ظهر التنافس على أشده بين الولايات المتحدة وإيران للفوز بالعراق، بعد توافد مسؤولين رفيعين من كلا الدولتين في وقت واحد نحو بغداد، ما عدّه مراقبون محاولة من قبل الطرفين بسحب الحكومة الحالية نحو محورها، في ظل توقعات بحصول لقاء بين منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني في العاصمة العراقية.
ويقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، خلال حديث له، إن "التزامن بين زيارة ماكغورك وقاآني، غير متفق عليها، لكن الموضوع يدخل ضمن التدافع الأمريكي– الإيراني على الداخل العراقي، خصوصاً أن إعلان ماكغورك عن زيارته إلى المنطقة هو ما دفع قاآني بالتحديد للحضور في الوقت ذاته إلى العراق، كجزء من عملية إثبات القوة والنفوذ الإيراني في الداخل العراقي".
ويضيف الشمري، أن "وجود قاآني في بغداد مع تواجد ماكغورك هو رسالة للولايات المتحدة الأمريكية، كما هي رسالة لرئيس الحكومة العراقية الحالي محمد شياع السوداني، بأن يضع في حساباته حدود التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصاً أن طهران قلقة بشكل كبير جداً من الاستقطاب الأمريكي للسوداني، ولذا فإن قاآني حضر بهذه الخصوصية".
ويبين أن "زيارة قاآني، جاءت أيضاً بسبب الصراع داخل الإطار التنسيقي، فإيران لا تريد للإطار أن يتشظى، ليكون حاضنة للسوداني حتى لا يذهب بعيداً، والزيارة جاءت خشية من إمكانية انهيار ائتلاف ادارة الدولة، وهذا يعني انهيار البيئة السياسية الداعمة للحكومة الحالية".
ويستبعد رئيس مركز التفكير السياسي "ما يدور حول وجود وساطة عراقية بشأن الملف النووي الإيراني بين طهران وواشنطن"، مستدركا "لكن الزيارتين تكشفان صراع الأضداد، فكل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية لا تزالان تضعان في حساباتهما بأن العراق أرض للتهدئة وأرض لتصفية الحسابات".
يشار إلى أن المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك، وصل إلى بغداد في 16 كانون الثاني يناير الحالي، وعقد اجتماعات مع مختلف السياسيين، وأولهم رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ومن ثم زار أربيل والتقى هناك رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، وناقش معه الخلاف القائم بينه وبين الاتحاد الوطني الكردستاني.
وقد أكد ماكغورك خلال لقائه السوداني، على التزام الإدارة الأمريكية باتفاقية الإطار الاستراتيجي، ودعم إصلاحات الحكومة العراقية في مجال الطاقة والبنية التحتية ومواجهة التغيّرات المناخية، فضلا عن ترحيب بلاده بمخرجات مؤتمر بغداد 2، والزيارة المرتقبة لوزير الخارجية فؤاد حسين، إلى واشنطن لعقد اجتماعات اللجنة التنسيقية العليا لاتفاقية الإطار الاستراتيجي بين البلدين.
وبعد يوم من زيارة ماكغورك، وصل قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد، وقد نشرت وسائل إعلام إيرانية صوراً لقاآني وهو يزور موقع اغتيال الجنرال قاسم سليماني، وبحسب بعض المصادر الإعلامية، فإنه التقى أيضا بعدد من السياسيين في بغداد.
وتعد هذه الزيارة الثانية لقاآني إلى بغداد بعد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني، وذلك بعد زيارته الأولى في تشرين الثاني نوفمبر 2022.
يأتي هذا، في ظل حملة غير مسبوقة، تشنها الصحافة والإعلام الإيراني ضد رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، بسبب إصراره على تسمية الخليج العربي دون الفارسي، في أكبر هجمة إعلامية وسياسية رسمية وشعبية إيرانية ضد رئيس حكومة عراقية بعد صدام حسين.
من جانبه، يكشف المحلل السياسي علي البيدر، خلال حديث له، أن "هناك محاولة لاستمالة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى أحد أقطاب المعادلة الأكثر تأثيرا في المشهد العراقي، وهي المعادلة الأمريكية– الإيرانية، ومن هذا المنطلق يحاول الطرفان توسيع نفوذهما والحصول على ثقة حكومة السوداني التي قد تتبنى خيارات أحد الأطراف على حساب الآخر، وتعزيز مكانتها داخل المشهد العراقي، ولذا جاءت زيارة قاآني متزامنة مع ماكغورك".
