أثارت زيارات رئيس الحكومة وقادة كتل آخرين، لعمال النظافة أسئلة عدة، في ظل تردي واقع هذه الشريحة من المجتمع، وفيما أرجع مراقب سياسي هذه الزيارات إلى محاولة الحصول على تأييد الرأي العام للحكومة، كشف عامل نظافة عن المشاكل التي تواجه هذه المهنة ومنها "الفساد والمحسوبيات" بالتعيين رغم تدني الرواتب، وهذا إلى جانب مطالبة إحدى البلديات الحكومة بالإيفاء بوعدها لتحسين واقع هؤلاء العمال.
ويقول المحلل السياسي غازي فيصل، خلال حديث لـه، إن "لقاء رئيس الحكومة أو السياسيين الآخرين، مع عمال النظافة هو جزء من محاولة الحصول على تأييد من الرأي العام للحكومة، كما أنه محاولة لعكس جدية الحكومة بتحقيق تحوّلات على صعيد الاقتصاد والوضع الاجتماعي والخدمات".
ويضيف فيصل: "بالإضافة إلى الحصول على الاهتمام، فأن اللقاء هو للإطلاع على المشاكل التي يعاني منها عمال النظافة، كقضية الرواتب والآليات وغيرها"، مبينا أن "الوضع في العاصمة وباقي المحافظات، سيئ لأبعد الحدود من الجانب الخدمي والنظافة، حتى أصبحت هناك أكوام من النفايات وتحولت المدن إلى بؤرة للأمراض والأوبئة".
ويشير إلى أن "الاهتمام بنظافة المدن، يتطلب الاهتمام بعمال النظافة والآليات ومواعيد وجداول رفع النفايات، وكيفية التعامل معها وليس عبر تحويلها إلى أكوام فقط".
وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، التقى أمس الأول، بمجموعة من عمال النظافة، وناقش معهم أوضاعهم الإدارية والمعيشية، واستفسر عن انتظام تسلُّمهم لأجورهم، واطلع على طبيعة الوجبات والأوقات التي يعملون فيها وأهم ما يواجهونه من صعوبات، ووجّه بمنح كتاب شكر وتقدير لجميع عمّال الخدمة والنظافة في دوائر الدولة كافة، إضافة إلى منحهم مكافأة نقدية.
وفي التوقيت ذاته، التقى أيضا رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم بمجموعة من عمال النظافة أيضا، ودعاهم إلى الاهتمام بالمظهر الشخصي لما له من دور في التزام الآخرين بالنظافة، كما دعا إلى تحويل النظافة إلى ثقافة مجمعية، وشدد على ضرورة أن تكون العاصمة بغداد مشابهة لعواصم دول المنطقة.
وتتراكم في العاصمة بغداد، أطنان من النفايات وخاصة في المناطق الشعبية المكتظة بالسكان، وكانت الحكومة السابقة وجهت أمانة بغداد بتحمّل كامل مسؤوليتها والقيام بواجباتها، وتفعيل حملات تنظيف واسعة لأحياء العاصمة ورفع النفايات، وما كان من الأخيرة إلا أن توجه دعوة لأهالي العاصمة إلى دعم عاملي النظافة وإسنادهم من خلال الالتزام بجمع النفايات في أماكنها المخصصة.
يذكر أن مدينة الصدر، استدعت قبل أكثر من عام، تدخل البرلمان ومطالبة مجلس الوزراء ووزارة المالية وأمانة بغداد بالتحرك "العاجل" لإنقاذها من تراكم النفايات لأكثر من شهر، وذلك لعدم تأمين التخصيصات المالية من قبل وزارة المالية إلى أمانة بغداد باعتبار الأخيرة إحدى دوائر التمويل الذاتي.
إلى ذلك،قال حسين عيدان (31 عاما)، وهو أحد عمال النظافة في بغداد، الذي يؤكد أن "هناك قسمين، قسم من العمال مرتبط بأمانة بغداد والآخر يكون ارتباطه بمحافظة بغداد، ورواتبهم الشهرية لا تتجاوز الـ300 ألف دينار، أي أن الأجر اليومي يكون بنحو 10 آلاف دينار باستثناء العطل وغيرها".
