29 Apr
29Apr

مرة أخرى، يمرّر مجلس النواب العراقي قانوناً يسبب إثارة للجدل واعتراضات دولية، بتصويته السبت على قانون مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي، وفيما احتوى القانون على “نقص في التعاريف” و”ترهل في المصطلحات” بحسب قانونيين وناشطين، لم يستبعد بعضهم أن هناك دوافع سياسية وراء التصويت على القانون، تكمن في الصراع السياسي الدائر بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري.
ويرى الخبير القانوني عدنان الشريفي، خلال حديث لـه، أن “قانون مكافحة البغاء السابق كان يغطي جزءا كبيرا من هذه الجرائم، لكن ما استجد في هذا القانون بعض القضايا منها عملية الشذوذ الجنسي أو المثلية وتبادل الزوجات والتخنث”.
ويتفق الشريفي مع “وجود حاجة لإقرار مثل هذا القانون لأن المجتمع بحاجة ماسة له وهناك انهيار في المنظومة الأخلاقية بشكل كبير، بعدما تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي إلى معاول لهدم الأسر”.
لكن الخبير القانوني يسجّل ملاحظتين على القانون، في ما يخص “تغيير الجنس، إذ لم يكن مجلس النواب موفقا في هذه الرؤية لاسيما أن الفقهاء، سنة وشيعة، أحلوا هذه العملية والدستور يرى أن أي قانون يخالف ثوابت الإسلام يخالف الدستور وهذه الفقرة تخالف”، بحسب ما يرى.
ويمنع القانون في المادة الثانية منه / ثالثاً، تغيير الجنس البيولوجي للشخص بناء على الرغبات والميول الشخصية، مستثنيا حالات التداخل الجراحي لمعالجة التشوهات الخلقية.
ويعرج الشريفي ثانياً، على مصطلح التخنث التي عاقب القانون مرتكبه، ويشير إلى أن “هناك خللا في التعريف في ما يخص التخنث، فالتعريف يحتوي على معنى فضفاض يمكن أن يلصق به أي شخص يرتدي شيئا مختلفا ويحمل شكلا معينا”، لافتا إلى أن “القانون تعرض للذكر الذي يتشبه بالأنثى، ولم يتعرض للمرأة إذا مارست الذكورة، على الرغم من أن القانون يدعي الحفاظ على الثوابت في قيم المجتمع”.
وعاقب القانون بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ثلاث سنوات أو الغرامة من 5 – 10 ملايين دينار من مارس فعل التخنث، الذي عرفه القانون بـ”كل ممارسة مقصودة للتشبه بالنساء”.
ويعلل الشريفي، ورود هذه الثغرات في القوانين، بأن “المشرعين عند إعداد القوانين، لا يستشيرون الشرائح ذات الاختصاص، فكان يفترض الاستعانة بالأطباء النفسانيين ورجال الدين بموضوعة تغيير الجنس لأن القانون بهذه الصورة مخالف للرأي العلمي ومخالف للرأي الشرعي”.
ومرر مجلس النواب، السبت الماضي، تعديلا على قانون مكافحة البغاء، ليشمل به “المثلية الجنسية”، حيث تضمن في نسخته الحالية عقوبات بالسجن لمدد مختلفة بحق المخالفين بدلا من الإعدام والسجن المؤبد في نسخة سابقة، الأمر الذي أثار جدلا واسعا داخل الأوساط المحلية والدولية، إذ سعى البرلمان لتعديل القانون رقم 8 لعام 1988، بهدف إضافة بعض الممارسات التي لم تكن واضحة المعالم وغير منتشرة في فترة إقرار القانون، ومنها تبادل الزوجات والمثلية الجنسية.
وخلال الأشهر الأخيرة، يجري في البلاد تحرك كبير للوقوف بوجه الشذوذ الجنسي، ولا يمتلك العراق يمتلك تشريعات واضحة وصريحة تجاه هذا الملف، حيث إنّ المواد 393 و394 التي تعاقب بالحبس المؤبد، عالجت من واقع أنثى أو لاطَ بذكر دون رضاهم، أي أنّ هذا التشريع لا يعالج مسألة المثلية الجنسية التي تجري بالرضا بين الطرفين.
وتضمن التعديل عقوبات الحبس والغرامة المالية لا تزيد على خمسة ملايين دينار عراقي، ويعاقب بالسجن المؤبد أو الإعدام كل من ثبت ممارسة الشذوذ الجنسي.
من جهته، اعتذر نقيب الأطباء السابق جاسم العزاوي عن التعليق على القانون، لكنه يؤكد خلال حديث مقتضب لـه، أن “البرلمان لم يستشر نقابة الأطباء أثناء إعداد هذا القانون وغيره من القوانين ذات الصلة”.
