24 Jul
24Jul

لم يكن الاعتداء على السفارة السويدية في بغداد الحدث الأول في سلسلة الهجمات التي تطال البعثات الدبلوماسية والمصالح الأجنبية في العراق، ولن يكون الأخير، فمنذ 2003 أصبحت مقرّات البعثات الأجنبية مركزا لردات الفعل الغاضبة، سواء كانت شعبية أو حزبية على أي حدث يستفزها.
وتنوّعت ردات الفعل بين الهجوم بالكاتيوشا أو اقتحام المباني وإحراقها، وأثارت بدورها امتعاضا دوليا، وقلقا من عودة العراق إلى عزلة دولية أخرى بعد وقت قصير من الانفتاح على العالم، وهو ما حذر منه مراقبون، لافتين إلى أن عدم ضبط العواطف قد ينسف الجهود الدبلوماسية للبلاد.
وكانت السفارة الأمريكية، إحدى أهم أهداف هذه الاعتداءات المتكررة، إذ سقطت على محيطها مئات الصواريخ، وتحشّد على أسوارها آلاف المحتجين الغاضبين، وجرت محاولات اقتحامها مرات عديدة، إلى حد كاد أن يتسبب بإغلاقها والتعامل مع المحتجين كـ"أهداف مباشرة".
ففي 2020 أكدت إحدى التسريبات اتصالا بين وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو مع رئيس الجمهورية السابق برهم صالح، يمهله فيها أياما فقط لوضع حد لنفوذ الفصائل المسلحة وإيقاف استهداف المصالح الأمريكية والغربية، وبخلاف ذلك ستتجه الولايات المتحدة إلى غلق سفارتها وسحب قواتها والتعامل مع هذه الفصائل كأهداف مباشرة، موجها انتقادا لاذعا لرئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، كونه لم يف بوعوده التي قطعها خلال زيارته إلى واشنطن.
وكان وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، قد قرر إلغاء زيارة رسمية كانت مقررة إلى العراق والأردن، إثر "مخاوف أمنية" مترتبة على احتجاجات "حرق المصحف".
وحول استمرار استهداف البعثات الدبلوماسية، يقول المحلل السياسي غازي فيصل، في حديث له، إن "التيارات والكتائب المسلحة شنت هجمات بصواريخ الكاتيوشا والطائرات المسيرة على السفارة الأمريكية، ولعدة سنوات تحت ذريعة أن السفارة قاعدة عسكرية".
يرى فيصل أن "هذا الاعتقاد مغالطة كبيرة، لأن السفارة أسست بموافقة من الحكومة العراقية وهي من الممتلكات التابعة للحكومة الأمريكية، وأي سفارة لا يجوز المساس بها أو الاعتداء عليها لأنه يعني اعتداء على الولايات المتحدة الأميركية".
ويذكّر المحلل السياسي بـ"الحشود من قبل القوى السياسية العديدة ومحاولة تدميرها ورفع شعارات معادية للولايات المتحدة"، عادا إياه "انتهاكا للقانون الدبلوماسي الدولي والعلاقات العراقية الأمريكية وانتهاكا لاتفاقية الشراكة الاستراتيجية والاقتصادية والأمنية والسياسية بين بغداد واشنطن وبغداد عام 2008 خلال حقبة رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي والرئيس الأمريكي جورج بوش".
وتعدّ السفارة السويدية هي أحد أكبر الأهداف حاليا، ويوم الخميس الماضي أقدم أنصار التيار الصدري، على اقتحام مبناها في بغداد، وإحراقها بعد السيطرة على باحتها الخارجية، وذلك بعد أن منحت السويد رخصة ثانية لسلوان موميكا، لحرق نسخة من القرآن الكريم والعلم العراقي أمام السفارة العراقية في ستوكهولم.
ولم يمض سوى وقت قليل، حتى أعلنت الحكومة، عن تبليغها السفيرة السويدية بمغادرة الأراضي العراقي وقطع العلاقات الدبلوماسية مع السويد، كما وجهت القائم بالأعمال العراقية في السويد بالعودة إلى بغداد.
ويؤكد فيصل، أن "عملية اجتياح السفارة السويدية تعبير عن غضب فئات عديدة من الشعب على حرق المصحف الشريف والعلم العراقي لكن هذه الاحتجاجات تجاوزت الخط الأحمر والقانون الدولي الدبلوماسي"، لافتا إلى أن "سلطة الحكومة القانونية وواجبها حماية البعثة الدبلوماسية ومبنى السفارة والوثائق".
ويضيف أن "حرق السفارة أدى إلى استياء الاتحاد الأوربي والأمم المتحدة والإدارة الأمريكية لأن هذا يعني أن بالإمكان اجتياح أي سفارة في العالم إذا ما حصل غضب شعبي وممكن أيضا التعرض للشركات والمنشآت العاملة في العراق كما حصل لمطار أربيل وشركة شل ومحطة إنتاج الغاز في السليمانية تحت ذريعة أنها مؤسسات أجنبية وكادت هذه الشركات تنسحب، ما يؤدي إلى خسارة العراق هذه الخبرات لتنفيذ اتفاقيات مهمة للاقتصاد العراقي".