ويضيف عيدان: "بعد تحويلنا إلى عقود بأجر دائم ضمن قرار 315 انخفضت الرواتب إلى دون هذا الحد"، لافتا إلى أن "الرواتب قد تخضع في بعض الأحيان إلى رأي وطبيعة البلدية والمنطقة ولا يوجد نظام محدد للرواتب".
ويلفت العامل إلى "المحاصصة تدخل أيضا ضمن هذا العمل، فمن لم يرتبط بحزب لن يتم رفع اسمه للتعيين ويبقى عاملا بأجر يومي أو قد يتم استبداله"، مشيرا إلى أن "التعيينات شابها فساد كثير، فعلى سبيل المثال أن مدير البلدية يرفع 100 اسم للتعيين بينما الموجود الفعلي من عمال النظافة لا يتجاوز عددهم 50 عاملاً"، فيما يوضح أن "رواتبنا قليلة ولا تكفي للواقع المعيشي وقد طالبنا مرات كثيرة بزيادة الرواتب لكن لم نلق أذانا صاغية".
يشار إلى أن معلومات كشفت في تقرير سابق أسباب تراكم النفايات في الأزقة والأماكن العامة، وبحسب مسؤولي بلديات فأنهم عزوا الأمر إلى "الفساد والرشى" ونقص في الآليات والأيدي العاملة و"الإهمال" الحكومي.
وكان المتحدث باسم أمانة بغداد محمد الربيعي، كشف في 13 من نيسان أبريل الحالي، أن العاصمة بغداد تفرز 9 آلاف طن من النفايات يومياً، 65 بالمئة منها مواد عضوية وهي بقايا الطعام، أما النسبة المتبقية فهي مواد غير عضوية، فيما أشار إلى أن قضية الحد من رمي النفايات بغير أماكنها المخصصة لها، موجودة ضمن القوانين النافذة وهي قانون 13 وقانون 154 وقانون 68 الخاصة بالنفايات، ولكن المشكلة تكمن في تطبيق القانون، فهو يحتاج لمليوني كاميرا في بغداد لرصد ومعاقبة المتجاوزين.
من جانبه، يبيّن عضو مجلس بلدية الأمين محمد الدراجي، خلال حديث لـه أن "النقابات العراقية ليست كنظيراتها في العالم، فالنقابة سابقا كان لها دور كبير، ولكن الآن لم يعد لها ذلك الدور".
ويضيف الدراجي أن "عامل البلدية كان يتقاضى راتبا قدره 320 – 328 ألف دينار شهريا، بينما يتقاضى في الفترة الحالية راتبا قدره 170 ألفا لحين إقرار الموازنة، حتى تعدل رواتبهم ضمن قرار 315 الذي ينص على تحويل العامل من صفة أجر يومي إلى اجر دائمي، ليكون بنحو 400 ألف وفقا لسلم الرواتب الجديد بالنسبة إلى البلدية".
ويشير إلى أن "وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تتابع أحوال العمال وكذلك بعض المناطق الفقيرة سواء في القرى أو خارجها، فحتى الفلاح الذي كان سابقاً أفضل من الموظف لم تعد تتوفر له الإمكانيات والمؤهلات للقيام بعمله في الزراعة".
ويؤكد الدراجي على "ضرورة أن يولي الجميع اهتماما كبيرا لهذه الطبقة، وأن يراعي الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المواطن العراقي في ظل الظرف الحالي وتنفيذ الوعود التي قطعت لهذه الشرائح جميعها".
وتعد ظاهرة حرق النفايات من الظواهر المنتشرة في العاصمة بغداد بكثرة، سواء في جنوبها الشرقي أو شمالها أو غربها، ودائما ما ترتفع غمامة سوداء تغطي سماء المنطقة مع رائحة كريهة، تستمر لساعات طوال، نتيجة لحرق النفايات.
يذكر أن هناك العديد من مشاريع إنشاء معامل لإعادة تدوير النفايات وتحويلها إلى مواد صالحة للاستخدام، مثل الأسمدة أو فرز المواد الصلبة فيها، قد طرحت خلال الأعوام الماضية، لكن في العام 2014 وبسبب الأزمة المالية والحرب على تنظيم داعش توقفت أغلبها، ما دفع أمانة بغداد إلى طمرها بالطرق التقليدية.