على الرغم من المحاذير السياسية والأمنية، يصرّ طرف "قوي" في الإطار التنسيقي بزعامة دولة القانون وبدر وعصائب أهل الحق، على إجراء الانتخابات المحلية في موعدها بعد شهر واحد، ويؤكد مراقبون أن هذا الطرف ينطلق من "تحدي" خوض تلك العملية من دون التيار الصدري وطمعاً بالفراغ الذي تركه.
وفيما يحذر المراقبون من تحول الصراع السياسي إلى النطاق الاجتماعي بعد غياب "أكثر من نصف" من يمثل المجتمع الشيعي عن المشهد الانتخابي، وتهديد نصف المجتمع السني بالانسحاب، يجد مقرب من الإطار التنسيقي أن إصرار الأخير على إجراء الانتخابات يأتي لضمان استمرارية إقامة هذه التجربة لترسيخ النظام الديمقراطي.
ويقول المحلل السياسي محمد نعناع، خلال حديث لـه، إن "الإطار التنسيقي أصبح يحكم سيطرته على الدولة، ورغم الانقسام داخله على الموقف من إجراء الانتخابات لاسيما بعد غياب التيار الصدري وربما تقدم وامتداد وكتلة إياد علاوي ومقاطعات أخرى، ثمة طرفٌ قوي في الإطار يصر على إجرائها، وهذا الطرف ينطلق من مبدأ التحدي للتيار الصدري وغيره، إذ قام سابقا بتشكيل الحكومة وقام تسيير الدولة من دونهم، لذلك يريد هذا الطرف إكمال المسيرة بدونهم".
ويضيف نعناع أن "الإطار يريد أن يمضي بهذا التحدي حتى ينفرد تماما بإدارة الدولة بالكامل، إذ يرى أن هناك تمثيلا شيعيا واسعا فالتيار له الحرية في أن يشارك أو يبتعد، ومادام هناك تمثيل سني وكردي فهي إشارة له بأن المشاركة الوطنية تحققت، على الرغم من أن هناك طرفاً آخر من الإطار يريد ضمان الاستقرار ويحاول التفاوض مع الصدر وأطراف أخرى والمكون السني الذي بدأ جزء منه يصعّد ويقترب من الانسحاب".
ويعتقد أن "لا تأجيل لموعد الانتخابات حتى الآن، فالحكومة تعد العدة من كافة النواحي القانونية أو اللوجستية والآلية، وهناك أطراف مؤثرة في الإطار مثل دولة القانون وكتلة بدر وعصائب أهل الحق يدفعون باتجاه إجراء الانتخابات، وكان آخر رهان على تأجيل الانتخابات هو عودة الصدر، ولكن الأخير أعطى موقفه مبكرا وأصر على عدم فتح أي قناة للتواصل حول هذا الموضوع، لذلك هم ماضون بإجرائها".
ويشير إلى أن "تأجيل الانتخابات يتوقف على حصول حدث كبير كأن تحدث انزلاقات أمنية أو استقالات سياسية كبيرة جدا، قد تبدأ بحزب تقدم وتنتهي بأطراف أخرى، ويكون الوضع فعليا يحتاج إلى التأجيل، أما غير ذلك فالانتخابات سوف تمضي".
وكان الإطار التنسيقي، عقد مساء أمس الأربعاء، اجتماعا وأكد فيه على إجراء انتخابات مجالس المحافظات في موعدها المحدد.
وقبيل اجتماع الإطار ليلة أمس، وجه رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، الأمنية بالتصدي لأي حالة اعتداء ضد العملية الانتخابية، وشكل لجنة أمنية عليا لغرض ضمان الأجواء الآمنة المستقرة للبيئة الانتخابية للمرشحين وحملاتهم الانتخابية، فضلا عن توجيهه المحافظين كافة بالحفاظ على الأمن والاستقرار في محافظاتهم.
وجاء هذا اللغط، بعد أن أقدم أنصار التيار الصدري في مدينة الكوفة بمحافظة النجف، على تمزيق كافة ملصقات المرشحين للانتخابات ومن كافة الكتل، وهددوا كل من يشارك بالانتخابات بـ"قطع الرأس"، حسب الفيديوهات التي انتشرت.
وإلى جانب مقاطعة التيار الصدري، الذي صدرت بتوجيه من زعيم التيار مقتدى الصدر، فأن حزب تقدم بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، قرر مقاطعة الانتخابات أيضا والانسحاب من اللجان النيابية فضلا عن تقديم الوزراء الممثلين له استقالتهم من الحكومة، وذلك بعد أن أنهت المحكمة الاتحادية عضوية الحلبوسي في البرلمان.
من جهته، يؤكد المحلل السياسي فلاح المشعل، خلال حديث لـه، أن "الإطار التنسيقي يصر على إجراء الانتخابات لأنه يدخل من دون منافس بعد انسحاب الكتلة الصدرية، وذلك من أجل حيازة جميع المقاعد التي كانت تحوزها هذه الكتلة".
