نزاعات عشائرية وهروب متهمين من السجون، أحداث شهدها البلد خلال الساعات الماضية، ما طرح تساؤلات حول مستوى الانفلات الأمني وقدرة الدولة على فرض سيطرتها، وفيما يرى مراقبون ضرورة إعادة النظر بقدرة الأجهزة الأمنية بـ"شكل مطلق"، أشاروا إلى أن الأمن بات مفقودا، لكنهم شخصوا بعض مواضع الخلل المتمثلة باستفادة بعض الجهات من "سلاح العشائر" ما يحول دون التقرب منه، إضافة إلى ضعف تطبيق القانون.
ويقول الخبير الأمني جليل خلف، خلال حديث لـه إن "السلاح المنفلت لدى العشائر والعصابات يؤكد مرة أخرى عدم قدرة الدولة وعجزها عن نزعه، لأن القانون لا ينفذ بصورة صحيحة، كما أن بعض العشائر في الناصرية تجاوزت كل الخطوط الحمر واستهترت بالقانون والقوات الأمنية والسبب إنها تمتلك نفوذا وسلاحا منفلتا بمساندة من البعض".
ويضيف خلف، أن "العراق أصبح يعاني مشكلة مزدوجة، هي انتشار السلاح بشكل مخيف إضافة إلى ضعف القانون، حتى أن معالجة الدكة العشائرية بقانون الإرهاب لم يعد يجدي، وهذا لا يمكن حله إلا بقانون صارم وقوات أمنية تستطيع تطبيق القانون".
وبشأن تزامن النزاع العشائري في الناصرية وهروب رئيس ديوان الوقف السني الأسبق الراحل سعد كمبش من السجن، يوضح أن "بعض هذه الأحداث تحصل بسبب خلافات سياسية بين بعض الزعامات ما ينعكس ويؤثر بشكل سلبي على الوضع الأمني في البلاد"، مستدركا أنه "رغم حدوث هاتين الحادثتين لا يمكن القول أن الوضع خارج عن السيطرة، كما أن بعض مسببات هذه المشاكل يكمن في تعدد الولاءات والقوى والنفوذ".
وشهد قضاء النصر في محافظة ذي قار، نزاعا عشائريا كبيرا استخدمت فيه مختلف أنواع الأسلحة المتوسطة والخفيفة، رغم تواجد بعض آليات القوات الأمنية، بل وبالقرب من محل النزاع.
واندلع النزاع أمس الأول، بعد مقتل شيخ عشيرة العتاب وإصابة نجله بجروح خلال هجوم مسلح استهدف منزليهما في القضاء، وتشير التحقيقات الأولية في الحادث إلى أن الجريمة ارتكبها أفراد ينتمون لعشيرة آل حاتم بسبب خلاف على عجلة.
ويأتي هذا النزاع، بعد نزاع آخر شهدته المحافظة قبل أيام في قضاء الإصلاح، وحول القضاء إلى ساحة حرب سقط فيها عشرات الجرحى والقتلى، من بينهم ضابط كبير.
وعلى خلفية النزاع الأخير، توجهت تعزيزات أمنية من العاصمة بغداد إلى القضاء يوم أمس، بغية فرض السيطرة وإنهاء التوتر الأمني.
وفي توقيت النزاع ذاته، هرب رئيس ديوان الوقف السني الأسبق سعد كمبش، من مركز احتجازه في المنطقة الخضراء بعد صدور حكم بسجنه 4 سنوات، قبل أن يلقى عليه القبض في مدينة الموصل، ويتوفى بعد اعتقاله بوقت قصير.
كما شهدت بغداد، حادثة هروب سجين أيضا، من مركز شرطة الشعب شمالي العاصمة، ولم يتم إلقاء القبض عليه لغاية كتابة هذا التقرير.
إلى ذلك، يبين الخبير الأمني عدنان الكناني، خلال حديث لـه، أن "هروب السجين سعد كمبش هي حادثة ليست الأولى من نوعها، فكثير من السجناء القابعين سجون محصنة مثل سجن أبو غريب وسجن بادوش وسجن التاجي تم تهريبهم".
ويضيف الكناني، أن "موضوع النزاعات العشائرية ليس وليد الساعة أيضاً، فهو موجود في محافظة ذي قار وشمال البصرة ومحافظة ميسان منذ فترات طويلة، إذ أن هذه المناطق شهدت نزاعات عشائرية مستمرة".
ويرى أن "السبب الأساسي لتلك النزاعات العشائرية هو الجهل وتردي المستوى الثقافي، وعلى الحكومة العراقية والجهات المعنية الدعوة إلى معالجة هذا الجانب وتوعية الناس، فمن يذهب باتجاه التجاوز على حقوق الناس باستخدام الأسلحة غير المرخصة ويبدأ بالرمي تجاه المواطنين الآمنين فهذا شخص خارج عن القانون والطبيعة الإنسانية".
ويشدد على ضرورة أن "يفرض الجهاز الأمني سيطرته على الجهات الخارجة عن القانون، ولكن يبدو أن المعنيين بالأمن في محافظة ذي قار لا يريدون التصادم مع العشائر لأن ذلك الصدام يقودهم إلى مشاكل أكبر وهذا يكشف ضعف الجهاز الأمني وأداء القطاعات الماسكة الأرض هناك".
