23 Feb
23Feb

قبل سنوات عدة، غادرت (أم حيدر) منطقتها الريفية في كربلاء، جنوب بغداد، للبحث عن عمل بعدما فقدت كل الأمل بالحصول على وظيفة.
تأثرت حياة (أم حيدر)، المهندسة الزراعية خريجة كلية الزراعة والغابات من جامعة الموصل، بالتغير المناخي، إذ لم تعد منطقتها الريفية صالحة للزراعة، حالها في ذلك حال العديد من النساء العراقيات اللواتي فقدن أعمالهن جراءه.
ويعد العراق من بين الدول الخمس الأكثر تضررا جراء التغيرات المناخية. فضلا عن تأثره بالسدود العملاقة التي شيَّدتها دول الجوار (تركيا وإيران)، والتي أدت إلى ندرة المياه في نهري دجلة والفرات والأهوار جنوب العراق.
بسبب الاحتباس الحراري والجفاف وانخفاض نسب المياه والتصّحر، وانحسار الأراضي الزراعية والارتفاع الكبير في درجات الحرارة، وتناقص الإيرادات المائية، تأثر الأمن الغذائي والمائي، ما سبب هجرة الكثير من النساء العاملات في المناطق الريفية ووسط العراق، أجبرن على ترك أعمالهن بحثا عن أعمال جديدة في مناطق أخرى من البلاد.


قصة نجاح بعد فشل

“أنا لم أحصل على فرصة تعيين، وأولادي كانوا صغارا، دفعتني الطاقة والرغبة في صناعة الإنجاز للبحث عن مشروع عمل خاص بي، لذلك حصلت على قطعة أرض زراعية عن طريق دائرة الزراعة مساحتها (25) دونما”.
طريق وعر شقته أم حيدر من دون دعم، تشرح قائلة: “بدأت العمل بتسوية الأرض وحفر بئر ارتوازي، ثم بدأت الزراعة وأخذت مني جهداً كبيراً، إذ في غالب الأيام كنت أقضي يومي في المزرعة إلى أن استقر المشروع”.
وتبين “لم تدعمني أية جهة حكومية أو منظمات المجتمع المدني.. أما محافظ كربلاء فقد دعمني معنويا من خلال كتاب شكر وتقدير ودرع التميز”.

وتتابع “أزرع حنطة موسمية، ولدي في المزرعة نخيل، وأشجار الزيتون، ومصدات من أشجار الكالبتوس (قلم طوز أو الكينا)، فضلا عن البيوت البلاستيكية التي أزرع فيها بعض الخضروات”، مشيرة “بدأت بزراعة الحنطة منذ ثلاثة أعوام، وهي زراعة موسمية من أجل أن تكون مصدر معيشة، أما البستنة كالنخيل والزيتون لم تنتج حتى اللحظة وهو تخطيط مستقبلي، ما يعني أن عملي في إطار موسمي وهو من أجل الاستمرار والمعيشة، وحلمي المستقبلي ببناء مزرعة متكاملة”.
وتلفت (أم حيدر) إلى أن “التجربة تحتاج إلى إصرار وعزيمة، وليس بوسع كل النساء تحمل جو العمل في الصحراء والظروف المناخية هناك، فأنا تحملت تلك الظروف، وتستطيع النساء في حالة المساندة إنجاز مثل تلك المشاريع، فالمرأة بالإرادة قادرة على فعل المستحيل”.


المرأة الأهوارية أكثر تضرراً من الرجل بسبب التغير المناخي

في أهوار العراق، المصنفة كمحمية طبيعية دولية وفق منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، تعاني النساء من فقدان العديد من المهن المرتبطة بالزراعة والتربية، وهجرت العديد من العائلات، ما انعكس بشكل سلبي على إنتاج اللحوم البيضاء (السمك)، والطيور، والحمراء (الجاموس) ما سبب ضررا مباشرا بعدد من الصناعات الغذائية التراثية في المنطقة، فضلا عن زراعة القصب.
في الأهوار، تعد المرأة عصب الحياة من خلال مشاركتها بالعمل إلى جانب الرجل سواء في صيد السمك أو تربية الحيوانات. لكن مع التغير المناخي، أصبحت هذه المهن مهددة وخاصة إنتاج القيمر العراقي (قيمر عرب) الشهير والذي يتكون من حليب الجاموس كمادة أساسية، الأمر الذي أثر على عمل النساء تحديدا.
وتقول أم حسن، وهي من سكان أهوار (الجبايش) الواقعة شرق مدينة الناصرية، شمال غرب البصرة، جنوب العراق، إن “التغير المناخي كان السبب الرئيس وراء نزوحي أنا وزوجي وعائلتي وتركي لمهنتي الأصلية في صناعة (قيمر العرب) بعد أن أصيب الجاموس، مصدر الحليب المادة الأساس للصناعة، بالعمى بسبب شحة المياه، إذ مات الكثير منها”.

