زوارق صدئة، وحراس لا تتجاوز أعدادهم 10، وشباك صيد تهرأت بفعل الظروف المناخية، مع هدوء مطبق لا يخترقه سوى صوت الريح ونباح الكلاب، فهذا كل ما تبقى من هور الدلمج بين محافظتي واسط والديوانية.
الهور كان مقصدا لأكثر من 4 صياد، من محافظات واسط والديوانية وذي قار والبصرة وميسان، لكن الجفاف أنهى وجوده بالكامل، كما يقول الصياد علاء منخي.
ويبين منخي، خلال حديث لـه أن "عملنا تحول من الصيد إلى حماية الزوارق والمعدات التي تركت في الهور من قبل الصيادين، بعد أن جف الهور".
ويتابع أن "الجفاف أبعد الطيور المهاجرة، فضلا عن غياب الطيور والكائنات الأخرى في الهور، التي كانت تمثل غذاء الطيور المهاجرة".
ويتعرض العراق لمخاطر التصحر بسبب موجات الجفاف الناتجة عن قلة الحصة المائية لنهري دجلة والفرات بعد بناء عدة سدود عليهما من قبل دول الجوار على الرغم من وجود اتفاقيات ومعاهدات دولية تنظم ذلك مثل معاهدة "رامسار" للأراضي الرطبة التي انطلقت عام 1971 في إيران وأصبحت سارية المفعول عام 1975، وتتخذ من مدينة جنيف مقرا لها، وانضم إليها العراق عام 2007.
ومنذ 4 سنوات يشهد العراق، أقسى أزمة جفاف في تاريخه، بسبب تقليل تركيا وإيران للإطلاقات المائية، ولم تمنح تركيا سوى 30 بالمئة من حصة العراق المائية المقررة، فيما قطعت إيران المياه بشكل كامل.
وشهدت أغلب أهوار الجنوب العراقي، تقلص مساحتها إلى أكثر نم 60 بالمئة نتيجة لأزمة الجفاف التي عصفت بالبلد، وتراجع كميات المياه الواصلة للأهوار، ومحاولة الحكومة الاهتمام بالمناطق الزراعية، وسبق لتقارير سابقة أن سلطت الضوء على أهوار العراق وتبين أن أغلبها فقدت مساحات واسعة وتحولت إلى يابسة.
إلى ذلك، يبين محافظ واسط محمد المياحي، خلال حديث لـه أن "الأضرار التي لحقت بالمحافظة جراء عدم استثمار هور الدلمج، لم تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، بل تحول هذا المكان وبسبب الأحراش والقصب إلى ملاذ آمن للمطلوبين أمنيا".
ويؤكد المياحي، أن "الأجهزة الأمنية عاجزة عن الوصول للمنطفة بسبب سلطة المؤجر للمساحات في الهور، فهناك مساحات تعطي كإيجار بمقابل مادي يدفع لوزارتي الزراعة والموارد المائية ويصل إلى 50 مليون دينار بالسنة، وسلطة المؤجر تمنع الأجهزة الأمنية من الدخول لكونها أرض خاصة".
ويشير إلى أن "الإجراءات التي اتخدتها السلطات في واسط وبحسب ما متاح لنا، هي المخاطبات الرسمية مع المعنيين في الأمانة العامة لمجلس الوزراء والهيئة الوطنية للاستثمار، لاحالة المنطقة كفرصة إستثمارية بالكامل، إلا أن هذا الأمر لم يجد طريقه إلى التنفيذ لغاية الآن".
يشار إلى جفاف الأهوار، دفع بالسكان المحليين إلى الهجرة نحو المدينة، فضلا عن تدمير الثروة الحيوانية وخاصة الجاموس الذي تراجعت أعداده من ملايين إلى آلاف بسبب فقدان الأهوار، إلى جانب تهديد الحيوانات الأخرى والكائنات التي تعيش في الأهوار بالانقراض.
وكانت المياه عادت إلى الأهوار بعد عام 2003، بعد إزالة السدود الترابية التي بنيت في فترة رئيس النظام السابق صدام حسين، وعاد إلى المنطقة أكثر من 200 نوع من الطيور وعشرات الأنواع من الحيوانات البرية.
يذكر أن الأمم المتحدة اعتبرت عمليات تجفيف الأهوار العراقية في تسعينيات القرن الماضي، من أكبر الكوارث البيئية التي حدثت في القرن العشرين، وتقارن بما جرى في البرازيل من قطع الأشجار بحوض الأمازون.
ولم يشكل الهور نقطة اهتمام حقيقية للمسؤولين، بل شهد زيارات بروتوكولية فقط، تنتهي بالتقاط الصور فقط، حسب ما يؤكد أحد سكان الهور سعدي باسم.
ويوضح باسم خلال حديث لـه أن "انخفاض مناسيب المياه في الهور ولد بشكل طبيعي كميات كبيرة من القصب والأدغال، فنمو القصب يعمل على قطع الاوكسجين المذاب في الماء على الأسماك والأحياء الأخرى، وهذا الأمر يتطلب تدخل السلطات في وزارتي الموارد المائية والزراعة، لاستخدام آليات ومكائن حديثة لإزالة القصب من المنطقة".
وفي 17 تموز يوليو 2016، أدرجت الأهوار على لائحة التراث العالمي، حينما صوتت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) بإجماع أعضائها على ضم الأهوار إلى اللائحة.
ويعد هور الدلمج محطة مهمة من محطات استراحة الطيور المهاجرة، حيث يتمد على مساحة 165 ألف دونم، بما يعادل 400 كيلومتر مربع، وفقا لمدير بيئة واسط صباح عباس.
ويؤكد عباس خلال حديث لـه أن "الهور يعتبر محمية طبيعية تم اقراره من قبل اللجنة الوطنية التي تترأسها وزارة البيئة العراقية"، مضيفا أن "ادراج الهور كمحمية طبيعية يخضعه إلى القوانين الدولية ضمن المقاييس الإنكليزية، وأن موقعه ضمن خطي الهجرة الثاني والرابع للطيور المهاجرة مهم جدا".
وتم تغيير مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسية في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام، في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر الأراضي الزراعية في محافظة البصرة.