11 Apr
11Apr

أوضح تقرير لمنظمة العفو الدولية بعنوان “إرث الإرهاب

[1] : محنة الأطفال الإيزيديين ضحايا تنظيم “الدولة الإسلامية” في 2020 عدم حصول الأطفال الإيزيديين الذين جنَّدهم تنظيم داعش على أي شكل من أشكال الدعم سواء النفسي، الأجتماعي، أو الصحي، أو المالي، أو سواه عقب عودتهم. أي عقب تحريرهم من تنظيم داعش، والتحرير يكون بدفع فدية يدفعها أهل الأطفال.
وأن البرامج والخدمات الحالية لضحايا العنف الجنسي قد أهملت بمعظمها الفتيات مركزة بدلا من ذلك على النساء فقط. إضافة إلى عجز الأطفال الذين تم تحريرهم عن التحدث باللهجة الكرمانجية الكردية وهي اللهجة التي يتحدث بها أهل سنجار. إن محو الهوية الذي مورِس في العراق تعددت أشكاله، ونظرًا للتنوع القومي والثقافي والديني والعرقي فيه، يتشكل جو حساس، يتطلب تعاملاً خاصًا من قِبل المؤسسات الحكومية والمجتمعية مع الأختلاف فيه. لكن على العكس، يتخذ نظام المحاصصة دورًا رئيسيًا ومصيريًا في إدارة الدولة، إذ أن الوزارات والمقاعد التي يتم توزيعها حسب الدين والقومية والطائفة ستنتج بلا شك وضعًا مشابهًا للوضع الحالي للعراق. فالمنصب لا يتولاه مَن يمتلك من المؤهلات ما يكفي لشغل المنصب والتقدم بالبلد نحو الأمام لمواكبة العالم، بل الاستفادة الشخصية والحزبية من المنافع التي يقدمها الكرسي على حساب المواطن. هذه الإدارة العشوائية الممنهجة، وهي عشوائية لأنّها في أيدٍ غير مؤهلة، وممنهجة لأنّها تؤسس لنظام يتوارثه الأبناء وأبناء العمومة والقومية والطائفة والدين. فالحرب الطائفية في 2006 كانت نتاج هذه العملية.
يشير التقرير أيضًا إلى نساء وقعن في يد تنظيم داعش، تم اغتصابهن ومورست مختلف أنواع العنف الجسدي والنفسي ضدهن، وانجبن أطفال من عناصر إرهابيي داعش واضطررن إلى التخلي عن أطفالهن، كشرط لعودتهن من الأسر، وقبولهن مرة أخرى في المجتمع. إحدى النساء تدعى سناء –ناجية من تنظيم داعش عمرها 22 عاما- أخذت ابنتها معها إلى مخيم للمهجرين داخليًا، لكنها أرغمت على التخلي عنها بعدما تلقت تهديدات متكررة بالقتل، قالت لمنظمة العفو الدولية: “أخذتها إلى مكتب وطلبوا مني ترك ابنتي… وقالوا لي “سنكون أبًا وأمًا لها”، وفي تلك اللحظة شعرت كما لو أن عمودي الفقري قد انكسر، وانهار جسدي بأكمله”
كما أشار التقرير إلى محاولات عدة للنساء وبعضهن أكثر من مرة الأنتحار رفضًا للأنفصال عن أطفالهن.
تحليل القتل
في حربه على العراق، احتل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وما يُعرف بداعش الموصل، وقضاء سنجار، الذي تسكنه أغلبية إيزيدية، أو كما يحب الساسة تسميتهم “أقلية”. وهذه المفردة بحد ذاتها إشكالية، ومثقلة بالكراهية والعنصرية والتفرقة، فعوضًا عن تسميتهم مواطنين عراقيين، يتم تسميتهم “أقليات”، وتشير خطاباتهم إلى “حبهم” و”سلميتهم”، للإشارة إلى أي مجموعة “عراقية” تتبع دينًا آخر، فلا نستغرب هجرة “الأقليات” إلى الخارج، وانخفاض نسبهم في “الوطن”.