وتابعت “حاليا لا أمارس عملي الحقيقي في إنتاج (القيمر)، إذ بدأت بالترحال مع عائلتي بحثا عن عمل، ولا فائدة، لذا أصبحنا نعتمد على مبلغ الإعانة الاجتماعية التي يستلمها زوجي من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لأنه عاطل عن العمل ونعيش حاليا ضنك العيش”.
ويؤكد المعاون الإداري لمحافظ ذي قار المهندس فيصل الشريفي، أن “هناك تداعيات وتأثيرات كبيرة للتغير المناخي على المرأة في ذي قار، وتعمل الحكومة المحلية بشكل جاد على ملف الشحة المائية التي زادت الهجرة من الريف إلى المدينة”.
ويتابع أن “أغلب سكان الأهوار والمناطق الريفية يعتمدون في وظائفهم على صيد الأسماك أو تربية الحيوانات أو الزراعة”، لافتاً إلى أننا “نناقش مع وزارة الزراعة والموارد المائية ودوائرها في محافظتنا دعم الزراعة من خلال زيادة الإطلاقات المائية لمعالجة الهجرة الداخلية والحفاظ على سكان تلك المناطق ومعيشتهم بعد أن توقفت مصادر عيشهم”.

ويشير إلى أن “الملف المائي هو ملف مركزي ورغم ذلك فإن هناك بعض المشاريع نعمل عليها لتغيير مسارات الجداول والأنهار و حفر بعض الآبار، فضلا عن بعض المشاريع الأخرى مع بعض الوكالات لإيجاد فرص عمل لبعض النساء اللواتي فقدن عملهن”.
ويلفت إلى أن “من بين تلك المشاريع هو مشروع تطوير معمل حليب الجبايش، والعمل بعشرة خطوط إنتاجية للحليب ومشتقاته، وأن هذا المشروع جرى تطويره بالتعاون مع جامعة (فلورنسا) الإيطالية، وحين افتتاحه سيسهم في دعم مربي الثروة الحيوانية من خلال تجميع كميات كبيرة من إنتاج الحليب يوميا وإعادة تصنيعه على شكل أجبان وقيمر وألبان مختلفة، وسيشغَّل العديد من النساء، بالإضافة إلى العمل مع المنظمات الدولية على تطوير الحرف اليدوية والمهارات الأخرى، من خلال مشاريع مدعومة تضمن العمل للعديد من النسوة”.


تفاقم المشاكل الاجتماعية

منذ عام 2019 أصبح معدل هطول الأمطار (92.8) ملم سنويا، وهو معدل قليل عانى بسببه المزارعون من خسائر كبيرة. إذ تقلصت مساحة الأراضي المزروعة خلال 2023 إلى النصف، وارتفعت بذلك نسب الفقر في محافظات وسط وجنوب العراق إلى مستويات قياسية، الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على حياة العاملات بالزراعة خاصة من ناحية ارتفاع المشاكل الاجتماعية، مثل حالات الطلاق، وخاصة لدى اللواتي هجرن الريف إلى المناطق الحضرية، فأصبحن بلا معيل يبحثن عن العمل.
وتقول شهد عبد (35 عاما)، من سكنة محافظة بابل، (90) كم جنوب بغداد، إن “حالتي صعبة جدا فقد فقدت بيتي عند نزوحنا من منطقتنا الزراعية إلى المدينة بسبب الجفاف، وأرضنا التي كنا نزرع فيها النخيل، عندها زوجي طلقني وهاجر خارج العراق”.
وتضيف “أصبحت معيلة أطفالي الأربعة، فلم أجد سبيلا إلا أن أعاود البحث عن عمل، والحمد لله وجدت الفرصة في معمل السلطان لإنتاج وتعبئة التمور، لكنه في محافظة كربلاء”، لافتة إلى أن “كل العاملات معي هنّ من النساء وأغلبهن من العوائل المتعففة، لكن المعمل وفَّر لنا لقمة العيش الشريفة”.

وتتابع “بداية الأمر وجدت أن الموضوع صعب جدا بأن أعمل في محافظة ثانية، لكن وسيلة النقل التي يوفرها صاحب المصنع سهلت الكثير علينا أنا ومن معي من العاملات”.
وتبين أن “الأجر الذي تتقاضاه من عملها هنا يوفر لها حياة كريمة ويساعدها كثيرا على مواجهة أعباء الحياة”.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة