أيد مراقبون سياسيون صحة ما أفصح عنه مستشار حكومي بشأن وجود تنسيق بين بغداد وأنقرة بشأن التوغل التركي داخل الأراضي العراقية، وفيما أكدوا أن بغداد لجأت إلى هذا الخيار بعد عجزها عن مواجهة حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة، أفادوا بأن المصالح الأمنية والاقتصادية للعراق وتركيا تتطلب تحييد عناصر الحزب قبل افتتاح طريق التنمية.
وفيما قلل خبير أمني من تلك التصريحات كونها آراء شخصية وليست رسمية، اعتبروا صمت الحكومة، يعرضها إلى مشكلات عديدة، لأن العمليات العسكرية التركية أسهمت بهجرة الآلاف من المواطنين العراقيين في أقصى شمال البلاد.
ويقول الباحث في الشأن السياسي مجاشع التميمي، خلال حديث لـه، إن “العراق اتفق مع تركيا خلال زيارة رئيسها رجب طيب أردوغان، على حظر حزب العمال سياسيا في العراق في خطوة أولى ثم محاصرته في معسكرات تشرف عليها القوات العراقية للحد من نشاطاته كما حصل مع المعارضة الإيرانية المسلحة الموجودة في إقليم كردستان”.
ويضيف التميمي، أن “هناك أطرافا داخلية وإقليمية تدعم حزب العمال الكردستاني، في العراق بحجة الوقوف بوجه تمدد البيشمركة وطموحات الحزب الديمقراطي الكردستاني، فضلا عن استخدام حزب العمال كورقة ضغط من قبل أطراف عراقية مقربة من إيران ضد تركيا للحد من سياستها التوسعية في العراق وسوريا”.
ويبين أن “الحكومة العراقية لا تمتلك الأدوات لوقف أزمة حزب العمال للأسباب السابقة لهذا اختارت سياسة الأمر الواقع وهو موافقتها على العمليات والتنسيق مع تركيا سياسيا وإعلاميا لحفظ ماء الوجه، لأن الحكومة تدرك أن أي موقف متشدد من حزب العمال ستكون له آثار سياسية سلبية تجاهها من قبل أطراف داخل الائتلاف الحاكم”.
وكان مستشار رئيس الوزراء، إبراهيم الصميدعي، كشف أن “هناك تنسيقا مع الحكومة العراقية بخصوص العمليات العسكرية للجيش التركي في إقليم كردستان”، مؤكدا، في تصريح متلفز، أن “حزب العمال الكردستاني يقوم بعمليات إجرامية، وأن الحكومة العراقية قد صنفته منظمة إرهابية، والعمليات التركية تجري وفق تنسيق بين بغداد وأنقرة”.
وأورد تقرير تركي، الأسبوع الماضي، أن هناك اتفاقا تركيا مع العراق بشأن إنشاء مركز سمي بـ”مركز الكفاح المشترك والعمليات المشتركة” ضد حزب العمال الكردستاني، ويشمل مركز عمليات مشتركة و27 مركز شرطة على الحدود التركية لمحافظتي دهوك وأربيل.
لكن أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد خالد العرداوي، يعلق من جهته، خلال حديث لـه بأنه “لا يمكن فهم هذا التصريح إلا في سياق التفاهمات التي تمت بين بغداد وأنقرة أثناء زيارة أردوغان الأخيرة، وحاجة الطرفين إلى بعضيهما في ملفين مهمين: الأول؛ الملف الأمني، الذي يتصدره حزب العمال التركي، إذ يمثل تهديدا أمنيا حقيقيا للبلدين”.
ويضيف أن “الحكومة العراقية عاجزة تماما في وضع حد له لوحدها، لأسباب عدة منها: ارتباطات الحزب الأمنية والثقافية والسياسية مع الكرد في إقليم كردستان العراق، وخشية تفسير أي تحرك عسكري ضد الحزب على أنه استهداف عنصري قومي للكرد يتم فيه استعادة ذكريات الماضي السيئة بين الجيش العراقي والكرد”.
ويتابع العرداوي، أن “هناك ارتباطات لحزب العمال أيضا بمصالح إقليمية لبعض الدول، وتفاهمات مع بعض المليشيات المحلية التي تقزم القرار السياسي للدولة العراقية، لذا فأن تفاهم بغداد مع أنقرة في معالجة التهديد الأمني للحزب هو السبيل الأفضل أمام بغداد للتحرر من قيود حركتها”.