وعن مسار القوانين، يضيف العزاوي أن “القانون يدرس ابتداءً من قبل لجنة الصحة والبيئة في البرلمان، أما في مجلس الوزراء هناك مستشارون يقدمون المقترحات والتعديلات أو قد تتم الاستعانة بوزير الصحية، أي أن الجهات أغلبها حكومية”.
وعاقب القانون بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ثلاث سنوات كل طبيب أجرى أو شرع بعملية تغيير الجنس بايولوجيا خلافا لأحكام هذا القانون، وهي العقوبة نفسها التي تفرض على الشخص الذي يروم تغيير الجنس.
لكن رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، مصطفى ناصر، يرى من جهته، خلال حديث لـه أن “تمرير هذا القانون يأتي في إطار الصراع السياسي بين القوى الشيعية المتخاصمة، لاسيما بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، فقد سعى الأخير مؤخرا إلى رفع راية إعلان يوم عيد الغدير عطلة رسمية، بالتزامن مع تشكيل ما يسمى بالتيار الشيعي الوطني، في محاولة لإحراج الإطار التنسيقي الذي يمثل الطيف الشيعي في العملية السياسية العراقية بالوقت الحالي”.
ويضيف أن “المصادقة على عطلة عيد الغدير تحظى بمقبولية الإطار التنسيقي على ما يبدو، خاصة وأنه سيسعى لتمرير قانون العطل الرسمية في العراق، ولكن الإطار ذهب إلى تشريع قانون آخر، كان يدعو له الصدر حتى في الأسابيع الأولى لانسحابه من العملية السياسية وهو تجريم المثلية الجنسية”.
ويلفت ناصر إلى أن “الإطار التنسيقي حاول أن يغطي على مطالبة إعلان عيد الغدير عطلة رسمية، والذي كان يعتقد الصدر انه سيحرج الإطار التنسيقي مع القوى السنية والكردية من جهة، ومع جماهيره من الإسلاميين العقائديين من جهة أخرى، لكن الإطار التنسيقي عمد إلى تمرير هذا التعديل الجدلي، الذي تسبب بغضب بعض الجهات الدولية”.
أما من الناحية الاجتماعية لتمرير القانون، يشير ناصر إلى أن “قوى الإسلام السياسي، ولاسيما الشيعية منها متمرسة على استهداف مواد تشريعية تدخل في تحديد العلاقات الجنسية وأحكام الأسرة وغيرها من القضايا التي تدفع لسيطرة النظام الأبوي على الفئات المستضعَفة في المجتمع”.
ويجد أن “المواد القانونية التي صوت عليها البرلمان تخلو من أية معالجات لمشكلة تفشي الشذوذ الجنسي أو زنا المحارم في المجتمع العراقي وأسبابه، التي أعلنت عن جزء منها الجهات الأمنية المختصة، وعزت معظم الجرائم من هذا النوع الى تفشي نوع من أنواع المخدرات في المجتمع”.
ويتابع أن “هذه القوى كعادتها، تستخدم عبارات فضفاضة ومطاطة وتقبل التأويل والتفسير، لتمنحهم المزاجية في التعاطي مع المواد العقابية الواردة في القانون”.
ويخلص إلى أن “نص القانون لم يورد الاستثناءات الصحية المنوطة بتحولات او تشوهات هرمونية لدى بعض الشخوص، فهل يعقل أن يحكم بالسجن على شخص ولد مشوها ولم يرتكب ذنبا؟، وهذا يؤكد بشكل كبير أن ما جرى من اتفاق داخل قوى الإطار التنسيقي على تمرير هذا التعديل، لم يكن سوى لمرادات سياسية، ابرزها سحب التركيز من مطالب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بشأن عطلة عيد الغدير، التي تناغم كثيرا الجمهور الشيعي”.
وكان مشروع القانون قد تضمن في البداية عقوبة الإعدام للعلاقات الجنسية المثلية، لكن طرأت تعديلات عليه قبل إقراره بعد معارضة قوية من الولايات المتحدة ودول أوروبية.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية أمس، إن تشريع العراق لقانون يكافح المثلية الجنسية، سيضعف قدرة البلد على جذب الاستثمارات الأجنبية، ونموه الاقتصادي، لكن قوى عراقية ومنها عصائب أهل الحق استنكرت على لسان أمينها العام قيس الخزعلي، المواقف المناهضة لتعديل قانون “البغاء” من قبل مجلس النواب العراقي، ومن بينها موقف الولايات المتحدة.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة