مازالت أكداس النفايات ترصف في مداخل العاصمة والأماكن غير المأهولة، ويتم التعامل معها إما بالحرق أو إلقائها في الأنهر، مسببة تلوثا بيئيا خطيرا، ويبدي خبراء وصحفيون متخصصون في البيئة استغرابهم من عدم استغلال جدواها الاقتصادية من خلال عملية تدويرها التي تحمل فوائد إيجابية كبيرة اقتصاديا وبيئيا، في وقت تعرب وزارة البيئة عن أملها في أن يكون مشروع تدوير النفايات ضمن أولويات الوزارات القطاعية.
ويقول المتحدث باسم وزارة البيئة أمير الحسون، خلال حديث لـه، إن "أمانة بغداد حاولت تجريب إعادة تدوير النفايات، لكن إشكالات مع الشركات المنفذة حالت دون تنفيذ المشروع، إلا أن كربلاء تمتلك تجارب ناجحة في هذا المشروع، ونأمل أن تكون هذه المشاريع إضافة إلى مشاريع معالجة مياه الصرف الصحي ضمن أولويات الوزارات القطاعية".
ويضيف الحسون أن "الحكومة شددت على أهمية المشاريع التي لها علاقة بالإصحاح البيئي، والموازنات التي خصصت تتضمن عنوان لها علاقة بالمشاريع البيئية وإصلاحها، ونحن نشجع هذه المشاريع إذ طالبنا من خلال إستراتيجية وقعتها الوزارة بزيادة هذه المشاريع للتقليل من التلوث، خاصة موضوع تدوير النفايات لأن فيها جدوى اقتصادية ويمكن استثمار مخرجاتها في صناعة الأسمدة وتوليد الكهرباء وغيرها من المصنوعات التي يمكن الإفادة منها".
وكان المتحدث باسم أمانة بغداد محمد الربيعي، كشف يوم أمس، أن العاصمة بغداد تفرز 9 آلاف طن من النفايات يومياً، 65 بالمئة منها مواد عضوية وهي بقايا الطعام، أما النسبة المتبقية فهي مواد غير عضوية، فيما أشار إلى أن قضية الحد من رمي النفايات بغير أماكنها المخصصة لها، موجودة ضمن القوانين النافذة وهي قانون 13 وقانون 154 وقانون 68 الخاصة بالنفايات، ولكن المشكلة تكمن في تطبيق القانون، فهو يحتاج لمليوني كاميرا في بغداد لرصد ومعاقبة المتجاوزين.
يشار إلى أن وزارة البيئة، أعلنت في تشرين الأول أكتوبر الماضي، عن توجه حكومي لتشريع قانون جديد لمعالجة المخلفات الصلبة، لإنتاج الطاقة الكهربائية واستثمار غاز الميثان، فيما أشارت إلى أن أمانة بغداد كان لديها مشروع عام 2006 لتدوير النفايات، لكن لم يحصل على الموافقة بسبب وجود مقترحات لإنشاء مجمعات سكنية، وبالتالي فإنه سيؤثر على صحة المواطن.
بدوره، يرى الخبير البيئي حمزة رمضان، خلال حديث لـه، أن هذه "المشاريع ضرورية، وهي من أساسيات الحصول على مياه نظيفة، لأن هذه النفايات تتحلل وتتسرب للمياه الجوفية من دون أن نشعر بها إلا بعد مرور عدد من السنوات، إذ تسبب تلوثا في المياه الجوفية، مخلفة الكثير من الإصابات بالأمراض السرطانية".
ويضيف رمضان أن "إعادة التدوير هو الحل الأمثل للتخلص من النفايات، وهناك الكثير ممن يستثمرون في هذا القطاع لاسيما الشركات المصرية، فبعد فرز المواد فيها تتم إعادة تصنيعها وتتحول إلى أموال في خزينة الدولة، فهي تنشيط للصناعات من جهة، وتخليص البيئة من هذه السموم والملوثات من جهة أخرى".
ويتابع أن "بالإمكان استخراج غاز الميثان المستخدم في المنازل منها، فالحديث عن وجود 9 آلاف طن في بغداد وحدها، فإن هذا الرقم كبير جدا وكاف لتوفير الغاز لأكثر من نصف سكان بغداد"، لافتا إلى أن "هناك دولا تقوم باستيراد النفايات من إجل اعادة تدويرها واستخراج الغاز".
وبحسب بيان الوزارة آنذاك، فإن كل شخص يولد يوميا من 1 إلى 1.25 كغم من المخلفات في عموم العراق، وفي محافظة بغداد يوميا تنتج ما بين 8 آلاف إلى 10 آلاف طن من المخلفات، 40 بالمئة منها نفايات عضوية أي بقايا الطعام.
وتعد ظاهرة حرق النفايات من الظواهر المنتشرة في العاصمة بغداد بكثرة، سواء في جنوبها الشرقي أو شمالها أو غربها، ودائما ما ترتفع غمامة سوداء تغطي سماء المنطقة مع رائحة كريهة، تستمر لساعات طوال، نتيجة لحرق النفايات.
يذكر أن هناك العديد من مشاريع إنشاء معامل لإعادة تدوير النفايات وتحويلها إلى مواد صالحة للاستخدام، مثل الأسمدة أو فرز المواد الصلبة فيها، قد طرحت خلال الأعوام الماضية، لكن في العام 2014 وبسبب الأزمة المالية والحرب على تنظيم داعش توقفت أغلبها، ما دفع أمانة بغداد إلى طمرها بالطرق التقليدية.
إلى ذلك، يبين الصحفي الاقتصادي علي كريم إذهيب، خلال حديث لـه أن "العراق يعاني من وجود نفايات كبيرة والجزء الأعظم منها يخرج من المعامل والمصانع الحكومية وغير الحكومية والمستشفيات وغيرها من المؤسسات، إذ يرمى معظمها في الأنهر الجارية ويسبب تلوث مياه قاتل، إضافة إلى تكدّس كميات كبيرة من تلك التي تنقلها الآليات البلدية في مناطق أطراف بغداد مثل الرستمية جنوبا والتاجي والحسينية شمالًا وأبو غريب غربا، ما يؤدي أيضا لتلوث الهواء وتكوين منظر غير حضاري في مداخل العاصمة".
ويرى إذهيب، أن أي "مشروع لاحتواء النفايات وتدويرها سيكون مهما جدا، ومن الغرابة أن الحكومة لم تبدأ به كونه سيحقق عوامل اقتصادية عدة يحتاجها العراق في الوقت الحالي، منها الحد من التلوث إضافة إلى أن إعادة تدوير هذه المواد يتيح استخدامها مرة أخرى بدلاً من التخلص منها بطرق خاطئة".
ويشير إلى أن "إعادة التدوير تؤدي دورا كبيرا في حماية البيئة والحفاظ على توازنها، فمثلاً إعادة تدوير الورق المصنوع من أشجار معينة بدل قطع مئات الأشجار يوميا لإنتاج الأوراق، سوف يحد من إزالة الأحزمة الخضراء في العراق"، لافتا إلى أن "مشروع التدوير يحد أيضا من الاحتباس الحراري فالتخلص من النفايات بحرق كميات هائلة منها ينتج انبعاث كمية كبيرة من الغازات مثل ثاني أكسيد الكربون والكبريت والنيتروجين، ما يؤدي إلى الاحتباس الحراري وتغيّر المناخ".
ويؤكد الصحفي الاقتصادي أن "المشروع يسهم في الحفاظ على الموارد الطبيعية عند إعادة تدوير المواد القديمة وعدم اللجوء إلى استخراج مواد خام من الطبيعة، كما يقلل مساحات مكبات النفايات ويحد من تلوث المياه والأراضي، ويسهم بخلق العديد من فرص العمل لأن هذه العملية تتطلب إنشاء العديد من مصانع إعادة التدوير وهذا يوفر سلسلة طويلة من عمليات جمع النفايات وتسليمها إذ تحتاج هذه العمليات إلى أيد عاملة".
وكان معاون مدير دائرة المخلفات الصلبة والبيئة في أمانة بغداد أحمد عبد الإله، كشف سابقا، عن وجود ثلاث شركات إحداها تركية قدمت طلبات للاستثمار في مشروع تدوير النفايات وإنتاج الطاقة الكهربائية، فيما بين أن هناك مفاوضات مع وزارة الكهرباء لشراء الطاقة الكهربائية الناتجة عن المشروع، لكن البدء بهذا المشروع يحتاج إلى تشريعات قانونية تزيل العقبات من أمامه.