قطاع الخدمات ومشاريع البنى التحتية أبرز الأهداف التي تصدّرت البرنامج الحكومي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني والحكومات السابقة، لكن هذه البرامج بقيت مجرد شعارات لم تجد متسعا لتطبيقها على الواقع، على الرغم من أنها كانت قابلة للتنفيذ في ظل أرقام الموازنات التريليونية المشرعة خلال الدورات النيابية المتعاقبة.
ورغم إقرار الموازنة الثلاثية بـ153 مليار دولار لكل عام، فإن 1063 مشروعا مازالت متلكئة، بحسب ما أعلنت وزارة التخطيط قبل خمسة أشهر، فيما يجد نواب أن الإجراءات البيروقراطية والروتين الحكومي عطل أغلب هذه المشاريع، موجهين الاتهام أيضا إلى الشركات غير الرصينة وضعف الرقابة.
ويقول رئيس لجنة الخدمات والإعمار النيابية، محما خليل، خلال حديث لـه إن "الحكومة الحالية قد رفعت شعار الخدمات منذ أيامها الأولى، حيث سعت لتوفير المناخ الملائم والتخصيصات المالية اللازمة التي يفترض أن تنهي الجدل في ملف المشاريع المتلكئة".
ويشير خليل، إلى أن "أسباب التعطل الكبير بالمشاريع خلال السنوات السابقة يتلخص في نقطتين، أولاهما العطاءات المنخفضة حيث يمنح المشروع للمقاول أو الشركة الأقل عرضا من ناحية التكلفة دون النظر للكفاءة وجودة العمل والمواد والأدوات بقصد التربح منها وتحويلها لمقاول آخر بعد الفشل، وثانيهما وجود الشركات غير الرصينة".
ويتابع، أن "أغلبية أموال الموازنة الثلاثية ذهبت لمشاريع البنى التحتية كالماء والكهرباء والمجاري وتعبيد الطرق والصحة والكهرباء سواء الاستثمارية والوزارات أيضا"، مبينا أن "التركيز على ملف المشاريع واستحصال الأموال اللازمة لها في الموازنة جاء بعد جلسات وزيارات ونقاشات طويلة خاضتها اللجان المعنية مع المحافظين والمسؤولين في المحافظات الذين قدموا خططهم اللازمة حتى مع بروز مجالس المحافظات المقبلة التي ستمثل الحكومات المحلية المسؤولة عن تلك الخطط".
ودعا رئيس لجنة الخدمات، إلى "مراقبة واسعة النطاق وبشكل دقيق لتنفيذ وإكمال المشاريع وفقا للمبالغ التي خصصت لها ونسب إنجازها"، موضحا أن "التمويل الموجود حاليا بإمكانه ردم الفجوة الموجودة بنقص المشاريع خلال السنوات الماضية بنسبة كبيرة".
وكان متحدث وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، أكد أن هناك لجنة عليا يرأسها رئيس مجلس الوزراء لمعالجة ملف المشاريع المتلكئة، وتضم في عضويتها كلا من رئيس هيئة النزاهة الاتحادية، ورئيس ديوان الرقابة المالية، لافتا إلى أن المشاريع المتلكئة المتبقية تقسم إلى 503 مشاريع ضمن تنمية الأقاليم، و501 مشروع استثماري للوزارات.
وفي أيار مايو الماضي، أكدت وزارة التخطيط، تراجع أعداد المشاريع المتلكئة إلى 1063 مشروعاً، بعدما كانت حوالي 1500 مشروع، وتحدثت عن معالجات حكومية أدت إلى هذا الانخفاض، فيما لفتت إلى أن أبرز الأسباب التي أدت إلى تلكؤ تلك المشاريع الخدمية هو الفساد المستشري في مفاصل الدولة.
من جهته، يعتقد أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة، أحمد صدام، خلال حديث لـه أن "الموازنة الثلاثية لن تشكل حلا نهائيا للمشاريع المتلكئة لأن قسما كبيرا منها قد توقف بسبب الفساد وليس غياب التخصيص المالي، لاسيما أن بعض الشركات المنفذة استغلت الأموال في مشاريع أخرى".