ويتحدث فيصل عن أن "اتفاقية فيينا الدولية عام 1961 تشكل قاعدة أساسية لتوفير الحماية المتبادلة بين الدول للبعثات الدبلوماسية سواء الأشخاص أو السفراء أو المباني إضافة للوثائق والمستندات والأموال، إذ تلزم الدول المضيفة بتوفير الحماية ومنع حصول أي اعتداء سواء كان مسلحا أو لا".
وشهد العام 2021، ذروة الصراع بين الفصائل المسلحة والولايات المتحدة، حيث جرى استهداف أغلب المصالح الأمريكية وأرتال الدعم اللوجستي بعبوات ناسفة، ومن ثم تطور الأمر إلى استخدام طائرات مسيرة، وفي ذلك العام استهدفت واشنطن العديد من المواقع التابعة للفصائل المسلحة ولأكثر من مرة، بضربات صاروخية أوقعت خسائر كبيرة.
وهنالك إحصائيات ، بشأن الفصائل الوهمية التي تتبنى استهداف القوات الأمريكية، وعدد عملياتها عبر سلسلة تقارير، وكانت أبرزها في عام 2020، حيث جرى تشكيل 9 فصائل جديدة، تبنت تنفيذ 76 استهدافا.
وخلال الأيام الماضية، جرى استهداف مقر منظمة DCR الدنماركية، التي تعمل بمجال ازالة الألغام في البصرة، وذلك بعد أن خرجت تظاهرات ضد الدنمارك، التي شهدت هي الأخرى حرق المصحف والعلم العراقي أمام السفارة العراقية.
وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، هاجم السفيرة الأمريكية ووصفها بـ"السفيهة"، عبر تغريدة مطولة أكد فيها أن "سفيرة أمريكا في العراق ترتع وتلعب كما تشاء ولا تكترث لأحد، بل أنها تدعي الدولة العظمى والأقوى في العالم، وتدعي أنها الحامي للأقليات والمستضعفين وفي نفس الوقت فإنها داعمة لحرق الكتب السماوية والتعدي على مشاعر المسلمين في كل بقاع العالم".
من جانبه، يؤكد المحلل السياسي ماهر جودة، خلال حديث لـه، أن "ثقافة التطاول والتجاوز على البعثات الدبلوماسية والشركات العاملة في العراق مرفوضة، ويجب أن لا نضع لها مبررا، فمن يدفع الثمن هو العراق".
ويضيف جودة أن "هذه الأحداث تترك انعكاسا سلبيا على صورة العراق في الخارج"، مشيرا إلى أن "مؤشرا عالميا على سبيل المثال وضع الجواز العراقي قبل أسبوع في ذيل القائمة، لذا فإن مثل هذه الثقافة تؤثر على سمعة البلد في الخارج، وهي في الوقت نفسه تساهم في إضاعة حقوق العراق حتى لو كان صاحب حق".
ويتابع جودة أن "دور السفارات في العراق لا يخلو من الشبهات، لكن لا ينبغي التصرف تحت ضغط العواطف والمشاعر غير المسيطرة، ولو كنا نتصرف ضمن العلاقات الدولية وضبط النفس والاكتفاء بقطع العلاقات سنكسب التعاطف إلى جانبنا".
وبعد حرق المصحف في الدنمارك، حاول محتجون السبت الوصول إلى مبنى السفارة الدنماركية داخل المنطقة الخضراء في بغداد، إلا أن عناصر الأمن منعوهم بالقوة وأبعدوهم عنها.
جدير بالذكر، أن الخارجية الأمريكية أكدت بعد الاعتداء على مبنى السفارة السويدية، أنها على اتصال "مع شركائنا السويديين وقد عرضنا عليهم دعمنا، ولا ينبغي أن تكون البعثات الدبلوماسية أهدافاً للعنف".
إلى ذلك، يرى المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث لـه، أن "سبب عدم قدرة الدولة على حماية الشركات والمقرات الدبلوماسية يعود إلى أن الجهات الأخرى والتي تنفذ هذه الاعتداءات هي أقوى من الدولة".
ويضيف الدعمي أن "هذا الحدث مستمر منذ عام 2003 وحتى الآن، وسيبقى مستمرا لأن الجهات السياسية للأسف الشديد تظهر انتقامها بالسفارات والمؤسسات الدولية، وهذه بالنتيجة ستترك صورة سلبية عن العراق في الخارج".
وكان الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء يحيى رسول، أكد أمس الأول السبت، اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية جميع البعثات الدبلوماسية العاملة في العراق، فيما أشار إلى أن الحكومة والقوات المسلحة ملتزمتان بمعاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة