ظهرت مناطق العشوائيات للمرة الأولى في أطراف مدن العراق، ثم انتقلت في الآونة الأخيرة إلى وسطها، وانتشرت بكثافة في الأحياء والأزقة، وبات عشرات من الموطنين يتسابقون على أي قطعة أرض خالية ومتروكة من أجل نصب بيوت لهم يعتبرونها مؤقتة في مرحلة أولى ثم يمكثون فيها بشكل دائم، ما تسبب في تشوّهات عمرانية في غالبية المدن، وخلق مشكلات في مجالات مختلفة.ويستعمل مصطلح العشوائيات في العراق للدلالة على كل بناء مخالفة للقانون يشيّد على أراضٍ تملك الدولة بعضها، وأخرى زراعية قد تكون غير صالحة أصلا لتنفيذ مشاريع بناء.وتحصي وزارة التخطيط العراقية وجود نحو 3600 مجمع سكني عشوائي تضم نحو 522 ألف وحدة سكنية يقطنها تحو 3.4 ملايين شخص في عموم البلاد، ما يشكل نحو 16 في المائة من مجموع المساكن.
ويقول الناطق باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي "تحتل محافظة بغداد المركز الأول في عدد العشوائيات الذي يقدّر بـ 1000، وتليها محافظة البصرة بـ700 منطقة عشوائية، أما أقل المحافظات احتضاناً للعشوائيات فهي كربلاء بـ 98 مجمعاً، والنجف (99 مجمعاً)".وأخيراً سمح مجلس الوزراء العراقي بأن تحوّل أمانة بغداد جنس الأراضي الزراعية التي تتضمن أعمال بناء إلى سكنية، ومنح ملكيتها للسكان، شرط أن تكون عائدة إلى الدولة". ويقول أمين العاصمة بغداد، عمار موسى، لـ"العربي الجديد": "القرار الخاص بتغيير جنس الأرض من زراعي إلى سكني أكثر أهمية لتنظيم الشكل الخارجي للعاصمة، من تأمين مساكن للعائلات، وأمانة بغداد ستنفذ القرار بجدية كاملة، وشكلت لهذا الغرض لجنة وضعت شروط التنفيذ، وأهمها أن تكون الأراضي عائدة إلى الدولة وليست أملاكاً خاصة، وتخصيصها للمنفعة العامة، أي أن تكون تابعة لإحدى لمؤسسات الحكومية أو لغرض إنشاء مشروع حكومي".يتابع: "جرى الكشف على هذه الأراضي من خلال رسم مخطط جديد للمناطق التي يجب أن تتضمن شوارع رئيسية، وأيضاً تحديد العائدات والقيمة التقديرية لمبالغ التملك الرمزية التي سيجري تحصيلها، وهي 10 آلاف دينار (8 دولارات) للمتر المربع الواحد، وفرض استخدام مواد ثابتة في بنائها".بدوره، يؤكد المستشار القانوني لأمانة بغداد، سعد البخاتي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، وضع أمانة بغداد شروط تملك الأراضي الزراعية وتحويلها إلى سكنية، مع تحديد مساحتها بين 200 و800 متر مربع، وتضمينها شوارع رئيسية ومدارس ومستشفيات كي تشكل مناطق عصرية متحضرة.ويقول: "لم يعالج القرار مشكلة الأراضي الزراعية المشغولة التي يملكها أشخاص، وأمانة بغداد تنتظر صدور قوانين تعالج هذه القضية، علماً أن ملف الأراضي الزراعية وتملكها ليس سهلاً، لكن هناك توجهاً حقيقياً من مجلس الوزراء وأمانة بغداد لإعادة تنظيم العاصمة بشكل حضري".
من جهة أخرى، يعزو علي صادق سكنه في أحد المساكن العشوائية المشيّدة في منطقة الدورة قرب مخزن للأسلحة العسكرية، إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها، ويقول : أمكث في المنطقة منذ 10 سنوات، واخترتها لأن ظروفي الاقتصادية الصعبة منعت شرائي بيتاً قانونياً، وهو أمر لم أحلم يوماً بتحقيقه استناداً إلى دخلي اليومي المتواضع الذي يؤمّن بالكاد معيشتي".يضيف: "لا تتجاوز مساحة البيت الذي أسكن فيه 70 متراً، وقد اشتريته من أحد الأشخاص بـ10 ملايين دينار عراقي، أي ما يعادل 7 آلاف دولار. وحالياً يبلغ سعر بيت في منطقة عشوائيات 20 مليون دينار (15 ألف دولار).ويذكر أنه يشعر، على غرار أفراد عائلته، بخطر من السكن في منطقة عشوائيات قريبة من مخزن للأسلحة، لذا يطالب الحكومة بتوفير سكن بديل للقاطنين في المنطقة، كي يعيشوا بأمان مع منحهم كل متطلبات الحياة، علماً أن غالبية مناطق العشوائيات لا تصلح للعيش".ويرى الخبير الاقتصادي وسام الطائي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "معظم سكان العشوائيات يتحدرون من بيئات فقيرة، ويعيشون في ظروف لا تمنحهم القدرة على شراء منازل طبيعية. وقد ترك عدد كبير منهم أراضيهم الزراعية بسبب التأثيرات السلبية للتغييرات المناخية والتصحر التي جعلت مواقع سكنهم السابقة غير مناسبة للعيش".
بدوره، يعلّق القانوني إبراهيم الخالدي القول "من العدالة والمساواة السماح للناس بالتملك في المناطق العشوائية التي يتواجدون فيها منذ فترات زمنية قد لا تكون قصيرة، ويجب أن تقف الدولة معهم، لا سيما أن غالبيتهم من ذوي الدخل اليومي المحدود، ويعيش قسم كبير منهم تحت خط الفقر".يضيف: "يتضمن قانون تملك هذه الأراضي جانباً إيجابياً لأنه يعطي قانونية وشرعية للمتجاوزين المرغمين، ويحمي قانونياً وجودهم في هذه المنازل مع عدم مطالبتهم بتركها".