائية الدولية داعية إياها إلى "الابتعاد عن التسييس وازدواجية المعايير" على خلفية إصدارها مذكرة توقيف بحق بوتين بتهمة الترحيل غير القانوني لأطفال أوكرانيين إلى روسيا.
"كسب النفوذ"
وفي أواخر فبراير، أصدرت بكين وثيقة من 12 نقطة بعنوان "موقف الصين من التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية"، تحدد فيها مقترحاتها لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.
وفيما ترفض واشنطن وأوروبا المبادرة الديبلوماسية التي أعلنت عنها الصين لإنهاء الصراع في أوكرانيا، يقول محللون إن "الجمهور المستهدف من إطلاق مبادرة السلام الصينية، هو الدول النامية"، حيث تسعى بكين لـ"كسب النفوذ وتقديم بديل لجهود الغرب لدعم أوكرانيا".
ويوجه المقترح الصيني انتقادات واسعة للولايات المتحدة، معتبرا أن "نقل واشنطن" أسلحتها إلى أوكرانيا زاد من تعقيد الحرب، كما تدعو الخطة الصينية إلى إنهاء العقوبات الأحادية الجانب وإلى تخلي جميع الأطراف عما تمسيها بكين عقلية الحرب الباردة.
الزميل البارز في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، ألكسندر جابيف، يشير إلى أن الخطة الصينية للسلام "تذهب مرة أخرى نحو إلقاء اللوم على الولايات المتحدة باعتبارها المحرض الرئيسي للصراع وأكبر قوة تساهم في إطالة أمده".
وعلى صعيد آخر، تلفت الصحيفة إلى وساطة بكين في اتفاق استعادة العلاقات الديبلوماسية بين السعودية وإيران، موضحة أن الصين استفادت من علاقاتها الاقتصادية الوثيقة مع الخصمين الإقليميين لمساعدتهما على تجاوز الخلافات.
وتستعد الصين لاستضافة قمة لقادة دول مجلس التعاون الخليجي الست مع إيران خلال وقت لاحق من العام الحالي، حسبما أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلا عن مصادر لم تسمها.
وذكرت الصحيفة أن القمة الخليجية الإيرانية في بكين ستعقد بعد إعادة فتح السفارات في الرياض وطهران، وهي خطوة يفترض أن تستغرق أقل من شهرين ويسبقها اجتماع لوزيري خارجية السعودية وإيران لإبرام الاتفاق.
وتوضح الصحيفة، أن بكين تحاول إعادة التموقع على الساحة الدولية، من خلال التحرك على أكثر من جبهة ردا على ما تصفه بالجهود التي تقودها الولايات المتحدة لاحتواء الصين.
"صرف الانتباه"
وفيما يتعلق بخطة السلام في أوكرانيا، يرى محللون أن المبادرة "وسيلة من بكين لصرف الانتباه بشأن علاقاتها مع روسيا، التي أصبحت أكثر اعتمادا على الأموال الصينية بعد سلسلة العقوبات الغربية الواسعة.
في هذا الجانب، يرى غابوييف "أن الخطة غطاء لتعميق العلاقات مع روسيا والرد على الانتقادات الغربية ضد الصين"، مشيرا إلى أن الحلفاء الغربيين يرون أن رحلة شي إلى روسيا "عمل فظيع"، بالتالي تم "إدراجها ضمن مساعي مباحثات السلام".
وفي الأسبوع الماضي، أجرى وزير الخارجية الصيني تشين جانج، مكالمة هاتفية نادرة مع نظيره الأوكراني دميترو كوليبا، ألقى خلالها باللوم على الولايات المتحدة لإطالة أمد الأزمة وحث على حل الصراع من خلال المفاوضات.
وتقول أوكرانيا إنه لا يمكن أن يكون هناك سلام حتى تغادر القوات الروسية أوكرانيا بالكامل، بما في ذلك شبه جزيرة القرم في البحر الأسود وأجزاء من شرق أوكرانيا تحتلها موسكو منذ 2014.
وبالتزامن مع مناقشات الساسة حول خطط السلام والجدل الواسع الذي يعقب موقف الصين من الحرب، تشن القوات الروسية هجوما واسعا في شرق أوكرانيا، فيما تستعد كييف للرد في هجوم مضاد، عند حلول الربيع.
ويشير تقرير الصحيفة إلى أن كييف تطمح إلى استعادة سيطرتها على الأراضي التي احتلتها القوات الغازية خلال الأشهر الماضية، معولة على تواصل التعبئة الغربية مع إمدادها بمجموعة من الأسلحة الجديدة.