وقد أطلق داعش على الإيزيديين اسم “المشركين”، وأفصح علنًا عن نيته بتدميرهم وفرض دين جديد عليهم، بعد أعتبار الدين الذي يعتنقوه إنكارًا وشركًا. ولذلك الغرض، قامت بتنفيذ خروقات تستهدفهم بشكل مباشر، والمناطق التي سكنوا فيها، إذ نشر تنظيم داعش في مجلة “دابق” التابعة له، “بعد غزو منطقة سنجار في ولاية نينوى، واجهت الدولة الإسلامية شعب اليزيديين، قلة مشركة موجودة منذ عصور في مناطق من العراق والشام. وجودهم المستمر حتى اليوم الحاضر مسألة ينبغي على المسلمين طرح السؤال بشأنها، بما أنهم سيسألون عنها يوم القيامة. بالنظر لكون الله أنزل آية السيف قبل 1400 سنة. يقول تعالى” فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) التوبة/1- 5 .
وعلى عكس النصارى واليهود، لا مكان لدفع الجزية لدى الإيزيديين، و أيضا يمكن استعباد نسائهم على عكس نساء المرتدين اللواتي قال معظم الفقهاء أنه لا يمكن استعبادهن، و يمكن فقط إعطاؤهن مهلة للتوبة أو مواجهة السيف. بعد القبض عليهم تم تقسيم نساء اليزيديين وأطفالهم وفقا للشريعة بين المقاتلين من الدولة الإسلامية الذين شاركوا في عمليات سنجار، بعدما تم إرسال خمس المستعبدين إلى سلطات الدولة الإسلامية لتقسيمهم كخمس. المستعبدين من عائلات اليزيديين تم الآن بيعهم من طرف جنود الدولة الإسالمية كما تم في السابق بيع المشركين من طرف الصحابة (رضي الله عنهم) قبلهم. مجلة دابق. العدد 4 لسنة 1435 هـ. [2]
كيف يمكن التفريق بين مفردة “الأقلية”، و”المشركين”، إذا كانا يشيران إلى مجموعة تتبع دينًا مختلفًا أو قومية أو طائفة. ولماذا لا يُمكن إبداء أولوية للمواطن، بغض النظر عن “دينه”، فهي من الأسس التي من المفترض أنها تشكل الوطن، والتاريخ العراقي، الذي لم يخلو يومًا من أختلاف في ساكني أرضه.
ناجيات ولكن..
أصدر رئيس جمهورية العراق السابق برهم صالح في 2021 قانون “الناجيات الإيزيديات” بغرض تعويض وإعادة تأهيل ومساعدة الناجيات من “المكونات” العراقية اللواتي تم أسرهن وتعرضن لعنف جسدي أو نفسي بفعل تنظيم داعش الإرهابي. ونصَّ القانون على ضرورة تعويض النساء الللواتي عانين من الأسر والأغتصاب والعنف الجنسي والحمل والإجهاض والبيع في أسواق النخاسة وإجبارهن على تغيير الدين الذي يعتنقنه.
عدد من النساء الناجيات من الأسر لدى تنظيم داعش الإرهابي نضمن وقفة احتجاجية وأصدرن بيانًا[3] يرفضن فيه إبعادهن عن المشمولات بقانون الناجيات الإيزيديات، لأسباب أدعين أنّها غير منصفة بحقهن، تتضمن شرط الأغتصاب، وبقائهن في الأسر لمدة “قصيرة”، وعدم اعتبارهن ناجيات من الأساس. وتفاجأن بتوقف الدعم المقدم من الجهات الحكومية وغير الحكومية لهن للأسباب المذكورة. وطالبن أن يتم معاملتهن بكرامة واحترام! وأن عدم الاعتراف بمعاناتهن إهانة. نقرأ في بيانهن:
«مطالبنا هي:
أولاً: نطالب بتوضيح وشفافية بخصوص أسباب رفضنا أو تأخير إجراءاتنا في المؤسسات والدوائر المختصة، هذا الإجحاف يثير قلقاً بالغاً ويشكل إهانة لمعاناتنا.
ثانياً: ندعو إلى تصحيح الأخطاء والإشكاليات داخل هذه المؤسسات ومن غير المقبول تجاهل طلباتنا بحجج لا أساس لها أو مهينة، مثل عدم تعرضنا للعنف الجنسي أو احتجازنا لفترة قصيرة أو أنه تم التبليغ علينا على اننا لسنا بناجيات أو أننا نتحايل على الجهات المعنية.
ثالثاً: نؤكد على ضرورة اعتراف المؤسسات بمأساتنا وتقديم الدعم اللازم لتعافينا، بما في ذلك استكمال إجراءاتنا ومنحنا حقوقنا المشروعة.
رابعاً: نشير إلى الموافقات التي تمت سابقاً على طلبات بعضنا والتي تم سحبها لاحقاً دون أسباب منطقية رغم استلام الرواتب لشهور عديدة بعد الموافقات الرسمية على ملفاتنا، وكذلك إقصاء أطفالنا من الحقوق التي يستحقونها.»
ولا يمكن تخيل شعور نساء عانين من أبشع معاملة عند أسرهن وتعرضهن للسجن والبيع، ثم يطلبن أن تُصان كرامتهن من قِبل الحكومة التي لا تصدق أنّهن تعرضن للعنف. وليس هذا بحدث نادر، فتحرير نساء من الأسر لدى داعش وأخذهن لمخيم للمهجرين داخليًا كي تعشن فيه “حريتهن” وما تبقى من حياتهن هو إهانة لحقهن كمنتميات للجنس البشري. تركهن لمصيرهن كيفما كان تقليد متبع، منذ تأسيس الدولة وحتّى الآن، والأنسحاب من مناطق سكنهن عند هجوم داعش دليل على ذلك. فيما عبرن[4] ناجيات تركمانيات عن أسفهن ومعاناتهن لعدم شمولهن بقرار الناجيات الإيزيديات، إذ أن القرار شمل النساء اللواتي اختطفهن داعش في 3-8-2014 وتحررن بعد ذلك. وقد ضاع حق مَن اختطفت وتعرضت للأغتصاب والسبي والبيع والشراء لأن ما حدث لهن، لم يكن في تاريخ محدد، فبأي منطق تحدد السلطة المسؤولة عن البلد، مَن يستحق تعويضًا ومَن لا يستحق؟ ومَن أوكل لهم حياتنا كي يتصرفوا بها كملكية خاصة يوجهونها إلى حيث تزود حساباتهم في بنوك أوربا.
شاب تركماني نجى من تنظيم داعش، يجمع قطع البلاستيك والقناني لكسب لقمة عيشه، فيما يجتمع السياسيون في مناطقهم الخضراء ومزارعهم الخاصة لمناقشة مَن سيحصل على الوزارة الفلانية، ومَن سينال مقعد المدير العام في الوزارة الفلانية، وأية كتلة ستحسم رئاسة البرلمان والوزراء.
وقد أشار بيان[5] لمنظمة العفو الدولية، إلى وجود مخاوف من إضافة شرط آخر إلى القانون يتضمن ضرورة تقديم شكوى جنائية للحصول على التعويضات، وشمول الناجين/ات بالقانون.
حيث تشير المعايير الدولية بشأن حدود الإثبات إلى أن سجلات الناجين/ات أو شهاداتهم تكفي لإثبات وضعهم كضحايا للعنف الجنسي.
وينبغي عدم طلب أدلة طبية أو طبية شرعية أو سريرية أو نفسية أو شهادات شهود إضافية أو تقديم شكوى قضائية كإثبات من المستفيدين/ات من قانون الناجيات الإيزيديات. وأن ثمة عقبات كبيرة تحول دون قيام الناجين/ات بتقديم بلاغات عن الحالات مثل الصدمات والمخاوف من الوصم أو عنف إضافي نتيجة لذلك. مطالبة الناجين/ات بتقديم شكوى جنائية هو أمر منهك وينتهك المعايير الدولية، وسيردع الكثير من الناجين/ات من العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات عن الإبلاغ عمّا تعرضوا له.
“يا وطن، يا بيك وبلياك أضيع”
إن العمليات الجراحية التي يخضع لها كُلُ متقدمٍ للانضمام إلى العملية السياسية، تعدِّل رؤوسهم لتخرُج بالشكل الذي يُريده السادة وراء الحدود، وتُعيد تعليمهم مبادئ الديمقراطية التي تتماشى بالضرورة مع مصالح السادة وراء الحدود، وتحذّرهم: “اُخذ فليساتك ومعليك بالباقي”، وهذا كافٍ لأشباع غرورهم وسط مجتمع يعاني الفقر والبطالة، واعتاد المجازر والحروب والاحتلالات.
يخضعون لسلسلة من اللمسات، بواسطة دكتور اجنبي، لفتح أجزاء من الجسد، وتبديل القلب المعطب الذي يكنّ الولاء للوطن، فتصير دمائهم نقية بإضافة مادة سحرية، تُدعى الولاء للكبير. الكبير هو جزء من الشلّة المتسلطة على الحكم، والمتكفلة بتصحيح أخطاء الماضي. كلّفهم بتغيير مسار البلد سادة الديمقراطية. وتنقية التفكير بفصل علاجي متكامل يبدأ من استقبال الخلاية العصبية للأوامر وتنفيذها دون مجادلة، إلى اكتساب خبرة الخداع، بإطلاق الوعود لغدٍ مشرقٍ لن يجيء أبدًا. فأنّى لبلدٍ قام على اغتيالات سياسية أن يتذوق لذة الحرية دون احتلال؟ كيف سترضى بلاد وراء الحدود عن المذبحة التي تُقترف بحق الشعب العراقي بواسطة غرباء؟ نحن جيران وأهل، لهم الحق في قتلنا، وزرع أجنحتهم في باطن ميزوبوتاميا، لترويها دماءنا، فقد جفّ الرافدين.
بوجود داعش أو بغيابه، بوجود محتلٍ أو بغيابه، سيُقصف البلد لتطهيره من المدنسين والأعداء، سادة الحرب ليسوا بحاجة لسبب، ليسوا ملزمين بتبرير حريتهم، هم أدرى مِنّا بالصح، ما نحن سوى جهلة. علينا المقاتلة على الحدود، كي يتوغلوا هم في الداخل، علينا قتال بعضنا، كي يفوزوا هم، علينا ترك الجثث في الشوارع تنهشها الكلاب، كي يعيشوا هم، علينا تقييد حريات بعض، كي يحلّقوا هم بطائراتهم فوق سمائنا، واستحضار عيد الميلاد كل شهور السنة.
بعد عقدين من سقوط النظام، لم يمضِ العِراقي يومًا مرتاحًا، فإمّا بسبب حربٍ تجرّ أهله دون إنذار، أو بطالة وفقر تنهشان قلبه، وإمارات اليأس حاضرة على وجوههم، سِر في أي شارعٍ أو “دربونة”، لتكتشف الموتى الأحياء يُدخنون السجائر بشراهة، وتفصح عيونهم عمّا أرهقوا تكراره: نريد وطنًا، نريد أن نحيا ككلِ شعوب العالم.
وإن شكى أحدٌ الوضع، أو كتب منتقدًا الحالة المؤسفة التي يعانيها مَن لا رغبة له في الهجرة من البلد، قال مستشارٌ أمنيٌ إن كتاباتهم تؤثر[6] على صورة البلد!
أي صورةٍ هي صورة البَلد، أنا صورة البلد، 42 مليون صورة للبلد، ألا ترى رمادها؟ ألا ترى قلوبهم المتحجرة من الألم، و”بچيهم بطرف عينهم”؟
الانتصار والنصف الممتلئ
«هنا حيث عبرت جيوش متناحرة:
قصورُ حُكّامٍ لا حصر لها،
محضُ ترابٍ هي الآن.
الامبراطوريّات تعلو:
الشعبُ يشقى
الامبراطوريّات تنهار:
الشعبُ يشقى.» [7]
أعلن رئيس وزراء العراق الأسبق حيدر عبادي في 2017 تحرير العراق من تنظيم داعش، وبدأت خطابات التوعد والتفاؤل المفرط بمستقبلٍ مشرق، وكأن الضوء في آخر النفق صار واضحًا، غير أنَّه كان انفجارًا ينتظرنا.
كان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، المشهور بداعش، قد سيطر في 2014 على عدة محافظات عراقية، 40% من مساحة العراق الكلية، وسُجلت 20169 حالة قتل في عموم العراق، رغم أنّه لم يتم التأكد من صحة هذه الأرقام، لا من قِبل المؤسسات الرسمية، ولا التابعة للأمم المتحدة.
قُدِرَت خسار العراق في الحرب ضد داعش حسب رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي 100 مليار دولار، لكن مصادر أخرى تشير إلى أن الرقم الذي ذكره العبادي صادم، وهو أكبر من ذلك بكثير، إذ أن الخسائر الحكومية من مبان وخزائن البنك المركزي والأسلحة التي تركتها القوات العراقية تقدر ب36 مليار، أما المنازل في القطاع الخاص، تقدر الخسائر ب7,5 مليار دولار، وفي قطاع الكهرباء، قدرت الخسائر ب12 مليار دولار. وأن الخسائر في المحافظات العراقية التي تأثرت بحرب داعش تقارب 200 مليار دولار.[8]
تشير الأرقام[9] إلى ارتفاع إنفاق الجيش العراقي في 2013، وهو العام الذي سبق احتلال تنظيم داعش للبلد، إلى 17,1 مليار دولار، ليحل العراق في المرتبة الرابعة عالميًا من حيث الإنفاق العسكري.
