لم يمض وقت طويل على سقوط الآلاف من الضحايا والجرحى في "انتفاضة تشرين" التي كانت أبرز مطالبها، تشكيل حكومة مستقلة وحل مجالس المحافظات وتغيير قانون الانتخابات، حتى عاد الوضع إلى ما قبل "الانتفاضة"، فسرعان ما نهضت القوى السياسية لتفرض وجودها من جديد بعودة المجالس وقانون "سانت ليغو"، ما عد التفافا على مطالبها "الشعبية"، وسط اختلاف الناشطين حول ما إذا كانت المرحلة الراهنة تمثل "نهاية حقبة"، أم تحضير للخروج مجددا وإحياء ما بدأ به قبل 3 سنوات.
ويقول الناشط في التظاهرات، محمد عفلوك، خلال حديث لـه إن "كل مطالب تظاهرات تشرين لم تتحقق، ويمكن القول إن حقبة تشرين بدأت تتلاشى، لكن هذا لا يعني أن الصوت الاحتجاجي سينتهي، فالرفض مستمر وقائم".
ويضيف عفلوك: "هناك أخطاء حصلت في الحراك الاحتجاجي، ونحن نعترف بذلك، لكن هذا لا يعني انتهاء التظاهرات"، لافتا إلى أن "هناك حراكا قادما في شهري حزيران (يونيو) وتموز (يوليو) المقبلين".
وحول عدم اخذ ضمانات بتحقيق مطالب تشرين، يوضح الناشط في تظاهرات ذي قار 2019، أن "القوى السياسية لم تلتزم بميثاق ولا عهد ولا كلمة شرف، فكل هذه الأمور من ضمانات وغيرها لا يمكن أن تحصل في نظام تأصل الفساد فيه"، مبينا أن "هناك إشكالات حول خروج التظاهرات بشكل مستمر، فهذا خطأ كبير وأدى لقلة الأعداد، فالشارع بحاجة لتراكمات حتى يثور على ما تقترفه القوى السياسية".
وبشأن الحكومة الحالية، يؤكد عفلوك أن "تشكيل الحكومة من قبل الإطار التنسيقي، لا نعده أمرا سلبيا جدا، بل فيه جانب إيجابي، وهو كشف أخطائهم للشعب بالكامل، إذ سيكون الإطار مسؤولا عن كافة الإخفاقات".
وانطلقت في تشرين الأول أكتوبر 2019، احتجاجات شعبية واسعة، سرعان ما تحولت إلى اعتصامات شملت 10 مدن عراقية، بمشاركة كافة شرائح المجتمع، وأدت في حينها لتقديم حكومة عادل عبد المهدي استقالتها، بعد الضغط الجماهيري، إلى جانب طرح مطالب عدة، أبرزها تشكيل حكومة مستقلة بعيدا عن سيطرة الأحزاب وتغيير قانون الانتخابات وبالأخص نظام سانت ليغو وحل مجالس المحافظات.
مجلس النواب من جانبه، صوت في 26 تشرين الثاني نوفمبر 2019، على إنهاء عمل مجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم ومجالس الأقضية والنواحي الحالية التابعة لها، وكلف أعضاء البرلمان بمهمة مراقبة عمل المحافظ ونائبيه في كل محافظة على حدة، وذلك استجابة للتظاهرات.
كما جرى اعتماد نظام الدوائر المتعددة في الانتخابات السابقة عام 2021، استجابة أيضا للمتظاهرين، حتى سميت بـ"انتخابات تشرين"، لكونها أيضا كانت مبكرة، وهو مطلب المتظاهرين.
مؤخرا، وبعد تشكيل البرلمان الجديد ودخول البلد بأزمة سياسية لأكثر من عام حول تشكيل الرئاسات الثلاث، وعقب انتهاء الأزمة بانسحاب التيار الصدري من البرلمان منتصف العام الماضي، عادت القوى السياسية إلى تفعيل كل ما طالبت تظاهرات تشرين بإلغائه.
إذ صوت البرلمان الأسبوع الماضي، على تعديل قانون الانتخابات المحلية والنيابية، واعتمد نظام سانت ليغو وفق نسبة تقسيم الأصوات 1.7، والعودة للدائرة الواحدة، وهو النظام الانتخابي ذاته الذي كان معمولا به طيلة السنوات الماضية في العراق.
ومن ضمن القانون، صوت البرلمان على تحديد تشرين الثاني نوفمبر المقبل، موعدا لإجراء انتخابات مجالس المحافظات.
المستقبل بيد الحكومة
إلى ذلك، يبين المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث له أن "كل مطالب تظاهرات تشرين تم إلغاؤها والابتعاد عنها، أما إذا كانت هناك تشرين أخرى، فهذا الأمر مرهون بالحكومة، إذا استطاعت أن تستوعب الناس ونجحت بذلك، فلن تخرج تظاهرات، أما إذا فشلت فبالتأكيد ستخرج التظاهرات مرة أخرى ويطرحون مطالب جديدة".
ويتابع أن "مجالس المحافظات هي دستورية، لكن إذا أردنا أن نقول الحقيقة، فهي غير مناسبة وتستنزف الدولة، وتعد حلقة زائدة بعرقلة العمل في المحافظات".
وجرت آخر انتخابات لمجالس المحافظات في العراق (الانتخابات المحلية) في 30 نيسان أبريل عام 2013، في 12 محافظة من أصل 18، حيث تم استثناء محافظات إقليم كردستان وكركوك المتنازع عليها بين بغداد والإقليم، فضلا عن استثناء نينوى والأنبار، إذ كانتا تشهدان تظاهرات معارضة للنظام السياسي في العراق، وذلك قبل عام من سيطرة تنظيم داعش على ثلاث محافظات عراقية.
يشار إلى أن نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية التي جرت عام 2013، بلغت نحو 50 بالمئة، وهو ما أرجعه سياسيون وبرلمانيون عراقيون في وقتها، إلى "حالة إحباط عام" من المجالس السابقة بسبب عدم وفائها بوعودها في تقديم الخدمات.
الاحتجاج لن يتوقف
من جانبه، يؤكد الأمين العام لجبهة تشرين، واثق لفتة، خلال حديث له أن "تظاهرات خرجت بداية بشكل شعبي ودون اتفاق ولا قيادة، كانت ردة فعل احتجاجية، ومطالبها كانت أكبر من قانون معين، مطالب الشعب كانت غير محصورة بشكل الحكومة، فالشعب كان بحاجة لوطن".
ويوضح لفتة، أنه "لا يمكن القول بأن الحراك الاحتجاجي قد انتهى، فهو لن ينتهي مادام الشعب موجودا والرفض قائما، لكن تراجع الحراك الاحتجاجي يرجع لانشغال المواطن بالحصول على قوت يومه، وهناك قلة قليلة هي من تدافع بقوة".
ويستطرد أن "الحكومة اليوم هي ليست حكومة خدمات، وليست شرعية، فهي حكومة قوة السلاح، أنتجها برلمان فاشل انسحب منه الفائز الأول، وهذه الحكومة إذا تعرضت لخطر معين فلن تحميها الجماعات المسلحة، بل ستكون أولى المنسحبين كما جرى مع الرئيس الليبي الأسبق معمر القذافي، حيث احتمى بالجماعات المسلحة، وكانت أول من تركته يواجه مصيره، لكن عندما تكون حكومة متلاحمة مع الشعب، سيكون هو أول مدافع عنها".
وينتهي بالقول، إن "الحراك الاحتجاجي مستمر، سواء على الصعيد السياسي أو الشعبي، بل هناك اجتماعات مكثفة بشأن عودة الاحتجاجات".
وشكلت تظاهرات تشرين نقطة فارقة في تاريخ العملية السياسية بعد عام 2003، وأصبحت أيقونة عراقية جمعت كل أطياف المجتمع ووحدت مطالبهم، خاصة بعد القمع الذي رافقها، وأدى إلى مقتل أكثر من 600 متظاهر وإصابة 26 ألفا آخرين، لكن بريقها خفت نسبيا بعد تفشي وباء كورونا في العراق في شهر آذار مارس 2020، إلا أن خيام الاعتصام بقيت شاخصة في الساحات دون المساس بها من قبل القوات الأمنية لفترة وجيزة، ومن ثم جرت حملات لإزالتها بالكامل ودخلت بعض المدن مثل الناصرية بصراعات مع بعض الجهات المسلحة التي حاولت إزالة خيام الاعتصام، ومن ثم تم التوصل لقرار يقضي بإزالتها بشكل نهائي.