منذ نحو شهرين والحديث في الأوساط العراقية يدور حول زيارة مرتقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق، وما يمكن أن تتمخض عنه هذه الزيارة التي تتضمن أجنداتها ملفات عالقة عدة، وما إذا كانت ستعود بالنفع على بغداد أم أن ثمارها ستجنيها أنقرة، وفيما يؤكد مختصون أن الزيارة فرصة يجب على الساسة العراقيين توظيفها بشكل جيد، يرى آخرون أن العراق يفتقر لأوراق الضغط والمساومة.
ووصل أمس الأول الخميس، وفد تركي رفيع المستوى في زيارة رسمية إلى العاصمة العراقية بغداد، يضم وزيري الخارجية هاكان فيدان، والدفاع يشار غولر، ورئيس جهاز المخابرات إبراهيم كالن.
ويقول رئيس المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية غازي فيصل، خلال حديث لـه إن “الزيارات المتبادلة ما بين المسؤولين العراقيين والأتراك لها أهمية كبيرة بالتأكيد، خاصة في ظل وجود ملفات عالقة مختلفة بين البلدين، لم تحل منذ فترة طويلة”.
ويضيف فيصل، أن “هكذا زيارات تسعى إلى تقريب وجهات النظر ومناقشة الحلول التي يمكن أن يتفق عليها الطرفان لحلّ الخلافات العالقة خاصة بملفيّ المياه والأمن، إضافة إلى ملف تصدير النفط العراقي عبر ميناء جيهان التركي، فهذه الملفات الثلاثة سوف تكون بصدارة المباحثات ما بين بغداد وأنقرة”.
ويشدد بالقول إن “على العراق العمل بشكل حقيقي لحلّ الملفات العالقة، وعدم جعل هكذا زيارات بروتوكولية فقط، فهناك أزمة جفاف كبيرة وخطيرة يجب وضع حلول لها، ولابد من حصول العراق على حصته المائية بشكل عادل، وكذلك الضربات التركية يجب أن تتوقف لما تشكل من تهديد وانتهاك لسيادة العراق”.
وكان وزير الخارجية فؤاد حسين، نشر على موقع “إكس” (تويتر سابقا)، تغريدة أعلن فيها: استقبلت وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في بغداد، وهذه الزيارة تعكس عمق العلاقات الثنائية بين العراق وتركيا.. نتطلع إلى مباحثات مثمرة تفتح آفاقا جديدة لتعاون استراتيجي في مختلف المجالات، من شأنها تعزيز الأمن والازدهار لشعبينا والمنطقة.
ويرتبط العراق مع تركيا بملفات كثيرة، تشمل كافة المجالات، ولعل أهمها ملف المياه، حيث قلّلت تركيا الإطلاقات المائية للعراق بشكل كبير، وبلغت نسبة ما يرده 30 بالمئة فقط من استحقاقه الأساسي، وذلك عبر بنائها السدود على نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية.
ولا توجد اتفاقية مياه بين العراق وتركيا، بل بروتوكولات تم توقيعها بين الجانبين على مر العقود الماضية تتعلق بحصص المياه العابرة إلى الأراضي العراقية.
والملف البارز الآخر، هو الأمني، المتمثل بتنفيذ أنقرة عمليات عسكرية واسعة عبر الطيران والتوغل البري، في إقليم كردستان، بهدف ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه أنقرة على أنه إرهابي.
وبهذا الصدد، يرى المحلل السياسي أحمد الشريفي، خلال حديث لـه أن “العراق ما زال يفتقد لأوراق الضغط على تركيا من أجل حسم الملفات العالقة منذ سنين طويلة خاصة ملف المياه والأمن، فالعراق يمكن أن يستخدم الورقة الاقتصادية تجاه أنقرة لتحقيق جزء مما يريده من تركيا”.
ويبين أن “كل زيارات المسؤولين الأتراك إلى بغداد وكذلك زيارات المسؤولين العراقيين إلى أنقرة دائما ما تكون حوارية دون اتخاذ أي قرارات واتفاقيات ملزمة التنفيذ للطرفين، ولذا نعتقد أن هذه الزيارة لن تكون مختلفة عن الزيارات السابقة، فهي حوارية ونقاشية دون اتفاقات حقيقية”.