أما الملف الثاني، فهو كما يشير العرداوي يتعلق بالاقتصاد، لأن “طموح بغداد وأنقرة في افتتاح طريق التنمية، وتوافق وجهة نظر الطرفين على المصالح الاقتصادية المرجوة من هذا المشروع يصطدم بعقبة التخلص من الوجود السياسي والأمني لحزب العمال في شمال العراق، فمن دون تحقيق ذلك يبقى المشروع مجرد حبر على ورق، وإزاء هذه الحقائق، فأن تنسيق الطرفين في ما يتعلق بالحركات العسكرية التركية في العراق يبدو طبيعيا ومتوقعا”.
غير أنه يشير إلى أن “هناك مخاوف من هذه التحركات في مواضع عدة منها شذوذها عن الوضع الطبيعي في حفاظ الدول على سيادتها من خلال مؤسساتها الأمنية، وأيضا فيما إذا ما كان هناك سيناريو خفي لها مرتبط بالتطلع التركي لقضم أجزاء من الأراضي العراقية، وتحويل الوجود العسكري المؤقت الى وجود دائم لا تقوى بغداد على إزالته”.
وتابع أستاذ العلوم السياسية، بأن “كل هذه المخاوف وغيرها يمكن تلافيها في حالة واحدة فقط، وهي وحدة القرار السياسي، ووحدة القيادة والسيطرة في العراق، وبناء مؤسسات أمنية عراقية قوية وقادرة على فرض سيادة الدولة ومنع القوى المحلية والإقليمية والدولية من التجاسر، وتشكيل حكومة قوية لديها رؤية استراتيجية واضحة، وإرادة سياسية صلبة لحماية مصالح العراق العليا”.
وبحث رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أمس الاثنين، مع السفير التركي الجديد لدى بغداد أنيل بورا إنان، جملة ملفات من بينها إجراءات التنسيق الأمني المشترك في المناطق الحدودية، بما يؤكد سيادة العراق على أراضيه ومنع أي خروقات، بحسب بيان رسمي.
وشهدت الأيام الماضية انتشاراً للجيش التركي في مناطق قضاء العمادية بمدينة دهوك، ونشر نقاط تفتيش، في حين طالب نواب بعقد جلسة استثنائية لمجلس النواب، في وقت تؤكد الأنباء أن القوات التركية سيطرت، خلال الأيام الأخيرة، على عشرات القرى في محافظة دهوك، مجبرة العائلات هناك على النزوح إلى مناطق أكثر أمنا.
من جهته، يعتقد الخبير الأمني مخلد حازم، خلال حديث لـه أن “ما صرح به أحد مستشاري رئيس الوزراء بشأن وجود تنسيق بين بغداد وأنقرة هو تصريح رسمي، بل هو رأي شخصي، ولا نعتقد هناك تنسيق يرقى إلى التنسيق الرسمي”.
ويبين حازم، أن “الحكومة العراقية مطالبة بتوضيح موقفها من العمليات العسكرية التركية الأخيرة، وهل هي فعلا بالتنسيق معها، فإذا ما كان ذلك صحيحا، فسوف يدخل الحكومة بمشاكل مختلفة، خاصة أن العمليات التركية دفعت الآلاف من المواطنين العراقيين، للهجرة من الكثير من القرى التي سيطرت عليها القوات التركية”.
ويضيف أن “موقف الحكومة العراقية الرسمي مازال غامضا وهذا يثير علامات الاستفهام والاستغراب ولا يمكن حصر موقف الحكومة بتصريح صحفي، وليس بموقف رسمي عبر بيان معتمد، ونعتقد أن ردود الأفعال السياسية وكذلك الشعبية ستكون غاضبة تجاه هذا الصمت الحكومي خلال الأيام المقبلة”.
وفي تقرير سابق فسر مراقبون للشأن السياسي والأمني، الصمت الحكومي، بأنه “ضوء أخضر” للتجاوزات التركية، وفيما وصفوا تلك العمليات بـ”الاحتلال”، انتقدوا “الموقف العراقي الخجول”، تجاه القوات التركية.