ويضيف المشعل: "إذا حصل الإطار على النسبة الأعلى في مجالس المحافظات، فهي عملية تمهيدية للحصول على مقاعد أكثر في انتخابات مجلس النواب المقبل، لأنها عملية مترابطة، وسيطرتهم على المحافظات وتقديم إنجازات مع توفر الإمكانيات المالية وتسخير موارد الدولة سمتنحهم هذه الفرصة، لأن الانتخابات كما هو معروف منذ عشرين عاما تنتعش بالمال السياسي وتقديم الخدمات".
ويتابع المحلل السياسي أن "هذا الأمر يجعلهم مصرين على أن تجرى الانتخابات في يومها المحدد، لكن الواقع يفرض معطيات أخرى، فالشارع الشيعي في تسع محافظات بالإضافة إلى بغداد يتحرك بالضد من هذا الموضوع، وجمهور التيار الصدري ومن معه خرجوا بتظاهرات صريحة وجرى فيها تمزيق لافتات لمرشحين، وهددوا البعض بالانسحاب من هذه الانتخابات كونها مؤامرة ومحاولات لسيطرة الفاسدين وغير ذلك من شعارات ظهرت في خطاب الصدر الأخير".
ويحذر المشعل من أن "تتحول المصادمات من معركة سياسية إلى النطاق الاجتماعي، فمن يحطم اللافتات اليوم، ربما سيخرج قبيل الانتخابات ويمنع الناس من الوصول إلى المراكز الانتخابية أو يتم غلق المراكز، وربما يصار إلى عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات، ومازال متوقعاً أيضا تأجيل الانتخابات إلى موعد آخر، قد يكون ضمن موعد انتخابات مجلس النواب في نهاية 2024 أو بعده".
ويرى أن "الانتخابات أصبح محطة من محطات الخلاف العميق، وربما يؤدي إلى التصادم، فأحزاب الإطار اليوم تمسك السلطة وتمتلك الحكومة، وباستطاعتها أن تحرك القطعات العسكرية لضبط الشارع أمنياً، وهذا الأمر سيوقع البلد في المحظور إذا ما صار هناك تحرك من التيار الصدري".
وعلى صعيد شرعيتها، يجد أن "ملامح الشرعية بدأت تتوارى، لاسيما مع قضية الحلبوسي الذي يمثل حزبه نصف المجتمع السني، ومن قبله غياب الصدريين وأطراف أخرى تمثل أكثر من نصف المجتمع الشيعي، وهذا الأمر أيضا سيؤثر سلبا على معدلات نجاحها، وقد تكون هناك اعتراضات من الأمم المتحدة لأن الانتخابات لن تمثل النسبة المقبولة".
وكانت تقارير سابقة ناقشت، مشاركة الإطار التنسيقي في الانتخابات المحلية من دون منافس متكافئ، بعد غياب التيار الصدري أكبر خصومه السياسيين، لكن مراقبين أكدوا في التقرير، أن هذا الأمر يترك الإطار بـ"حرج"، لكنهم تحدثوا عن "قوائم ظل" يسعى الإطار لتشكيلها وزرعها بوجوه مدنية "لتلطيف" الأجواء وإضافة مظهر شرعي تعددي على الانتخابات.
إلى ذلك، يتحدث المحلل السياسي المقرب من الإطار التنسيقي علي فضل الله، خلال حديث لـه، عن "مفهوم خاطئ لدى معظم المراقبين للمشهد السياسي في ما يخص الانتخابات، فالعملية لا تعني اختيار أشخاص لتمثيل المواطن في الحكومات المحلية والبرلمان فحسب، وهذا المفهوم قاصر، لأن النظام الديمقراطي في العراق حديث النشأة ويحتاج إلى ترسيخ، وهذا الترسيخ يأتي من خلال استمرار إجراء الانتخابات والمشاركة فيها، لذلك نلاحظ أن المرجعية غالبا ما تؤكد على المشاركة واختيار الأصلح".
وبشأن انسحاب قوى سياسية، يضيف فضل الله، أن "هذا الاتجاه يأتي ضمن مميزات النظام الديمقراطي الذي يتيح حرية المشاركة من عدمها، فالترشيح والانتخاب حق ومن يتنازل عن حقه لن يؤثر على شرعية الانتخابات، فمعيار الشرعية يحكمه الدستور وهو لم ينص على أن انسحاب شخص أو مكون يفقد الانتخابات شرعيتها كما لم يحدد نسبة معينة حتى تكون ضابطا ومقياسا للشرعية".
ويتابع أن "الدستور تكلم عن إجراء الانتخابات، وعندها تكون شرعية، إذن من يمنح الشرعية هو المواطن، أما المواطن الذي يتنازل عن حقه السياسي والديمقراطي فهو هروب إلى الأمام"، لافتا إلى أن "الإطار التنسيقي عندما يصر على إجراء الانتخابات في موعدها يقصد ضمانة الاستمرار في ترسيخ النظام الديمقراطي".
وكانت الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي جرت في 2021، كانت نسبة المشاركة فيها 41 بالمئة، بحسب المعلن من قبل مفوضية الانتخابات في حينها، فيما ذكرت منظمات مستقلة معنية بالانتخابات أن النسبة أدنى من المعلن.