«ولكن هل سنبقى هكذا؟ هل سيكون من حقنا أن لا نفهم شيئًا؟
لم يكن هذا العالم معقولاً في يوم من الأيام» [10]
منذ 2003، بأعتبار أن البلد والتاريخ العراقي يبدأ بعد 2003، فقد حل الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر القوات العراقية وشكل أخرى جديدة. تتعامل الفصائل المسلحة بدءًا بالاقتتال الطائفي في 2006، ووصولا للحرب مع داعش، مع المناطق كهدية ثمينة هي ملك لمن يتوغل فيها أولاً، ويكشف غلافها. يمكنها أن تقصف أية بعثة دبلوماسية لمجرد الأعتقاد بعداوتها، أو اغتيال ناشط أو صحفي أو كاتب، لأنّه “يحچي هواي”، دون أي اعتبار لسيادة البلد أو استقلاله. وتكررت الاغتيالات في مناسبات عدة، منها تظاهرات تشرين في 2019، حيث قُتِل برصاص قوات مكافحة الشغب والفصائل ما يقارب 700 مواطن، و30 ألف جريح، بعضهم بجروح دائمة.
رغم المحاولات العديدة لحل الفصائل أو دمجها مع القوات العراقية الرسمية، خصوصًا في عهد رئيس الوزراء العراقي الأسبق عادل عبد المهدي، إلا أن السيطرة على السلاح المنفلت شكّل تحديًا لكل رئيس للوزراء.
وظهرت محاولات لرئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني، لحصر السلاح بيد الدولة، عن طريق فتح منافذ لشراء سلاح المواطنين كجزء من الخطة، في حين ما تزال العشائر العراقية تفتخر بأسلحتها الثقيلة في كل “دگة عشائرية” وتستعرضها كرمز للقوة وقابليتها على فرض شروطها على عشيرة أخرى خارج إطار القانون. وكان قد قُتل عميد في الداخلية اثناء محاولته لفض نزاع عشائري في ذي قار. إلى جانب ضباط قُتِلوا في السابق للسبب ذاته.
وكانت قوة العشائر العراقية قد عززت في عهد الرئيس الأسبق صدام حسين الذي التجأ لها بغرض إعادة فرض النظام على البلد وإخماد الثورة العراقية عقب هزيمة الجيش في حرب الخليج الثانية. ورغم إن “الفصلية” تتعارض مع القانون العراقي، إلا أن هيمنة الحكم العشائري والتجاء المواطنين إليها بغرض الانتقام ما زال قائمًا، ومستمرًا.
يرجح بعض العراقيين أن قرار شراء السلاح ينحصر بالأسلحة الخفيفة التي يمتلكها مواطنون بغرض الدفاع عن أنفسهم، ولن يكون هناك عمل حقيقي لنزع سلاح الفصائل والعشائر. وهو الأمر الأكثر توقعًا.
ولكن هل من حقنا أن لا نفهم شيئًا؟ هل علينا ترك البلد “لأصحاب القرار”؟ ومَن هو صاحب القرار، هل هي الفصائل المسلحة، أم آخرون؟ رغم إشارة مواقع محلية أن العراق حلّ في المرتبة 132 من أصل 133 دولة في مؤشر الابتكار العالمي، وأخرى أن العراق حل في المرتبة 33 في مؤشر البؤس العالمي.
نسبة البطالة في 2022 حسب وزارة التخطيط لمن هم بين 18-63 عاما بلغت 16,5%، أي نحو مليونين. وفي 2023، حل العراق في المرتبة الثالثة عالميًا في نسبة العاطلين عن العمل، رغم تخرج نحو 160 إلى 170 ألف من الجامعات العراقية سنويًا. وفي 2023 بلغت نسبة البطالة 15,3%.
في ظل بقاء 23 مخيمًا يسكنه نازحون إثر هجوم داعش، دون فرص عمل في مواجهة الفقر بعد توقف المساعدات التي كانت تقدمها الأمم المتحدة في السابق، وتوجيه تركيزها نحو أوكرانيا.
يونيتاد
تشكل في 2017 فريق الأمم المتحدة لتعزيز المساءلة بالجرائم المرتكبة من جانب داعش في العراق، وعمل على جمع أدلة وتقارير عن نشاطات داعش. لكنه توقف عن العمل وخرج من البلد، إذ صرّح مستشار للسوداني أن العراق لم يعد بحاجة لوجود فريق يونيتاد، وإن الفريق لم يتعاون بنجاح مع السلطات العراقية، من جانبه أشار المستشار الخاص ورئيس الفريق كريستيان ريتشر أن الأمم المتحدة أضطرت إلى إنهاء عملها قبل انتهاءه نتيجة لتوتر العلاقة مع بغداد.
