إذ تؤشر مقاطعة بعض القوى السياسية للانتخابات المحلية المقبلة، خللا في العملية الانتخابية برمتها، سواء على مستوى قانونها أو غياب التكافؤ بين المرشحين، فإن ذلك لن يعني سوى فرصة أكبر للقوى التقليدية من أجل حصد المزيد من المقاعد، الأمر الذي سيضع شرعيتها الدولية على المحك، في حين يصف مقرب من الإطار التنسيقي أي انسحاب بأنه إقرار بالهزيمة، مستثنيا التيار الصدري من تلك القاعدة.
ويقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، خلال حديث لـه إن "إعلان مقاطعة انتخابات مجالس المحافظات من قبل بعض الأحزاب والحركات السياسية، لن تؤثر على موعد إجرائها في ظل وجود إرادة سياسية من قبل القوى التقليدية لإجراء هذه الانتخابات، على اعتبار أن الموعد محدد وهناك حرية لمن يريد المشاركة أو المقاطعة من قبل الأحزاب والكتل".
ويبين الشمري، أن "إعلان مقاطعة انتخابات مجالس المحافظات من قبل بعض الأحزاب والحركات السياسية، يؤشر وجود خلل في الانتخابات سواء على مستوى القانون وعلى مستوى الآليات وعلى مستوى المال السياسي وتوظيف موارد الدولة وعدم وجود تكافؤ فرص، وقد تضغط هذه المقاطعة على القوى التقليدية لغرض التأجيل، خصوصاً أن جزءا من القوى التقليدية يميل إلى دمج الانتخابات المحلية مع الانتخابات البرلمانية، وجعلها مبكرة وفق الاتفاق السياسي الذي نص على أن تستمر حكومة السوداني لمدة سنة ونصف فقط".
ويضيف أن "تأجيل الانتخابات وارد لتجنب القوى التقليدية الانتقادات الداخلية والخارجية، خصوصاً أن المجتمع الدولي يراقب حجم المشاركة السياسية في الانتخابات المقبلة، ما قد يؤشر إلى وجود خلل كبير، وبالتالي سوف يضع ملاحظات حول مجمل العملية".
ويخلص رئيس مركز التفكير السياسي، إلى أن "المقاطعة الشعبية ستكون بأعلى مستوياتها في الانتخابات المقبلة، في حين سيضاعف تلك المقاطعة، إعلان مقاطعتها من قبل بعض الأحزاب والحركات السياسية، ما يولد قناعة لدى الناخب العراقي بأنه لا جدوى من هذه الانتخابات، وقد تبرز مواقف جديدة من قبل كتل وأحزاب جديدة بشأن مشاركتها في الانتخابات خلال الأيام المقبلة".
وفي بداية الأسبوع الحالي، أعلن كل من ائتلاف الوطنية، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق، إياد علاوي، وحركة امتداد، وقوى "مدنية" أخرى، مقاطعة الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في 18 كانون الأول ديسمبر المقبل، مشيرة إلى أن مجالس المحافظات هي حلقة زائدة في تركيبة الدولة وباب للاستحواذ على مقدرات الشعب، إضافة إلى المال السياسي الذي لا يزال لاعباً كبيراً وأساسياً في العملية الانتخابية والديمقراطية الزائفة، على حد وصفهم.
وتأتي هذه الخطوة في ظل استمرار التيار الصدري مقاطعته العملية السياسية وعدم حسم مشاركته في الانتخابات المحلية حتى الآن.
من جهته، يرى المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث لـه، أن "عدم مشاركة التيار الصدري في انتخابات مجالس المحافظات، هو المفصل الرئيسي في انعدام المشاركة الواسعة في انتخابات مجالس المحافظات، إذ أن المنافسة والمشاركة الشعبية ستكون قليلة جداً".
ويعتقد الدعمي، أن "مقاطعة الانتخابات من قبل ائتلاف علاوي أو حركة امتداد وبعض القوى الأخرى، ستزيد من المقاطعة الشعبية، لكن ذلك لن يؤثر كثيرا على إجرائها"، لافتا إلى أن "هذه الجهات (الأخيرة) سوف تتعرض إلى خسارة كبيرة من خلال عدم تواجدها في مجالس المحافظات، كونها انطلاقة نحو انتخابات مجلس النواب".
