رسم "معهد السياسة الاستراتيجية الاسترالي" عالما يتجه الى مزيد من الصراع والتنافس بين القوى الكبرى، برغم حاجته الملحة الى الوحدة، فيما فقدت الولايات المتحدة الكثير من الاحترام حول العالم بسبب سياساتها خلال العقود الماضية، بينما تقدم المقارنة بين حربي العراق في 1990 وأوكرانيا في 2022 مشهدا عن طبيعة التحولات التي يشهدها العالم.
وتحت عنوان "قصة غزوتين"، استعاد المعهد الاسترالي غزو صدام حسين للكويت في العام 1990، قائلا ان "زعيم دولة استبدادية تتمتع باحتياطيات هائلة من الطاقة يحشد قواته المسلحة على طول حدود جار أضعف، زاعما انه ليس له الحق في الوجود كدولة مستقلة، ثم يبدأ غزوا بهدف ابتلاع جاره ومحوه من الخريطة".
واضاف ان القوات العراقية سيطرت على الكويت بالكامل خلال ايام مذكرا بان صدام اعتبرها محافظة عراقية.
وتابع التقرير ان العالم كان فورا امام مواجهة سؤال صعب حول ما يجب فعله كرد على ذلك.
واستبدل المعهد صدام حسين بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والعراق بروسيا، والكويت باوكرانيا، مشيرا الى ان الوصف المتعلق بالكويت، ينطبق الان على اوكرانيا وما جرى في فبراير/شباط 2022، عندما حشد بوتين الجيش الروسي على طول الحدود مع اوكرانيا، وهي دولة رفض استقلالها في مقال نشر في تموز/يوليو الماضي، حيث كتب قائلا "انني واثق بان السيادة الحقيقية لاوكرانيا، ممكنة فقط من خلال الشراكة مع روسيا".
واعتبر التقرير ان النقطة الاساسية في كلتا الازمتين، تتعلق بابسط المعايير المؤثرة في السياسة الدولية وهي احترام حدود الدول وعدم تغييرها باستخدام القوة، مضيفا انه في حالتي العراق وروسيا، فان الزعيم بالغ في تقدير قوته للنجاح، وفي الحالتين ايضا استهان كثيرون حول العالم بالتهديد القائم، معتقدين انها خدعة.
وتابع التقرير ان الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية لم تكن على مستوى التحديات التي فرضها العراق وروسيا، مضيفا ان المطلوب كان القوة العسكرية وبقدر كبير، في حين ان الزعامة الامريكية كانت ضرورية لعكس مسار العدوان في احدى الحربين (العراق) ومقاومته في الحالة الاخرى (روسيا).
الا ان التقرير اوضح ان الاختلافات المهمة بين السيناريوهين العراقي والروسي، تسلط الضوء على المدى الذي تغير فيه العالم.
وتابع انه في العام 1990، كانت العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي جيدة بشكل نسبي، مما اتاح تحقيق نهاية سلمية للحرب الباردة، وقد قدم السوفييت دعما دبلوماسيا للولايات المتحدة في جهودها لمقاومة العدوان العراقي على الكويت، على الرغم من ان العراق كان شريكا قويا لموسكو منذ فترة طويلة.
واضاف التقرير ان الاتحاد السوفياتي لم يعد قائما اليوم، والان اصبحت روسيا، الخليفة الرئيسية للسوفيات، اكثر غضبا واستياء وعزلة، وهي الان ترتكب العدوان بدلا من معارضته.
وقال التقرير ان مجلس الامن ادان قبل 30 عاما، العدوان العراقي واعطى الاذن بفرض عقوبات اقتصادية وايضا باستخدام القوة العسكرية بهدف تحرير الكويت. واضاف ان مجلس الامن يتم الان تهميشه، نتيجة لاستخدام حق النقض (الفيتو) الدائم الذي تتمتع به روسيا.
