زينب المعموري (54 عاما)، أم لأربعة أطفال، تحمل شهادة جامعية، ولم تجد وسيلة لتأمين ما تحتاجه سوى العمل في تربية النحل لتنطلق بتجربة جديدة توسعت لاحقا لتشمل أكثر من 100 امرأة، حتى باتت تُلقب بـ”ملكة النحل”، حتى أنها تبوأت مواقع عدة في هذا المجال، بينها رئيس اتحاد النحالين العرب قسم المرأة سابقا، ومديرة قسم الإرشاد التدريبي لجمعية النحال البابلي.
تقول المعموري، خلال حديث لـها، “كنا نسكن في اليوسفية جنوبي بغداد، ونملك أرضا زراعية كبيرة استثمرها زوجي في تربية النحل، ولكن في العام 2006 اضطررنا إلى ترك كل شيء والانتقال إلى محافظة بابل خوفا على حياتنا من القتل الطائفي، لكن بعد استقرار الأوضاع ووفاة زوجي قررت مواصلة مهنته وتربية النحل”.
وتضيف “في الآونة الأخيرة قمت بوضع كاميرات مراقبة داخل خلايا النحل لمتابعة حياته اليومية، كما بدأت بالعمل على إنتاج علاجات من العسل، فالنحل العسل، وحبوب اللقاح، والغذاء الملكي، وهو نادر جدا، ولا يتم إنتاجه في جميع أيام السنة، بل في الربيع فقط وعند انتهاء فتره التقاسيم”.
وتتابع مربية النحل الخمسينية، “في فترة من الفترات عملنا كمجموعة كاملة من النحالين والمدربين على تنظيم دورات تدريبية وخرجنا العديد من المتدربين والمتدربات وأصبحت لديهم مناحل، وركزنا على النساء الريفيات من الخريجات وغيرهن اللاتي لم يحصلن على وظائف أو فرص عمل، فالمرأة الريفية عادة ما تكون مضطهدة وتحتاج إلى الدعم والمساعدة، وتربية النحل تتلاءم مع الحياة الريفية”.
وتوضح “في فترة من الفترات قمت بتدريب 90 امرأة، والكثير منهن نجحن في هذه المشاريع والبعض منهن لمعت أسماؤهن في الأسواق بعد أن واجهن صعوبات كثيرة في بداية مشاريعهن، لكنهن تخطينها بجدارة”.
وتشرح المعموري طبيعة العمل “فصل الربيع هو الأهم للنحل وإنتاج العسل، حيث نقوم بتقسيم الخلية، ونحصل على الطرود، وقسم منها نقوم بتكثيرها ونشطرها إلى قسمين، وكذلك يوجد موسم الجفاف وهو الخريف، لكنه لا يعتبر عائقا كبيرا في مشاريع النحل، لأن المرأة إذا كانت لديها القوة في عملها يمكنها تجاوز هذا الموسم”.
وتؤكد أن “تربية النحل يعتبر مشروعا مربحا خاصة للمرأة الريفية، ولكن في المقابل لا يوجد دعم من الدولة لكي يتم تدريب النساء الريفيات على مثل هذه المشاريع الربحية، وأنا لا أستطيع مواصلة ذلك دون دعم، لأنني أحتاج إلى عدة مستلزمات، ومنها خلايا النحل”.
وتلفت بالقول “كلما كانت المساحات الزراعية خضراء وفيها تنوع نباتي كلما كان النحال ناجحا، حيث لا يمكن أن نحصل على العسل بدون الأراضي الزراعية، وقله الزراعة والمياه والزهور تؤثر سلبا على إنتاج العسل، فعملنا مرتبط بالفلاح أكثر من غيره”.
وتشير المعموري، إلى أنه “ليس العسل فقط فيه علاجات، بل إن لسعة النحلة علاج لعدة أمراض، مثل الدوالي، والشقيقة، وضعف الإنجاب، والكثير غيرها، ويأتينا مرضى ونجري لهم جلسة أو جلستين نعرضهم للسعات النحل وتم شفاؤهم بالفعل”، وهو ما لا يمكن أن تؤكده أو تنفيه، ولم يتسن لها التأكد من صحته من قبل المختصين.
ويواجه النحالون مشاكل عديدة أبرزها شح المياه وتراجع المساحات الخضراء جراء موجة الجفاف الشديد التي اجتاحت العراق خلال السنوات الأخيرة بسبب الانخفاض الحاد في مناسيب نهري دجلة والفرات.
بدورها، تبين مريم فليح (30 عاما)، من ريف المهناوية في بابل، خلال حديث لـها ، أن “المرأة الريفية تعاني من مشاكل اقتصادية كثيرة بسبب التغيرات المناخية، وقلة مياه السقي، وتقليص الخطط الزراعية في عموم البلاد، ما اضطر المرأة إلى البحث عن مهن أخرى غير الزراعة”.
وتتابع فليح، أن “في فترة من الفترات بدأت البحث الجاد عن عمل أستطيع ممارسته من المنزل كمصدر رزق لي ولعائلتي، وقد وجدت أن تربية النحل هي الأقرب لي، وتعلمت المهنة من خلال الإنترنت، وبدأت أنا وزوجي بخلية واحدة بسبب وضعي المادي، وبمرور الوقت أصبحت بارعة في المهنة ولدينا الآن عشر خلايا”.
يشار إلى أن مهنة النحالين تعد وسيلة لكسب الرزق للآلاف من العراقيين في مختلف المحافظات عبر سنوات طويلة من الزمن، حيث يتوارثها أغلبهم أو يكتسبها علميا في حياته، لكنها باتت اليوم مهددة بخطر كبير يتمثل بالعسل المستورد المكتسح للأسواق، إضافة لخطر أزمة المياه وشح الموارد.
من جانبه، يوضح مدير زراعة بابل ثامر عبد جاسم الخفاجي، خلال حديث لـه ا، أن “هناك لجنة مشتركة للكشف على خلايا النحل، تضم مهندسين من مديرية الزراعة، وكذلك محاسبين من المصرف الزراعي، لمنح قروض مالية للنحالين تبلغ 34 مليون دينار (نحو 22 ألف دولار) لكل مشروع”.
ويردف “المرأة الريفية بدلا من أن تجلس في بيتها دون عمل، تقوم بتخصيص وقت للاعتناء بخلايا النحل لتحقق مردودا ماليا، ولدينا في مديرية زراعة بابل، شعبة المرأة الريفية تابعة لقسم الإرشاد والتي تعنى بهذا الموضوع”.
وكان اتحاد النحالين العرب، قد عزا في آب أغسطس 2022، الانخفاض الحاد بإنتاج العسل في العراق إلى عوامل الجفاف التي أصابت البلاد، وقال رئيس الاتحاد منتصر الحسناوي في تصريح تابعته "النافذة"، إن عوامل الجفاف التي أصابت البلاد على مدى الأعوام الثلاثة الماضية لاسيما الانخفاض الحاد بمعدلات هطول الأمطار، تسببت بتراجع إنتاج العراق من العسل للخلية الواحدة إلى ثمانية كيلوغرامات مقابل ما يقرب من 30 كغم قبل هذا التاريخ.
وأضاف الحسناوي، أن إنتاج البلاد من العسل كان يصل إلى 1700 طن سنويا من خلال 350 ألف خلية يمتلكها 17 ألف نحال مسجلين في البلاد، إضافة إلى هواة غير مسجلين بشكل رسمي، داعيا الجهات الحكومية إلى إيلاء القطاع الأهمية التي يستحقها لما يمثله من رافد اقتصادي واعد.