اتفاق غامض وعجول، وقّعته الحكومة العراقية مع نظيرتها الإيرانية، في محاولة لتحسين واقع الكهرباء عبر ضمان استمرار تدفق الغاز الإيراني، في خطوة رآها متخصصون، تنطوي على مخاطر عالية، من بينها ما قد يُفسّر التفافا على العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، وفيما اختلفوا بشأن آلية تسليم النفط الأسود والخام إلى إيران، وصف مراقب الاتفاق بـ"السياسي" لإنقاذ حكومة السوداني من الغضب الشعبي.
ويقول الخبير في الشأن النفطي حمزة الجواهري، إن "الاتفاق بين العراق وإيران فيه غموض ومشاكل، فقضية إعطاء بغداد النفط الخام لطهران غير ممكنة، فالنفط الخام يباع وفق ضوابط أوبك، كما أن إيران نفسها تملك النفط الخام ولا تتمكن من بيعه، ولذا لا يمكنها أخذ النفط الخام العراقي مقابل تصديرها الغاز".
ويضيف الجواهري، أن "المقصود في الاتفاق ما بين إيران والعراق، والذي يشوبه الكثير من الغموض، هو النفط الأسود، فالعراق ينتج من هذا النفط ما يقدر بـ400 ألف طن يوميا، ويستخدم منه ما يقارب 120 ألف طن لأغراض مختلفة، وهنا قد يبيع المتبقي (280 ألف طن) لصالح ايران من خلال المنصات البحرية في الخليج".
ويتابع "الموقف الأمريكي من هذا الاتفاق غير معلوم، خصوصا وأنه يعني بيع النفط الأسود في الخليج بالدولار وتسليم الأموال لإيران مقابل تدفق الغاز، وتسليم الدولار لإيران هو أساس المشكلة، ولذا ينطوي هذا الاتفاق على غموض على الحكومة توضيحه".
وكانت الحكومة العراقية، قد أعلنت أمس الأول الثلاثاء، عن توقيع اتفاق مع الجانب الإيراني، وحسب الإعلان الرسمي فإنه بموجب الاتفاق تتم مقايضة الغاز الإيراني المستورد والمشغّل لمحطات إنتاج الطاقة الكهربائية، بالنفط الخام العراقي والنفط الأسود، وذلك بعد مفاوضات استمرت أياماً عدة، فيما وصف البيان الحكومي الاتفاق بأنه لـ"تفادي مشكلات التمويل وتعقيدات العقوبات الأمريكية التي حالت دون استمرارية تسديد متطلبات الاستيرادات".
يشار إلى أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ظهر بمؤتمر صحفي أمس الأول، وسرد الخطوات الحكومية منذ توليه المنصب لحل أزمة الكهرباء، ومنها التعاقدات مع الشركات العالمية مثل سيمنز وتوتال وغيرها، فضلا عن التوجه لاستثمار الغاز، فيما أكد أن الاتفاق مع الجانب الإيراني لإنهاء المشكلة بالكامل، هو ضمن السياقات الرسمية والقانونية، وضمن التزامنا في إنتاج النفط وفق حصة أوبك.
كما كشف السوداني، أنه في ضوء الاتفاق تم استئناف استيراد الغاز الإيراني، وإطلاق 10 ملايين متر مكعب، ومن المؤمل أن تتصاعد، حتى تكتمل الكمية المتعاقد عليها، التي تمكّن وزارة الكهرباء من تشغيل كامل المحطات الكهربائية.
ومنذ أيام، ومع ارتفاع درجات الحرارة، بدأت الكهرباء بالتراجع بشكل كبير في مختلف مدن البلاد، وخاصة محافظات الوسط التي شهدت انقطاعا شبه تام، مع عدم التزام أصحاب المولدات الأهلية بالتسعيرة وساعات التشغيل المتفق عليها، ما وضع المواطن بأزمة كبيرة، لاسيما وأن درجات الحرارة بدأت بتجاوز الـ50 درجة مئوية، وتصدرت البصرة أعلى درجة حرارة في العالم على يومين متتاليين.
من جهته، يبين الخبير في الطاقة كوفند شيرواني، أن "التصريح الرسمي العراقي، أشار إلى أن الاتفاق مع الجانب الإيراني، ينص على تسليم إيران النفط الأسود مقابل الغاز، خصوصاً وأن لدى العراق فائضا من النفط الأسود، وهنا لا نعتقد أن الاتفاق هو بيع النفط الأسود في الخليج وتسليم أمواله لإيران، فهذا الأمر سيكون فيه التفاف على العقوبات الأمريكية، وقد يتسبب بمشاكل عديدة للعراق".