وبالاضافة الى ذلك، فان الصين ايدت، او على الاقل لم تمنع الجهود الدولية لمواجهة العدوان العراقي على الكويت، مشيرا الى ان العلاقات بين واشنطن وبكين، كانت وقتها افضل بكثير مما هي عليه الان، حيث كان هناك تعاون صيني-امريكي ضد الاتحاد السوفيتي في العقود الاخيرة من الحرب الباردة. والى جانب ذلك، فان الصين كانت اضعف بكثير وقتها، واقتصادها اصغر بكثير من حجم الاقتصاد الامريكي، وكانت مقولة الزعيم الصيني دنغ شياو بينغ حول قدرات الاختباء والانتظار هي التي تحفز الاستراتيجية الدبلوماسية للصين.
اما الان، فيقول التقرير ان الصين اعلنت عن شراكة لا حدود لها مع روسيا عشية غزوها ووقفت الى جانب روسيا منذ ذلك الحين.
وتابع التقرير انه عندما ارسلت الولايات المتحدة نصف مليون جندي الى الشرق الاوسط وتدخلت بشكل حاسم لصالح الكويت قبل 30 عاما، لكنها هذه المرة تجنبت ذلك في ظل قلقها من الخوض في حرب مباشرة بعد تدخلاتها الفاشلة في افغانستان والعراق فيما بعد هجمات 11 سبتمبر/ايلول، وفي ظل قلقها من مواجهة روسيا المسلحة نوويا، ولهذا، فقد حصرت دورها بتوفير السلاح والذخيرة والمخابرات والتدريب.
وفي اشارة الى غزو الكويت، قال التقرير ان العالم وقتها احتشد ضد العدوان، لكنه الان لم يفعل، وانه لسبب او لاخر، فان العديد من الدول تتجنب معارضة روسيا، مشيرا في هذا السياق كمثال الى ان الهند وغيرها من الدول، تشتري اسلحتها ونفطها من الروس.
والى جانب ذلك، قال التقرير الاسترالي ان "قدرة امريكا على حشد العالم قد تضاءلت كثيرا ، ولاسباب جزء منها لان الاحترام للولايات المتحدة تراجع كثيرا، نتيجة انقساماتها الداخلية والمعارضة العالمية الواسعة النطاق للتدخلات الامريكية في العراق في العام 2003 وفي ليبيا في العام 2011".
واعتبر التقرير ان ادارة الرئيس الامريكي جو بايدن لم تساعد نفسها كثيرا باصرارها على تأطير الحرب على انها حرب ديمقراطية مقابل الاستبداد، موضحا ان العديد من دول العالم بالكاد تعتبر ديمقراطية، وربما لكانت هذه الدول كانت اكثر استجابة لو ان الولايات المتحدة تعاملت مع الحرب على انها غزو يشكل تهديدا لحرية بلد، وهي فكرة تدعمها معظم حكومات العالم.
ونبّه التقرير الى ان الجيوبوليتيك والتنافس بين القوى العظمى، وهما ظاهرتان شائعتان عبر التاريخ، قد عادتا الان، كما ان النزاع المسلح بين الدول، قد عاد ايضا، وان مرحلة العطلة من التاريخ فيما بعد الحرب الباردة، قد انتهت ايضا.
وفي حين لفت التقرير الى ان الولايات المتحدة تظل الاولى بين المتكافئين، لكن ذلك لا يعني اي شيء يشبه الهيمنة، موضحا ان المزايا التي كانت امريكا تتمتع بها في العام 1990، تلاشت حيث اكتسب الاخرون قوة اكبر.
كما خلص الى القول ان الاكثر اهمية من ذلك، ان الفجوة بين رد فعل العالم على العدوان انذاك والان (العراق وروسيا)، تشكل تحذيرا واقعيا بان النظام الدولي قد تدهور، وصار العالم اكثر انقساما عندما كان بحاجة الى الوحدة اكثر من اي وقت مضى لمواجهة التحديات المشتركة مثل الامراض المعدية والتغيير المناخي وتقنيات الذكاء الاصطناعي.
واعتبر التقرير ان فكرة الوحدة نادرة فيما يتعلق بالعلاقات الدولية، وان مصطلح "المجتمع الدولي" هو في الغالب نظري، مضيفا ان الادلة تتزايد على ان مرحلة ما بعد الحرب الباردة، فتحت المجال امام عصر جديد يتميز بالقلاقل والتجزئة اكثر من النظام، مردفا انه "قد لا يكون للعصر الجديد اسم حتى الان، غير ان الحقيقة موجودة لكي يراها الجميع".