ويبين البيدر، أن "أمريكا متى ما تقدمت خطوة في العراق، سنجد هناك تقدما إيرانيا لصد ذلك التقدم الأمريكي، حتى لو كان ذلك بصورة غير رسمية، فإيران تريد إيصال رسائل لكل الأطراف الخارجية والداخلية بأنها باقية في العراق، ولها دور وإمكانية ونفوذ، ولذا جاءت زيارة قاآني رداً على زيارة ماكغورك لبغداد".
ويضيف أن "السوداني مطالب بالعمل وفق التوازن بالعلاقات مع طهران وواشنطن وعدم الذهاب مع طرف ضد طرف آخر، بل العمل على العلاقات مع الطرفين لما فيه مصلحة للعراق على مختلف الأصعدة الأمنية والعسكرية والاقتصادية، ودفع أي اقتتال خارجي على الأراضي، فالذهاب نحو سياسة المحاور له تداعيات كبيرة وخطيرة على العراق".
جدير بالذكر، أن قوى الإطار التنسيقي دخلت بأزمات عديدة مع الولايات المتحدة، إبان فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ففي أواخر عام 2019، وحين كانت حكومة عادل عبد المهدي تلفظ أنفاسها الأخيرة، جرى اقتحام سفارة الولايات المتحدة من قبل قوى الإطار (ردا على القصف الأمريكي لمواقع على الحدود السورية، قيل إنها تابعة للحشد الشعبي)، شارك فيه قادة وزعماء، ولم تمض أيام، حتى نفذت واشنطن عملية اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، قرب مطار بغداد الدولي، في 3 كانون الثاني يناير 2020، الأمر الذي زاد من التوترات الأمنية والسياسية في البلاد.
وكانت السفيرة الأمريكية لدى العراق إلينا رومانوسكي، من أولى الشخصيات التي قدمت التهنئة للسوداني بمناسبة نيل حكومته ثقة البرلمان، وكتبت في تغريدة لها بعد وقت قصير من انتهاء جلسة البرلمان "نتطلع قدما للعمل مع الحكومة الجديدة لتعزيز أهدافنا المشتركة خلال هذه المرحلة المحورية للعراق.. شراكتنا متجذرة في الرغبة المتبادلة لرؤية عراق ديمقراطي يتمتع بالسيادة والأمان والاستقرار".
وتعد الولايات المتحدة وإيران، من أبرز الدول صاحبة التأثير على القرار العراقي، وخاصة تشكيل الحكومة، كما يرتبط العراق مع هاتين الدولتين بمشتركات عديدة، على كافة المستويات والصعد.
ولا يستبعد المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث له، أن "الزيارة المتوازية ما بين قاآني وماكغورك، أن تكون مرتبا لها، أي بمعنى أن هناك حوارات سابقة أدت لهذه الزيارة، ولذا فكل شيء ممكن، خصوصاً أن العراق هو البلد الأكثر تحقيقاً لمصالح البلدين".
ويضيف الدعمي، أن "تزامن زيارة قاآني مع وجود ماكغورك، ربما هي من أجل الاجتماع بين الطرفين في بغداد، وهذا أمر غير مستبعد، خصوصاً أن ماكغورك مبعوث من قبل الرئيس الأمريكي جو بادين أي أنه يمثل سلطات واسعة كبيرة، وصلاحيات كبيرة حتى أكثر من وزير الخارجية الأمريكية".
ويتابع المحلل السياسي، أن "المشكلة في العراق، هي تباعد وجهات النظر والخلاف بشأن معالجة الأزمة العراقية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، ولذا جاءت الزيارة المتوازية ما بين قاآني وماكغورك، لإيجاد حل لهذه المشكلة".
ويرى مراقبون، أن النفوذ الإيراني على الأرض في العراق والمنطقة هو الأقوى، وسط صراع محاور دولي، باتت فيه "أذرع" إيران قادرة على تهديد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها دول الخليج.
وبمقابل هذا النفوذ، فإن العراق استمر في الحوار الاستراتيجي مع أمريكا، التي تعد شريكا أمنيا واستراتيجيا للعراق، إضافة إلى قيادته وساطة بين السعودية وإيران على أرضه، وانطلقت أول جولاتها في نيسان أبريل 2021، بحضور رئيس المخابرات السعودية خالد حميدان ونائب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد عرفاني.