ويؤكد شيروان، أن "الاتفاق حتى الساعة ما زال فيه شيء من الغموض وعدم وضوح، خصوصاً وأن إيران تبيع الغاز للعراق بأسعار مرتفعة وأعلى من السعر العالمي بكثير جداً، لذلك يجب مراجعة هذا السعر مقارنة مع أسعار النفط الأسود، فبقاء أسعار الغاز الإيراني المباع للعراق بأسعار عالية مع إعطاء قيمته من النفط الأسود، ستكون له أضرار وخسائر اقتصادية للعراق بما لا يقبل الشك".
وكان وزير الكهرباء زياد علي فاضل، أعلن يوم الاثنين الماضي، أن انخفاض تجهيز الطاقة جاء بعد تحقيق أعلى إنتاج بمعدل 26 ألف ميغاواط، لكنه انخفض لـ20 ألفا و600 ميغاواط بسبب نقص الغاز، وبمجرد عودة الغاز سيرتفع معدل الإنتاج وتعود ساعات التجهيز كما كانت.. وهناك مباحثات معمقة مع الجانب الإيراني بشأن إمدادات الغاز، خاصة وأن الوزارة سددت الديون بالكامل إلا أن القضايا المتعلقة بمصرف الـTBI بسبب العقوبات الأمريكية تمنع تحويل المبالغ لإيران.
وخلال الأيام الماضية، أثير لغط كبير حول ملف الكهرباء، وتصدرت الترند بمواقع التواصل الاجتماعي، حيث تم تحميل واشنطن مسؤولية تردي الكهرباء، من خلال عرقلتها إرسال الأموال العراقية لإيران، وهي مستحقات استيراد الغاز، وهذا التوجه صدر من المقربين من الإطار التنسيقي، لكن بمقابله صدرت العديد من المواقف التي أشارت إلى فشل الحكومة بوعدها، ما دفع قوى الإطار إلى إلقاء اللائمة على أمريكا للهرب من تحمل المسؤولية.
يشار إلى أن المستشار في الاقتصاد والنقل الدولي زياد الهاشمي، أكد في تغريدة له يوم أمس، أن "العراق يخسر بكل الاحوال الاستفادة من أي قيمة مضافة للنفط، في غياب الصناعات التكريرية والتحويلية والبيتروكيماوية، لذلك فإن تصدير النفط بالآلية الحالية هو خسارة فرص كبيرة لإضافة قيمة لزيادة العوائد، سواء كان التصدير لآسيا أو عبر تركيا أو حتى ايران من خلال الاتفاق الجديد".
ويعتمد العراق على الغاز الإيراني في تشغيل محطات الطاقة الكهربائية، حيث يحصل على استثناءات دورية من واشنطن لاستيراد الغاز الإيراني، نظرا للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
بالمقابل، يرى الخبير الاستراتيجي أحمد الشريفي، أن "الاتفاق العراقي الإيراني الأخير هو اتفاق سياسي أكثر مما هو اتفاق اقتصادي، فهذا الاتفاق يراد منه رفع الحرج عن حكومة الإطار التنسيقي، بعد الإخفاق الكبير بملف الكهرباء مع ارتفاع درجات الحرارة، رغم كل الوعود الحكومية السابقة".
وينوه الشريفي، إلى أن "استمرار أزمة الكهرباء دون حلول حكومية حقيقة، ينذر بعودة التظاهرات الشعبية، وهذا الأمر دفع حكومة السوداني لإيجاد حلول سريعة للأزمة حتى ولو بشكل مؤقت، وإيران عملت على دعم حكومة السوداني بهذا الملف لرفع الإحراج عنها".
ويلفت إلى أن "الموقف الأمريكي يبقى هو من سيحدّد مصير هذا الاتفاق، وحتى الآن موقف واشنطن غامض، ويمكن أن تعتبر الولايات المتحدة هذا الاتفاق التفافا على العقوبات المفروضة ضد إيران، لكن الأيام المقبلة ستكشف فيها كافة التفاصيل والمواقف".
يذكر أن وزير النفط حيان عبدالغني، وقع قبل يومين، أربعة عقود مع توتال الفرنسية لمشاريع تطوير ونمو النفط والغاز المتكامل، ومنها مشروع لاستثمار الغاز المصاحب بطاقة 600 مليون قدم مكعب في اليوم، وآخر خاص باستثمار الطاقة الشمسية بطاقة واحد كيغاواط أي 1000 ميغاواط، حسب البيان الرسمي.