يعاني العراق منذ عقود طويلة من وفرة في الأسلحة على نحو يثير القلق، خاصة مع استخدامها المتكرر في النزاعات العشائرية التي تصل في بعض الأحيان إلى الأسلحة الثقيلة وتودي بحياة أشخاص، فضلا عن وجود تأكيدات استخبارية بأن بعض هذه الأسلحة تتسرب إلى التنظيمات الإرهابية التي تحاول إعادة تشكيل نفسها مرة أخرى.
وحول هذا الأمر، يقول عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية ياسر إسكندر، خلال حديث لـه ، إن “فوضوية سوق السلاح مشكلة معقدة في العراق وساهمت الظروف الاستثنائية التي مر بها بعد العام 2003 في إغراق المدن بمختلف الأسلحة وكان هناك بالفعل غض نظر لبعض الوقت بسبب الأجواء الأمنية المضطربة”.
ويتابع إسكندر، أن “وزارة الداخلية بدأت منذ أشهر في اعتماد برنامجا طموحا في ترخيص وجود الأسلحة في المنازل ضمن مبدأ الدفاع عن النفس وهي خطوة مهمة، بالإضافة إلى شن أكثر من 20 عملية ضد شبكات تبيع وتتاجر بالأسلحة في سبع محافظات وكانت النتائج إيجابية”.
ويلفت إلى أن “التجارة الإلكترونية التي كانت تستغل منصات التواصل في ترويج بيع وشراء الأسلحة انخفضت بنسبة 80 بالمئة بعد التشديد والمتابعة والرقابة، ولكن لا يمكن تحقيق استقرار حقيقي وهناك ملايين الاسلحة غير مرخصة”.
ويشدد إسكندر على “أهمية منع تداول الأسلحة الثقيلة والمتوسطة لأي سبب كان ومنع وجودها في المنازل، ونسب التفاعل مع برنامج وزارة الداخلية في حصر السلاح بيد الدولة جيدة، لكن نحتاج إلى ضغط أكبر من أجل دفع كل الشرائح إلى الالتزام بما ورد من نقاط لأنها تأتي في خدمة المجتمع”.
تجدر الإشارة إلى أن شعار “حصر السلاح بيد الدولة”، شغل ركنا ثابتا في البرامج الحكومية لرؤساء الوزراء المتعاقبين، إلا أن جميعها لم تجد نفعا، حيث سجلت منظمة ضحايا حرب العراق مقتل 46 عراقيا في أول أشهر هذا العام، وفي الشهر الذي تلاه، شباط فبراير الماضي تم تسجيل 44 قتيلا، وهو أعلى مستوى مسجل منذ شهر آيار مايو 2023 والذي بلغ فيه عدد القتلى 46 قتيلا.
ورغم رفع الحكومة المبالغ المالية التي تقدمها للمواطنين لقاء تسليم الأسلحة التي بحوزتهم، خاصة المتوسطة والثقيلة التي باتت تدخل بشكل واضح في النزاعات القبلية والعشائرية، وذلك في إطار خطة واسعة لحكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تهدف إلى تضييق مساحة السلاح المنفلت في البلاد، إلا أن الإقبال عليها مازال ضعيفا مما دفعها لفرض عقوبات مشددة تصل للمؤبد.
إلى ذلك، يلفت النائب السابق فوزي أكرم ترزي، خلال حديث له، إلى أن “خطورة ملف سوق السلاح في العراق تكمن في كشف مصادر التهريب الرئيسية التي تربح ملايين الدولارات من خلال التجارة السوداء بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة”.
ويضيف ترزي، أن “حزب العمال الكردستاني يعد من أهم أدوات ضخ الأسلحة إلى العمق العراقي ويربح ملايين الدولارات من خلال هذه التجارة، وسبق وأن حذرنا منذ سنوات من خطورة تهريب الأسلحة في البلاد”.
ويتابع أن “تأثير تجارة السلاح يمكن حصرها في ثلاث نقاط حمراء، وهي زيادة التوترات الداخلية واستخدامها في النزاعات، يضاف إلى ذلك إمكانية تسربها إلى خلايا إرهابية، لذلك سوق السلاح في العراق خطر جدا وهو برميل بارود يجب اتخاذ الإجراءات الاحترازية كافة من أجل احتوائه”.
وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت وفي كانون الثاني يناير الماضي، أنها أقدمت على شراء السلاح من العراقيين عبر بوابة “أور” الإلكترونية الحكومية (موقع إلكتروني)، بالإضافة إلى فتح 697 مركزا لشراء الأسلحة من المواطنين.
وبالرغم من كونها المرة الأولى التي تلجأ فيها السلطات في العراق إلى شراء الأسلحة من المواطنين، إلا أن الإقبال ضعيف، في حين أن بعض المراكز لم تشهد شراء قطعة سلاح واحدة.
ولا يوجد إحصاء رسمي بعدد قطع السلاح الموجودة داخل المجتمع العراقي، لكن التقديرات تتحدّث عن أرقام متفاوتة بالعادة بين 13 و15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف، أبرزها بنادق “كلاشنكوف” و”بي كي سي” و”آر بي كي” الروسية، إلى جانب مدافع “هاون” وقذائف “آر بي جي” التي باتت تُستخدم أخيراً بكثرة في النزاعات القبلية في جنوب ووسط البلاد.
وتملك معظم هذه الأسلحة الجماعات المسلّحة، إلى جانب العشائر، بينما يحرص العراقيون على امتلاك قطع سلاح داخل منازلهم كجزء من ثقافة ما بعد 2003، وانعدام الأمن، واضطرار العراقيين للتفكير بالدفاع عن أنفسهم من اللصوص والاعتداءات المتوقعة.
وبهذا الصدد، يوضح الخبير في الشؤون الأمنية إبراهيم الزيدي، خلال حديث لـه، أن “العراق يضم حاليا قرابة ثلاثة ملايين قطعة سلاح وفق القراءات، ولكن الخطورة هي في الأسلحة الثقيلة والمتوسطة التي تبرز في النزاعات العشائرية بشكل لافت وتؤدي إلى سقوط ضحايا وخسائر مادية كبيرة”.
وينبه إلى أن “إيران وتركيا وسوريا هي أبرز مصادر تمويل الأسلحة التي تتدفق على العراق خاصة مع وجود ثغرات في بعض المناطق الحدودية، كما أن تجارة الأسلحة تديرها مافيات دولية لأنها توفر أرباحا مالية بملايين الدولارات سنويا”.
ويشير إلى أن “98 بالمئة من ضحايا عمليات القتل تتم بأسلحة غير مرخصة وهناك دلائل استخبارية على أن خلايا إرهابية تستفيد من وفرة السلاح في إعادة تحديث ما لديها إذا ما عرف بأن سبل التمويل لم تنتهي وهذا ما يفسر ضبط المزيد من الأسلحة والأعتدة في مضافات إرهابية في ديالى وكركوك والأنبار وغيرها”.
ويرى الزيدي أن “برنامج وزارة الداخلية إذا ما تم تطبقيه بشكل شامل سيحقق انتقالة في حصر سوق السلاح على الأقل إمكانية تتبع الأسلحة المرخصة وكشف الجرائم، بل إيقاف بيع وشراء التي تتسرب إلى خلايا إرهابية”.
وكان مصدر أمني قد أكد في تصريح له، ضبط أعتدة في منطقة المطيبيجة بين محافظتي ديالى وصلاح الدين وتبين أن تاريخ صناعتها هو العام 2023 أي أنها دخلت حديثا وهذا يدلل على وجود مافيات خاصة تؤمن الأسلحة والأعتدة لمن يدفع المال، وبحسب المصدر تم تفكيك بعض الشبكات الصغيرة التي تبيع الأسلحة والأعتدة ولكن المافيات الكبيرة لم يتم الوصول إليها خاصة وأنها لا تعمل دون غطاء يوفر لها مرونة في الحركة في ظل أرباح كبيرة يمكن من خلال الرشاوى تحقيق الكثير من الحصانة على الأقل في الحركة على الطرقات الرئيسية.