احتجت الحكومة العراقية على نشر يونامي أرقام العسكريين الشهداء والجرحى في عملية استعادة الموصل ، فتوقف نشر أعداد الضحايا العراقيين، ولا أحد يعرف العدد الحقيقي للقتلى، لا العسكريين ولا المدنيين.[11]
هل ستكون خطوة طرد يونيتاد هي أشبه بالاحتجاج على يونامي، وهي محاولة تضييق إحصاءات موثوقة، وهل ستؤدي عملها في التحقيق والبحث واعتقال عناصر داعش؟ في ظل بقاء نحو 500 عنصر من داعش في العراق، وبقاء ضحايا داعش في المخيمات؟
موت مجاني
بعد سبع سنوات من الانتصار على داعش، ما زال مئات الآلاف من العراقيين يرضخون ببؤس في مخيمات النازحين. وكبر النازحين الأطفال ليصيروا نازحين بالغين، كبرن النساء المجروحات ليصرن كائنات تجرُّ قطع قلوبها، وكبر العجائز اللائي ثكلن أطفالهن لتصرن مقابر جماعية متحركة.
مئات الآلاف من النازحين ينتظرون موتهم في مخيمات النازحين، بعد اكتشاف غلاء أسعار الحياة، في حين أن الموت مجاني، تم استيراده بكافة أنواعه، يمكنك الحصول عليه متفجرًا، مذبوحًا، مشنوقًا، مقطوعًا، بأسلحة بيولوجية، كيميائية، في أحواض التيزاب، منهوشًا بواسطة الكلاب، في مقبرة فردية، في مقبرة جماعية.
“وأحزانٌ، أحزانٌ كالمطر
حزنٌ إذا مضيتَ، وحزنٌ إذا أتيتَ.
حقولٌ كئيبة، كئيبة
وما من أطفال فيها لم تحصدهم الحرب”[12]
الانتصار على داعش أقرب للشبه بأنتصار 2003، مدن مدمرة وآلاف الضحايا وأسماء سياسية جديدة تسأل عن مرتباتها في أول جلسة لها، وما أختلف في 2017 عن 2003، هو إخفاء الجرائم التي ارتكبتها الجماعات المسلحة، ولا يجرؤ مسؤول حكومي على الدخول إلى مناطق سيطرتها، حتّى وزيرة الهجرة، بحسب تصريح لها.
منطقة جرف الصخر، إلى جانب مناطق أخرى، تسيطر عليها الفصائل المسلحة، ولا تستطيع أية قوة الدخول إليها، ويجهل الجميع ماذا يحدث هناك، فهل هذا انتصار؟ أم أنَّه خسارة لجهة “أفضل” و”أهم” من داعش؟
والأطفال الذين يُجبرون على ترك مخيمات المهجرين داخليًا التي التجأوا إليها هربًا من تنظيم داعش، عادوا للعيش بين الجثث المتروكة للكلاب على الشوارع، والقنابل غير المفجرة، فهل هذا انتصار؟
نهاية
إن الفشل في مواكبة التطور العالمي، والتعلق الشديد بالماضي لدرجة التقديس، واعتبار معارضة الديكتاتورية إنجازًا يؤهل إلى استلام وظيفة تحديد مصير الشعب والتفاوض على أرواحهم بأفتراضها ملكية مكتسبة من صفات النقص الأخلاقي.
كما أن التعامل مع ضحايا الحرب بطريقة اللملمة دون عملٍ ميداني وفعلي لتهيئة بيئة مناسبة لإعادة تأهيلهم علامة على ضعف المنظومة، والسلطة الهرمية التي تتخذ من المنافع الشخصية أولوية لها، تتسبب بنشوء نوع من الهشاشة في إرادة الشعب. فبنظرة سريعة على الوضع بعد الحروب في دول العالم التي تحاول إعادة إعمار البنية الأجتماعية والاستشفاء من آثار الدمار التي سببتها أخطاء الماضي هو المسار الوحيد المؤدي بحتمية إلى السلام، أما الاستغلال الوظيفي والمؤسساتي البشع لكسب منافع شخصية، سيترك بالضرورة ثغرة لن يكون بوسع التفاؤل المفرط بالمستقبل أن يملأها، ولا حكومة “خدمات” أخرى.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة