مستوى خطير بلغه الجفاف في العراق، تمثل بنفوق أعداد كبيرة من الأسماك بسبب انخفاض مناسيب المياه، فيما نأت وزارة الزراعة بنفسها عن الأمر، وأكدت أن ملف المياه مرتبط برئاسة مجلس الوزراء بشكل مباشر، وهو ما عرّض الرئاسة إلى انتقادات خبراء لعدم اتخاذها إجراءً عاجلا بعد نفوق الأسماك، وسط تحذيرات من كوارث أسوأ، في مقابل وعود نيابية بمتابعة القضية مع الجهات المعنية.
ويقول المتحدث باسم وزارة الزراعة محمد الخزاعي،إن "الوزارة تتابع بشكل مستمر ومكثف مع وزارة الموارد المائية والجهات الحكومية الأخرى قضية الجفاف الخطيرة في نهر الفرات، الأمر الذي تسبب بنفوق أعداد كبيرة من الثروة السمكية".
يشار إلى أن قضاء المجر بمحافظة ميسان، شهد نفوق ملايين الأسماك يوم أمس الأحد، نتيجة لانخفاض منسوب النهر، الذي يتغذى من نهر الفرات، وقد انتشرت العديد من الفيديوهات التي تصور نفوق أعداد هائلة من الأسماك بمختلف الأحجام.
ويضيف الخزاعي، أن "ملف شحّ المياه بيد رئاسة الوزراء وليس لدى وزارة الزراعة أو حتى وزارة الموارد المائية أي تدخل به، فهذا ملف يعتمد على التفاوض مع دول المنبع"، مبينا أن "أزمة شح المياه التي يمر بها العراق لها خطورة كبيرة على الثروة الحيوانية والسمكية والزراعية، وتترك تداعيات خطيرة أيضا على مستوى المناخ والبيئة".
وقد أصدر مرصد العراق الأخضر، بيانا أكد فيه أن صيف العراق المقبل سيهلك الثروة السمكية والحيوانية، وأن السلطات العراقية تركت قضية المياه لحلول السماء وليس التفاوض مع دول الجوار، حسب تعبيره، كما أشار إلى أن الجفاف لا يقتصر على مناطق الجنوب مثل الأهوار والأنهر الفرعية، إنما يشمل أعالي نهري دجلة والفرات الواقعة بمناطق الوسط والشمال.
يذكر أن دائرة البيطرة في وزارة الزراعة، أعلنت يوم أمس، أن الأسباب الأولية لنفوق الأسماك في أحد المبازل بقضاء المجر في ميسان هو قلَّة المياه وارتفاع نسبة الملوحة، ولا توجد أي حالة مرضية أدَّت إلى نفوقها.
وسجل مربو الأسماك بناحية السيبة جنوبي البصرة، خلال العامين الماضيين نفوق كميات كبيرة من الأسماك في أكثر من 25 بحيرة بسبب ارتفاع اللسان الملحي، فيما كشف متخصصون في حينها أن قراءة نسبة الملوحة بالأنهر المغذية للأحواض تجاوزت (18 ألف T.D.S)، وهي نسبة مميتة ومن المستحيل أن تتم الزراعة فيها، بحسب كلامهم.
وكانت وزارة البيئة، وجهت يوم أمس، نداءً عاجلا إلى وزارة الموارد المائية لزيادة الإطلاقات المائية للأهوار، لاسيما هور الحويزة في ميسان الذي يعاني من كارثة بيئية بسبب الجفاف.
من جهته، يبين الخبير في الشأن المائي عادل المختار،أن "أزمة المياه في العراق وصلت لمراحل خطيرة جدا، فهذه الأزمة سيكون لها تداعيات كبيرة وخطيرة على وضع الزراعة والثروة الحيوانية وحتى بقضية تأمين مياه الشرب للمواطنين، كما أن الزراعة الصيفية ستكون مجازفة خطيرة جدا".