ويضيف أن "مقاطعة الانتخابات من قبل بعض الأطراف السياسية، ستصب في صالح القوى التقليدية، حتى تحظى بكامل مقاعد مجالس المحافظات، خصوصا وأن قانون الانتخابات لا يشترط أي نسبة لحجم المشاركة، حتى في حال تنافس المرشحين فيما بينهم فقط دون منافسة، ولذا فإن القوى التقليدية ستكون فرحة وسعيدة بمقاطعة الانتخابات من قبل بعض الجهات والشخصيات السياسية المعارضة لها".
ويستدرك المحلل السياسي "لكن هذه القوى التقليدية ربما تجد نفسها أمام خيار تأجيل الانتخابات بسبب الخشية من عدم اكتسابها الشرعية الدولية بفعل المقاطعة الواسعة للانتخابات من قبل بعض الأطراف السياسية، وتحديداً مقاطعة الصدريين للانتخابات، لذا فهناك فرصة كبيرة لتأجيل الانتخابات، وهذه الرغبة بعض أطراف الإطار التنسيقي".
ودعا تحالف المستقلين الذي يضم عددا من النواب، وقوى سياسية ناشئة وناشطين، إلى تأجيل الانتخابات المحلية من أجل تحقيق "تنافس حقيقي"، في ظل مقاطعة بعض القوى السياسية للانتخابات وسط "غياب تكافؤ الفرص"، و"سطوة المالي السياسي" كما ترى القوى المقاطعة ذلك.
في المقابل، يؤكد المحلل السياسي المقرب من الإطار التنسيقي، علي فضل الله، خلال حديث لـه أن "إعلان مقاطعة انتخابات مجالس المحافظات من قبل بعض الأحزاب والحركات السياسية، هو تنازل عن حق تلك الأطراف، وهذا الأمر يتسبب بمشكلة كبيرة للعملية السياسية، فالحريص عليها يفترض أن يشارك، سواء كان فردا أو كيانا سياسيا من أجل تصحيح وتقويم العملية السياسية".
ويبين فضل الله، أن "عملية مقاطعة الانتخابات لا تفسر من قبل بعض الأطراف السياسية، إلا بجانب واحد وهي عملية انهزام لإدراك تلك الجهات السياسية أنها بدأت لا تشكل أي ثقل جماهيري وسياسي خلال المرحلة المقبلة، وهي تعمل على إرباك السياسي والضغط على الكتل السياسية من أجل الضمان للحصول على بعض المكاسب خلال الحكومات المحلية المقبلة".
ولكنه يستثني "التيار الصدري من قاعدة الانسحاب هزيمة"، معتبرا أن "انسحابه وفق ما يمتلكه من قاعدة شعبية كبيرة يعتبر انسحابا تكتيكيا، ووفق المعطيات أن التيار الصدري يريد تأجيل الانتخابات، لكن الإطار التنسيقي ومجمل ائتلاف إدارة الدولة مصرون على إجراء الانتخابات في موعدها"، فيما يعتقد أن "قد يشارك التيار الصدري بقوة بالانتخابات وبأكثر من قائمة انتخابية".
ويخلص المقرب من الإطار التنسيقي إلى القول بأن "شرعية الانتخابات شأن داخلي، وليس لها أي علاقة بمراقبة أو متابعة بعض المؤسسات الدولية أو الأممية، فالدستور العراقي لم يضع أي سقف لنسبة المشاركة في الانتخابات، ولذا فإن مقاطعة الانتخابات من قبل بعض الناخبين أو الأطراف السياسية لن يؤثر على شرعية ودستورية الانتخابات إطلاقا".
وتجري الاستعدادات للانتخابات في ظل غياب الكتلة الصدرية، التي كانت قد حصدت 73 مقعدا نيابيا في الانتخابات التشريعية الأخيرة في تشرين الأول أكتوبر 2021، لكن الصدر فشل بتشكيل الحكومة ودخل بصراع مع الإطار التنسيقي استمر لمدة عام، وانتهى بانسحابه وتشكيل الإطار للحكومة.