خرج علي جابر (32 عاما) مع العشرات من رفاقه وأصدقائه ليحتجوا أمام موقع للطمر الصحي، نتيجة لتزايد الأدخنة المتصاعدة من حرق النفايات في الموقع جنوبي الناصرية، والذي لا يبعد عن منطقة الإسكان الصناعي سوى 6 كيلومترات تقريبا.
احتجاجهم جاء نتيجة الحرائق في الطمر الصحي المخالف للشروط والمحددات البيئية، حيث تتم عملية الحرق من قبل مجاميع تسمى "النباشة" اذ يحاولون استخراج معادن الألمنيوم والنحاس من الأسلاك وبعض القطع الأخرى ليستفيدوا من بيعها بأثمان بخسة لقوتهم اليومي.
حرق النفايات في موقع الطمر، بحسب حديث جابر لـه فإنه "لم ينته منذ سنوات، ومستمر بشكل بات يسبب للأهالي حالات الاختناق وأمراض في الجهاز التنفسي، ودائما ما تعج صالات الطوارئ في مستشفى الناصرية التعليمي بحالات الاختناق جراء حرق النفايات".
الاحتجاجات الأخيرة في المحافظة، دفعت بمحافظ ذي قار محمد هادي، ليتخذ خطوة بفتح موقع الطمر الصحي الجديد، الذي يبعد عن مركز المدينة 75 كيلومترا، رغم أنه كان من المفترض عدم افتتاحه لحين تقدم شركات مختصة في جميع النفايات، لغرض العمل فيه.
محافظ ذي قار، وفي بيان له يوم أمس الإثنين، أكد أنه وجه قيادة الشرطة بتوفير الحماية الكاملة للطمر الحالي، الذي دائما ما يدخلها "النباشة" لأجل منعهم من التسبب بأي حرائق، وشدد على تأجير آليات لنقل النفايات إلى موقع الطمر الجديد وتكليف فريق من المحافظة بزيارة محافظة السليمانية والاطلاع على شركات التنظيف فيها لمعرفة الآلية وتجاربها.
وكانت بيانات الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2021، أشارت إلى أن عدد مواقع الطمر الصحي في العراق بلغت 221 موقعا عدا إقليم كردستان، وأن من بين هذه المواقع 149 موقعا غير حاصل على الموافقة البيئية ومخالف للضوابط، أي هي مكبات للنفايات.
يشار إلى أن وزارة البيئة، أعلنت في تشرين الأول أكتوبر الماضي، عن توجه حكومي لتشريع قانون جديد لمعالجة المخلفات الصلبة، لإنتاج الطاقة الكهربائية واستثمار غاز الميثان، فيما أشارت إلى أن أمانة بغداد كان لديها مشروع عام 2006 لتدوير النفايات، لكن لم يحصل على الموافقة بسبب وجود مقترحات لإنشاء مجمعات سكنية، وبالتالي فإنه سيؤثر على صحة المواطن، وأن محافظة نينوى هي الأكثر محافظة بأعداد الطمر الصحي المخالف للضوابط اذ يبلغ إجمالي عددهن 32 موقع طمر صحي منها 26 غير حاصلة على الموافقات المطلوبة وتليها محافظة صلاح الدين بواقع اجمالي 19 موقعا منها 1 الحاصل على الموافقة البيئية.
وبحسب بيان الوزارة آنذاك، فإن كل شخص يخلف يوميا من 1 إلى 1.25 كغم من المخلفات في عموم العراق، وفي محافظة بغداد يوميا تنتج ما بين 8 إلى 10 آلاف طن من المخلفات، 40 بالمئة منها نفايات عضوية أي بقايا الطعام.
وتضم المحافظات العراقية 265 مؤسسة بلدية معنية برفع النفايات، وأن عدد السكان المخدومين بخدمة جمع النفايات بلغوا أكثر من 23 مليون نسمة.
من جانبه، يرى المتحدث الرسمي لوزارة الإسكان والإعمار نبيل الصفار، خلال حديث لـه، أن "العراق يعاني من مشكلة عامة بموضوع الطمر الصحي في ظل عدم وجود مناطق طمر نظامية، خاصة وأن ما يقارب الـ40 طنا من النفايات يوميا يتم رفعها".
ويؤكد أن "المديرية العامة للبلديات تمكنت مؤخرا من إعداد دراسات خاصة بهذا الجانب، لإنشاء مواقع طمر نظامية وموافقة للمواصفات وتزويدها للمحافظات، لكن يبقى الأمر متعلقا بالحكومات المحلية لتخصيص أموال من موازناتها لإنشاء المواقع"، مبينا أن "الطمر الصحي هي مشكلة عامة تعاني منها جميع محافظات العراق، والوزارة استطاعت مؤخرا من افتتاح محطة معالجة النفايات لتكون نموذجا وذلك في الأنبار، ويمكن من خلالها تصنيع الأسمدة والاستفادة من المخلفات لإنتاج بعض الموارد".
وتعد ظاهرة حرق النفايات من الظواهر المنتشرة بكثرة في بغداد والمحافظات الأخرى، ودائما ما ترتفع غمامة سوداء تغطي سماء المنطقة مع رائحة كريهة، تستمر لساعات طوال، نتيجة لحرق النفايات.
يذكر أن هناك العديد من مشاريع إنشاء معامل لإعادة تدوير النفايات وتحويلها إلى مواد صالحة للاستخدام، مثل الأسمدة أو فرز المواد الصلبة فيها، قد طرحت خلال الأعوام الماضية، لكن في العام 2014 وبسبب الأزمة المالية والحرب على تنظيم داعش توقفت أغلبها، ما دفع أمانة بغداد إلى طمرها بالطرق التقليدية.
إلى ذلك، يبين مدير عام مجلس حماية وتحسين البيئة في جنوب العراق محسن عزيز، خلال حديث لـه، أن "مواقع طمر النفايات الحالية التي لم تحصل على إجازة بيئية، هي بالحقيقة مكب نفايات، ولا يمكن وصفها بمواقع طمر".
ويتابع أن "ما يحصل من حرق عشوائي من قبل مجاميع تسمى النباشة يشكل خطرا كبيرا على الهواء وتلوثه، وبالتالي الأضرار الناجمة تؤثر بالجهاز التنفسي، لاسيما وأن أعمدة الدخان قد تصل لمسافة 4 كيلومترات".
ويرى عزيز، أن "الحل في الوقت الحالي هو أن تتخذ الحكومات المحلية خطوات لإنهاء هذا التلوث الذي يهدد المحيط البيئي نتيجة الغازات المتصاعدة بفعل الحرق العشوائي".
وكان معاون مدير دائرة المخلفات الصلبة والبيئة في أمانة بغداد أحمد عبد الإله، كشف سابقا، عن وجود ثلاث شركات إحداها تركية قدمت طلبات للاستثمار في مشروع تدوير النفايات وإنتاج الطاقة الكهربائية، فيما بين أن هناك مفاوضات مع وزارة الكهرباء لشراء الطاقة الكهربائية الناتجة عن المشروع، لكن البدء بهذا المشروع يحتاج إلى تشريعات قانونية تزيل العقبات من أمامه.
يشار إلى أن مصادر كشفت في تقرير سابق أسباب تراكم النفايات في الأزقة والأماكن العامة، وبحسب مسؤولي بلديات فأنهم عزوا الأمر إلى "الفساد والرشى" ونقص في الآليات والأيدي العاملة و"الإهمال" الحكومي.