ويتحدث صدام عن "وصول عدد المشاريع المتلكئة إلى أكثر من 1400 مشروع بعضها لا تتجاوز نسبة إنجازه 10 بالمئة في افضل الأحوال"، مبينا أنها "تتوزع في قطاعات مهمة كالصحة؛ بأكثر من 60 مستشفى، كما يوجد 857 مشروعا متلكئا ضمن مشاريع تنمية الأقاليم".
ويأتي في المرتبة الثالثة، بحسب صدام "مشاريع المباني والخدمات المتلكئة والتي تبلغ 387 مشروعا، إضافة للقطاع الصناعي بـ94 مشروعا، و63 مشروعا في قطاع النقل والاتصالات، وأخيرا قطاع الزراعة بـ51 مشروعا".
ويعتبر أستاذ الاقتصاد، أن أعداد المشاريع والقطاعات المذكورة "تأكيد على أن قطاع النقل والاتصالات لا يمثلان الأكثر ضررا في مشاريع التنمية"، لافتا إلى "وجود مشاريع من الضروري وضعها ضمن الأولويات كالصناعات الغذائية وتربية الحيوانات وغيرها، بالإضافة للقائمة الحالية".
وأقر البرلمان خلال الأشهر الماضية الموازنة الثلاثية لسنوات 2023، و2024، و2025، التي يمكن اعتبارها محفزا للخلاص من ملف المشاريع المتلكئة كونها تحمل التخصيصات الأضخم في تاريخ البلاد بنحو 153 مليار دولار لكل عام.
يذكر أن السوداني أصدر أمرا العام الماضي، بتشكيل فريقا برئاسته واسماه بـ"الجهد الخدمي والهندسي" لغرض متابعة المشاريع المتلكئة ومعالجة نقص الخدمات في المحافظات، وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين في المدن والأقضية والنواحي، كما تضمن الأمر إدراج جهات حكومية من مختلف المحافظات وبمناصب مختلفة، مخولا الفريق بصلاحيات واسعة يرافقها توفير للآليات والمتطلبات لتنفيذ المشاريع المطلوبة.
من جانبه، ينتقد عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، النائب محمد الزيادي، خلال حديث، لـه "الإجراءات الحكومية البطيئة لصرف الأموال المخصصة للمشاريع المتلكئة وتنفيذ الخطة الاستثمارية في المحافظات، ووزارة المالية تتحمل المسؤولية كاملة لاتباعها أسلوب الروتين القاتل"، على حد تعبيره.
ويوضح الزيادي، أن "الموازنة الثلاثية قد أقرها مجلس النواب في حزيران الماضي، لكن لم يصرف منها شيء لغاية الآن مع قرب انتهاء تشرين الأول بوجود مشاريع خدمية واستثمارية كبيرة متعطلة تنتظر صرف التخصيصات المالية"، مؤكدا أن "الروتين والإجراءات الصعبة التي تنتهجها وزارة المالية تعرقل تطبيق الخطط الخدمية في المحافظات ما يتطلب تغيير الأسلوب المتبع كي يرى المواطن تطبيقا حقيقيا للمنهاج الحكومي على الواقع".
ويؤكد عضو اللجنة، أن "القطاع الصحي هو الأكثر تضررا بين المشاريع المتلكئة بالنظر للخدمات المهمة التي تحتاجها جميع شرائح المجتمع"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن "التحسن الملموس بقطاع البنى التحتية المتمثل بمشاريع متلكئة كخدمات المياه والمجاري والكهرباء والصحة وهو مرتبط بالمباشرة في إطلاق التخصيصات التي تعتبر ملائمة للحاجة وفقا للخطوات والمناقشات التي سبقت إقرار قانون الموازنة المالية الاتحادية والخطط التي قدمتها المحافظات".
وفي مطلع العام الحالي كشف وزير الإعمار والإسكان بنكين ريكاني، عن وجود 100 شركة متلكئة في مختلف القطاعات كالماء والمجاري والبلديات وعدد من المجسَّرات إضافة الى بعض مشاريع الطرق والإسكان بنسب إنجاز غير واضحة لتوقفها منذ 2014، كما أصدر توجيها بسحب المشاريع من تلك الشركات المسجلة للانحراف السلبي بنسبة 10 بالمئة عن تقدم العمل.