بات ملف غلق مخيمات النزوح، ملازما لكل حكومة عراقية منذ قرابة 8 سنوات، وفيما تسعى الحكومة الحالية لإنهائه، قلل متخصصون بالأمن والسياسة من إمكانية تحقيق هذا الهدف، نظرا للإشكالات الأمنية والاجتماعية التي تواجه النازحين، وسيطرة بعض الجهات على مناطقهم، مؤكدين أنه لا يمكن حسمه بقرار حكومي فقط.
ويقول الخبير في الشأن الأمني سرمد البياتي، خلال حديث له أن "هناك صعوبة في عودة جميع النازحين، وأن تعقيدا يكتنف هذا الملف الذي تشترك فيه مستشارية الأمن القومي ووزارة الهجرة والمهجرين، وهناك وعود حكومية كثيرة بشأن حسمه، لكن لا نعتقد أن هناك إمكانية لتطبيق تلك الوعود".
ويستبعد البياتي "الانتهاء من ملف النازحين خلال الفترة القليلة المقبلة، فهناك أسباب كثيرة تقف دون إتمامه وهناك دوافع سياسية تمنع ذلك، وهناك من لا يريد عودة النازحين لمناطقهم ومشاكل اجتماعية وقضايا تتعلق بالثأر وغيرها بسبب الآثار التي تركتها فترة تنظيم داعش الإرهابي".
ويضيف أيضا أن "بعض المناطق المحررة لا توجد فيها بنى تحتية وخدمات، أو حتى بيوت معمرة يمكن العودة لها وهذا أيضا سبب رئيسي بعدم حسم ملف النزوح في العراق، فهناك الكثير من المناطق مازالت المنازل فيها مدمرة وهي بلا أي خدمات أساسية بسبب الأعمال الحربية، والوعود الحكومية، التي تعلن بين حين وآخر لا يمكن تنفيذها".
وكانت وزيرة الهجرة والمهجرين إيفان فائق جابرو، أكدت يوم أمس لسفير الاتحاد الأوروبي إلى العراق فيلا فاريولا، أن الحكومة تولي اهتماماً كبيراً بإعادة النازحين إلى مناطق سكناهم، وهناك خطة الطوارئ التي أعدتها الوزارة كفيلة لتشجيعهم على العودة الطوعية إلى مناطق سكناهم الأصلية.
كما التقى فاريولا، وزير العمل أحمد الأسدي، وأكد الأخير أن الحكومة حريصة على إنهاء ملف النازحين وإعادتهم لمناطقهم خلال 6 أشهر.
من جهته، يرى المحلل السياسي علي البيدر، خلال حديث له أن "ملف عودة النازحين شائك، إذ يحتاج لإعمار المناطق المتضررة وإخراج بعض الفصائل المسلحة الرافضة لعودة النازحين، مع وجود إرادة سياسية حقيقية لحسم هذا الملف بشكل نهائي، وهذه الإرادة غير موجودة حالياً، فلا يمكن حسم هذا الملف بقرار حكومي دون إعادة الأمور إلى طبيعتها".
ويعتقد البيدر أن "الحل بحاجة إلى بصمة دولية، في ظل الأجواء الشائكة التي يعيشها العراق، فلا توجد خطط حكومية حقيقية لحسم هذا الملف بشكل فعلي وواقعي، فهناك أكثر من طرف مستفيد على بقاء ملف النزوح دون أي حسم حقيقي، وفي مقدمتهم وزارة الهجرة والمهجرين التي تمرر بعض المشاريع غير الجادة في إغاثة النازحين، إضافة لذلك أن هناك جماعات مسلحة تستثمر وجود النازحين بقضية الاستحواذ على ممتلكاتهم ومناطقهم واستثمارها اقتصاديا، كما هناك أطراف سياسية داخل المكون السني تعمل على إبقاء هذا الملف دون حسم، لمصلحة سياسية وانتخابية، واستخدام هذا الملف كوسيلة ضغط سياسي للحصول على دعم ومساندة دولية".
ويضيف أن "حسم ملف النزوح في العراق يتطلب البيئة المناسبة السياسية والأمنية والإعمار والخدمات وفرص العمل، وهناك أثر كبير في إجراء تغيير ديموغرافي في هويات بعض المناطق السياسية، ويبدو أن المنظومة السياسية لم تعد تهتم كثيرا بهذا الملف، ولهذا نقول يجب أن تكون هناك بصمة دولية لحسمه في المستقبل البعيد وليس القريب".