ويستدرك الشريفي، أن “زيارة الرئيس التركي المرتقبة نهاية الشهر الجاري، ربما تكون مختلفة عن الزيارات السابقة، فهناك إمكانية حصول اتفاقات جديدة بملفات مختلفة، وربما الزيارة الحالية للوفد التركي هي لترتيب أوراق زيارة الرئيس التركي والاتفاق على الملفات التي سوف يناقشها مع المسؤولين العراقيين”.
ويعد العراق في صدارة البلدان المستوردة من تركيا في مختلف المجالات، كما أن الشركات التركية وطوال العقدين الماضيين كان لها الحصة الأكبر من المشاريع الاستثمارية في العراق، كما أن تركيا هي الوجهة السياحية والعلاجية والتجارية للعراقيين، كما أنهم الأكثر شراء للعقارات التركية على مدى سنوات عدة.
جدير بالذكر، أنه منذ مطلع العام 2021، صعدت تركيا من عملياتها في العراق بشكل كبير، ونفذت العديد من عمليات الإنزال الجوي، فضلا عن إنشاء نقاط أمنية بعد دخول قواتها البرية لمناطق مختلفة من دهوك ونينوى، إضافة إلى إعلانها عن إنشاء قاعدة عسكرية جديدة في الأراضي العراقية، وذلك بهدف ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، وخاصة في قضاء سنجار بنينوى.
وفي تموز يوليو 2022، قصفت القوات التركية مصيفا سياحيا في قرية برخ التابعة لقضاء زاخو بمحافظة دهوك، ما تسبب بإصابة ومقتل 31 مدنيا أغلبهم من النساء والأطفال، وسط تأكيدات شهود عيان في المنطقة بأن هذا المصيف يقع عند حدود زاخو وتحيط به نقاط القوات التركية، ولا يشهد أي نشاط إرهابي من قبل أي جماعة.
وتقدم العراق بشكوى لدى مجلس الأمن الدولي بشأن القصف التركي آنذاك، وعقد المجلس جلسة في 26 تموز يوليو من العام الماضي، وفيها أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أن الأدلة من موقع الاعتداء على مصيف دهوك، تضمنت شظايا مقذوفات مدفعية ثقيلة، هي ذاتها التي يستخدمها الجيش التركي، وأن هناك حالة من الغضب الشعبي العارم الذي يجتاح العراق من الجنوب إلى الشمال بسبب الاعتداء التركي.
بدوره يشير المحلل السياسي المقرب من الإطار التنسيقي كاظم الحاج، خلال حديث لـه إلى أن “هناك جدية من قبل حكومة السوداني لحسم الملفات العالقة مع دول الجوار، وخاصة تركيا لوجود ملفات حساسة تتعلق بالمياه والأمن، والزيارات المتبادلة هي للتوصل إلى اتفاقات تحسم هذه الملفات”.
ويوضح الحاج، أن “زيارة الوفد التركي، أكيد ستكون لها نتائج على مستوى العلاقات والملفات العالقة، وهي مقدمة لما سيتم الاتفاق عليه ما بين بغداد وأنقرة خلال زيارة الرئيس التركي المرتقبة إلى العراق نهاية الشهر الجاري، فالزيارة ستكون مهمة، وليس بطابع برتوكولي”.
ويختم بالقول، إن “ملف الأمن والمياه له أولية كبرى لدى السوداني وحكومته، خاصة وأن هناك تحركا دبلوماسيا عراقيا حقيقيا يهدف إلى إنهاء الوجود التركي غير الشرعي في شمال العراق، وإيقاف أي عدوان تركي على سيادة العراق، وهذا الأمر سيكون من خلال مسك الحدود، لمنع أي حجج لأنقرة لمهاجمة العراق عسكريا”.
يشار إلى أن حزب العمال الكردستاني التركي الذي تصنفه أنقرة كمنظمة إرهابية يتواجد منذ ثمانينيات القرن الماضي في الأراضي العراقية، وتحديدا في سلسلة جبال قنديل المحاذية للحدود التركية الإيرانية، وفي قضاء مخمور الذي كان تابعا لمحافظة نينوى قبل العام 2003 قبل أن تضمه محافظة أربيل إليها، وبعد هذا التاريخ توسع وجود الحزب في إقليم كردستان، ومن ثم في محافظة نينوى وتحديدا قضاء سنجار بعد تحريره من تنظيم داعش، كما امتد تواجد الحزب إلى مناطق في محافظة كركوك.