وعلى إثر هذه الأحداث، ترأس القائد العام للقوات المسلحة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، اجتماعاً أمنياً في مقرّ العمليات المشتركة، بحضور وزير الداخلية وكبار القادة الأمنيين، وفيه قرر إقالة قائد الفرقة الخاصة الفريق حامد الزهيري، ومحاسبة جميع المقصرين ومعاقبتهم قانونياً، وإعادة تقييم أداء الأجهزة الأمنية، وغلق مركز التوقيف في مركز شرطة كرادة مريم داخل المنطقة الخضراء، الذي شهد جريمة الهروب، ونقل المحكومين إلى سجون وزارة العدل، وإيداع كبار الفاسدين الموقوفين فيه بمراكز توقيف أخرى أسوةً مع المطلوبين الآخرين، وإلغاء أية خصوصية في التعامل معهم مثلما كان معتاداً.
كما شدد السوداني خلال الاجتماع، على مراجعة الخطط المعتمدة في بعض المناطق التي تشهد نزاعات عشائرية تهدّد أمن المواطنين، وتعكّر صفو الأمن في تلك المناطق.
وكان وزير الداخلية عبدالأمير الشمري، ظهر منتصف الشهر الحالي، ببرنامج تلفزيوني وقال خلاله: يجب إعادة ثقة المواطنين بمراكز الشرطة ولا نريد أن تكون العشيرة بديلة عن المركز.. أبلغت شيوخ العشائر بأن تهديد عناصر الأمن هو تهديد مباشر لي.. بدأنا المرحلة الأولى بخطة حصر السلاح بيد الدولة".
وكان وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، بحث في آذار مارس الماضي، مع مديرة البرنامج العالمي للأسلحة النارية في مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات سيمونيتا غراسي، السيطرة على السلاح المنفلت، وجرى الاتفاق آنذاك على إجراءات نظامية وقانونية مشددة لتنفيذ حصر السلاح بيد الدولة وترخيص الأسلحة بشكل قانوني وردع استخدام غير المرخصة منها.
وسبق لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وأن أورد في منهاجه الوزاري، فقرة تخص السيطرة على السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة، وهي الفقرة ذاتها التي وردت في كافة البرامج الحكومية لرؤساء الحكومات السابقة، لكن لم تنفذ، لا سابقا ولا حاليا.
ويشهد البلد انتشارا كبيرا للسلاح المنفلت، سواء على مستوى الأفراد أو الفصائل المسلحة أو العشائر، ودائما ما يستخدم بالنزاعات الشخصية أو السياسية أو العشائرية.
من جانبه، يرى المحلل السياسي علي البيدر، خلال حديث لـه، أن "ما يحصل من أزمة حقيقية داخل المشهد الأمني وتفاقم سلاح العشائر، أصبح أمرا واقعا وفرض واقعا أمنيا جديدا لا يمكن تجاوزه، فقد أصبح هذا السلاح موازيا لسلاح الجماعات المسلحة، وبالتالي أصبح السلاحان يمثلان خطا رديفا لقوات الدولة العراقية ومؤسساتها الأمنية".
ويعتقد البيدر أن "لا أحد يستطيع الاقتراب من سلاح العشائر، كون هذه الأخيرة تمثل رقما انتخابيا كبيرا، ولا تريد بعض الأطراف معاداتها أو الوقوف بوجهها إضافة إلى نفوذ العشائر العميق في مؤسسات الدولة"، لافتا إلى أن "هذا السلاح يستخدم للتغطية على عمليات التهريب والاتجار بالمخدرات وفرض فوضى أمنية".
وتعليقا على قضية كمبش، يلفت إلى أنها "قضية تؤشر وجود مكامن فساد حقيقية داخل مؤسسات الدولة وأن الجهات المعنية بتطبيق القانون وفرض القانون لا تأبه لأي ردة فعل فمن أمن العقاب ساء الأدب، وهذه الأحداث تؤكد الحاجة إلى ضرورة إعادة النظر بالجانب الأمني مطلقاً".
ويتابع البيدر، أن "هذه القضايا تدل على أن الدولة لم تفعل برامجها في مجال ضبط القانون وتنفيذ الأنظمة والتعليمات، حيث كان يفترض بعد الحرب على داعش أن تبدأ بمشاريع إصلاحية حقيقية داخل المؤسسات الأمنية، وتحاول تطهيرها وتمنع حدوث مثل هكذا قضايا قد تؤشر ضعف الجانب الأمني في البلاد".
وتشهد أغلب مناطق الجنوب وبعض مناطق بغداد نزاعات عشائرية مستمرة، وبعضها يدوم لأيام وسط عجز الأجهزة الأمنية عن إيقافها، وتستخدم في هذه النزاعات مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
يشار إلى أن مجلس القضاء الأعلى، وفي خطوة للحد من النزاعات العشائرية، أصدر في تشرين الثاني نوفمبر 2018 قرارا يقضي بتوجيه تهمة الإرهاب ضد الأشخاص المتورطين ما يعرف بـ"الدكة العشائرية" وهي إطلاق الرصاص الحي على طرف النزاع الآخر، إلا أن النزاعات العشائرية شهدت، رغم صدور القرار ارتفاعا لافتاً، خصوصاً في الأطراف الشرقية للعاصمة بغداد وفي محافظات ميسان وذي قار والبصرة.