وكانت وزارة الهجرة، أعلنت في عام 2021، إغلاق كافة المخيمات باستثناء التابعة لإقليم كردستان ودعته لإغلاقها، لكن مسؤولين في الإقليم أكدوا أنهم غير قادرين على إغلاق المخيمات دون أن يتم إعمار مدن النازحين، وفقا لتقرير موسع تناولته وسائل اعلامية فيه الموضوع.
وكان برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، أعلن قبل أكثر من عام، عن تقديم فرنسا دعماً مالياً إضافياً للعراقيين العائدين لمناطقهم بمقدار 882,425 يورو، وهو يشمل 27 ألف عراقي، ويهدف إلى تحسين الحقوق والظروف المعيشية التي تسهم في عودة مستدامة للعائلات من منطقتي سنجار والبعاج، التي لا تزال الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية إحدى العقبات الرئيسة التي قد تمنع العديد من المهجرين من العودة إلى مناطق سكناهم الأصلية.
وكانت وزارة الهجرة كشفت سابقا، أن مخيمات النزوح في إقليم كردستان تضم 27 ألف عائلة.
وفي العام 2014 وبعد سيطرة تنظيم داعش على محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وأجزاء من كركوك، اضطر 5 ملايين مواطن على النزوح داخل البلد، في أكبر موجة نزوح شهدها العراق، وتركزت العوائل النازحة في إقليم كردستان، فضلا عن توجه الكثير من أهالي الأنبار إلى العاصمة بغداد ومحافظات كربلاء والنجف المحاذية لها، وتم فتح المساجد والمدارس لإيواء النازحين، وذلك بالتنسيق مع المنظمات الدولية التي وفرت سبل العيش الأساسية لهم.
بالمقابل، يؤكد الخبير المختص في الشأن السياسي والأمني فاضل أبو رغيف، خلال حديث له، أن "حكومة محمد شياع السوداني نجحت في بداية إنهاء ملف النزوح في العراق، خصوصاً أنها تولي اهتماما حقيقيا للنازحين في الخازر وحسن شام والجدعة وفي مخيمات أخرى موجودة عند أطراف محافظة نينوى، من خلال تسيير بعض الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية، وتحسين هذه المواد، ومضاعفة الكمية اللازمة لهم".
ويبين أبو رغيف أن "حكومة السوداني تسيّر بشكل مستمر صهاريج من النفط الأبيض، وهذا يدل على أن هناك جدية وفق هذه المعطيات، وهناك إشارات على أن الحكومة تنوي إنهاء ملف النزوح في العراق خلال المرحلة المقبلة، ووفق خطط مدروسة على مختلف الأصعدة".
ويفيد بأن "هناك عوائق تعترض حسم ملف النزوح، أهمها أن تلك العوائل النازحة مرفوضون من قبل أهالي المناطق المحررة، لوجود مشاكل تتعلق بقضايا الثارات، لكن رغم ذلك حكومة السوداني تنوي خلال الستة أشهر المقبلة إنهاء هذا الملف، لكن هذه المرة بطريقة إرضائية من خلال استدعاء العنصر العشائري والسلم المجتمعي لغلق هذه المخيمات".
وفي العام 2017، أعلن النصر على تنظيم داعش، وتحرير كافة الأراضي العراقية بعد عمليات أمنية كبرى، اشتركت في مختلف التشكيلات الأمنية، ما خلق ضرورة إعادة المدن المدمرة من قبل داعش، فضلا عن التدمير الذي لحقها جراء العمليات العسكرية خلال التحرير، وقد انطلقت الكثير من الحملات والمؤتمرات المحلية والدولية لإعادة الاعمار، بهدف غلق مخيمات النزوح.
يذكر أن من أبزر المؤتمرات الساعية لإعادة إعمار البلد، هو مؤتمر الكويت الدولي لإعادة إعمار العراق، الذي عقد في شباط فبراير 2018، وحصل فيه العراق على منح قيمتها 30 مليار دولار، وشكلت في وقتها ما نسبته 34 بالمائة من الاحتياج الفعلي للبلد، حيث طرحت الحكومة العراقية في وقتها برئاسة حيدر العبادي، مبلغ 88.2 مليار دولار لإعادة الاعمار، وتصرف على مدى 10 سنوات.