ويتابع المختار، أن "وزارة الموارد المائية مطالبة بشكل عاجل بإطلاق كميات إضافية من المياه نحو نهر الفرات من أجل موازنة المناسيب للسيطرة نوعا ما على الوضع المائي وتجاوز الموسم الصيفي بأقل الخسائر، في ما يتعلق بالثروة الحيوانية والزراعية، وهذه الإطلاقات تكون من الخزين المائي بالتأكيد، والذي يشهد انخفاضا خطيرا، لكن لا يوجد حلٌ آخر".
ويشير إلى أن "نفوق ملايين الأسماك لم يشهد أيّ ردّ فعلي حكومي عاجل وسريع رغم أهمية الثروة السمكية، فرئيس الوزراء محمد شياع السوداني مطالب بتشكيل خلية أزمة تعمل على مدار الساعة لإيجاد حلول لهذه الكارثة التي يمر بها العراق، والتي ستكون عواقبها خطيرة على مختلف المستويات".
وتعرّض نهر الفرات لتأثير المتغيرات المناخية وسوء إدارة المياه ما تسبب بانخفاض مناسيبه، إذ أصبحت إيراداته غير كافية لإكمال مساره المائي نحو البصرة ليتم على خلفية ذلك إنشاء سدة قاطعة عام 2008 تقع في المنطقة المحاذية لقضاء الجبايش شرق ذي قار وقضاء المديّنة شمال البصرة، بارتفاع 160 سم مكونة من قطع كونكريتية تتخللها أنابيب مغلقة يمكن التحكم بها في حال زيادة المناسيب وتصريفها، لكن هذه السدة لم تنفع أيضا ولم تصل مياهه إلى الأهوار.
وكان مرصد العراق الأخضر، كشف منتصف أيار مايو الماضي، عن وجود أزمة بمياه الشرب في مناطق العنكور والمجر بمحافظة الأنبار، أثرت على سكان هذه المناطق البالغ عددهم 13 ألف نسمة من الفلاحين والكسبة، وذلك نتيجة انخفاض مناسيب بحيرة الحبانية القريبة منها، ما دفع الأهالي إلى شراء مياه الشرب، فيما لجأوا إلى استخدام المياه الآسنة للغسيل.
إلى ذلك، يؤكد عضو لجنة المياه البرلمانية ثائر مخيف الجبوري،أن "ما شهده نهر الفرات من نفوق ملايين الأسماك دليل على وصول الوضع المائي لمراحل خطيرة جداً، وهذا يتطلب تحركا حكوميا عاجلا نحو دول المنبع".
ويلفت إلى "أننا في اللجنة سنعمل على عقد اجتماعات واتصالات مع الجهات الحكومية المعنية من أجل إيجاد حلول سريعة تحفظ الثروة السمكية والزراعية وتأمين مياه الشرب للمواطنين خلال الأشهر القليلة المقبلة"، محذرا من أن "بقاء أزمة الجفاف دون حلول سريعة ستكون لها تبعات خطيرة اقتصادية وبيئية، وستكون لها تداعيات تدفع المواطنين إلى الهجرة من بعض القرى والأرياف نحو المدن بحثاً عن المياه".
ومن الجدير بالذكر، أن وزارة الموارد المائية، أكدت سابقا أن السنوات الثلاث الجافة التي مرت على العراق دفعت الوزارة للذهاب والاستعانة بالخزين الاستراتيجي، ما أدى إلى انخفاضه من 60 مليار متر مكعب في عام 2019 إلى أقل من 10 مليارات متر مكعب حاليا وقد وصل تقريبا إلى 8 مليارات متر مكعب.
يشار إلى أن العراق فقد 70 بالمئة من حصصه المائية بسبب سياسة دول الجوار، وأن الانخفاض الحاصل بالحصص المائية في بعض المحافظات الجنوبية عائد إلى قلة الإيرادات المائية الواردة إلى سد الموصل على دجلة وسد حديثة على الفرات من تركيا، بحسب بيان سابق لوزارة الموارد المائية أيضاً.