يوما بعد آخر تأخذ العمليات العسكرية التركية لمطاردة حزب العمال الكردستاني، شمالي البلاد، مساحات وجغرافية جديدة لتفجر أزمات إنسانية وموجات نزوح، وسط مخاوف أن تصل هذه العمليات إلى مراكز المدن في الإقليم.
وفيما يتوقع باحث في السياسات الاستراتيجية، توسع تلك العمليات، استبعد أن تصل إلى المراكز الحيوية في مدن الإقليم، في وقت أرجعها مراقب سياسي إلى “الاستعراض” و”الغطرسة” التركية.
ويحذر المحلل السياسي علي البيدر، خلال حديث لـه من “تفاقم آلة الحرب في شمالي العراق، لأن هكذا عمليات بالتأكيد ستشهد حالات انتهاك لحقوق الإنسان، وضررا في الواقع الخدمي والصحي، ونوعا من التجاوز على السيادة، وهذا الأمر معلوم في الحروب والأزمات، كون الحرب لن تنتج إلا المزيد من الفوضى”.
ويعزو التوغل والتقدم العسكري للقوات التركية، إلى “التعالي التركي الذي يتجاوز أحيانا الموقف العراقي ووجهة نظره، إذ تريد تركيا تنفيذ كل ما تستطيع أو حتى الاستعراض بتخويف الخصوم، وجعل الجميع يشعر بالذعر”.
ويؤكد البيدر، أن “الجانب التركي لن يتوانى عن إحداث الضرر، ولن يراعي حقوق الإنسان، وهو ما قد يغيّر الوضع، وقد تكون هناك ردات فعل من حزب العمال الكردستاني إذا ما وصلت القضية إلى الصدام المسلح، إذ يمكن أن نكون أمام مزيد من الخسائر والأضرار”.
وأُجبر أهالي العديد من القرى في دهوك على النزوح جماعيا بحثا عن مكان آمن لهم، جراء الاشتباكات التي تصاعدت حدّتها أخيرا بين الجيش التركي ومسلحي العمال الكردستاني في مناطق من المحافظة.
وفي آخر التطورات أخلى الأهالي قرية “تي شمبي” التي تسكنها عشرات العائلات المسيحية، وتقع بجوار قرية مسكا في ناحية “كاني ماسي” التي تعد في قلب العمليات العسكرية، إذ شهدت في اليومين الأخيرين اشتباكات عنيفة بين الجيش التركي والعمال الكردستاني، تسببت في حرائق وأضرار في مساحات زراعية داخل القرية وقربها.
وكانت منظمة السلام العالمي الأميركية (CPT) قد أكدت نزوح 182 عائلة، وأن 602 قرية مهددة بالإخلاء منذ أقل من شهر واحد، بسبب العمليات العسكرية في القرى الحدودية التابعة لمحافظة دهوك، مؤكدة أنه وفقاً لإحصائيات المنظمة، فإن الجيش التركي قصف إقليم كردستان 285 مرة خلال الفترة من 15 حزيران يونيو إلى 11 تموز يوليو الجاري، ومعظمها في حدود محافظة دهوك.
من جهته، يذكر الباحث في السياسات الاستراتيجية، كاظم ياور، خلال حديث لـه إن “بيانات الجانب التركي قبيل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لبغداد كانت تعلن أن هذا الصيف سيشهد تأمين المنطقة الحدودية مع العراق، ولن يكون فيها أي تواجد لعناصر حزب العمال وبعمق 30 – 40 كيلومترا داخل الأراضي العراقية”.
ويضيف ياور: “بعد الزيارة واللقاءات التي أجراها أردوغان بالمسؤولين العراقيين، لم تكن هناك مواقف معاكسة، بل ثمة مؤشرات رسمية على تنسيق مشترك، من خلال عقد اتفاقيات ومذكرات تفاهم، منها في المجال الأمني”، لافتا إلى أن “العمليات الحالية هي ضمن ما تم التفاهم عليه بين العراق وتركيا، وهي تتعلق ببناء المشاريع الاقتصادية المشتركة، إذ أكدت تركيا بأن هذه المشاريع لا يمكن أن تتأسس إلا إذا كانت هناك منطقة آمنة ومستقرة”.
ويتابع أن “العراق يدرك استراتيجيا أهمية أن تكون هذه المنطقة آمنة على مستوى مشاريعه الاقتصادية، لكنه يبحث عن تنسيق تام، لاسيما أن القطعات العسكرية العراقية غير كافية أو غير متواجدة في هذه المناطق لأسباب مختلفة، ولكن تركيا لا تستطيع تحمل مزيد من السنوات لكي تنتظر تطور القوات القتالية العراقية وتواجدها في هذه المناطق”.
ويرى أن “موقف العراق اليوم متعاون، وقبل يومين أرسلت بغداد وفدا أمنيا رفيعا من وزارة الدفاع والجهات الأمنية الأخرى إلى أربيل لبحث المواقف التنسيقية العالية مع إقليم كردستان والجانب التركي”.
ويتوقع الباحث في السياسات الاستراتيجية، أن “هذه النشاطات التركية من الممكن أن تتوسع مستقبلا ولكن لن تصل ضمن مراكز المدن، ولا تعتبر أنها انتهاك للسيادة ما دام أنها تجري بتنسيق بين البلدين، ولا تحتوي بيانات الحكومة التركية على خطط توسعية أو استعمارية”.
وعلى الرغم من الصمت الحكومي الرسمي، فإن مستشار رئيس الوزراء، إبراهيم الصميدعي، كشف الأسبوع الماضي أن “هناك تنسيقا مع الحكومة العراقية بخصوص العمليات العسكرية للجيش التركي في إقليم كردستان”، في وقت أورد تقرير تركي، أن هناك اتفاقا تركيا مع العراق بشأن إنشاء مركز سمي بـ”مركز الكفاح المشترك والعمليات المشتركة” ضد حزب العمال الكردستاني، ويشمل مركز عمليات مشتركة و27 مركز شرطة على الحدود التركية لمحافظتي دهوك وأربيل.
لكن من جهته، يشير المحلل السياسي، عائد الهلالي، خلال حديث لـه إلى أن “الحكومة أعلنت بشكل صريح موقفها الرافض لكل أنواع التدخل التركي وانتهاك السيادة العراقية، وقد أرسلت وفدا إلى إقليم كردستان وكانت هناك غرفة عمليات لتنسيق المواقف”.
ويضيف الهلالي، أن “تركيا تعاني كثيرا من تواجد حزب العمال، وهي تعتقد أن الفرصة مؤاتية الآن لتحقيق ضربات لعناصر حزب العمال الكردستاني (PKK) المعارض، وهي تدرك أنها غير قادرة على القضاء عليه، فهو حزب عريق ولديه معرفة كافية بجغرافية المنطقة الحدودية التي يتواجد بها منذ خمسينيات القرن الماضي”.
ويشدد على ضرورة أن تكون “هناك تفاهمات بين العراق وتركيا وإيران وسوريا وإقليم كردستان لتحقيق اتفاق أمني واتفاقات أخرى لتعضيده، وهي الاتفاقات الاقتصادية، لذا يجب أن تكون هناك رؤية لإيقاف التدخل العسكري التركي ومن ثم الحد من نشاط حزب العمال من خلال تزويد القوات العراقية بأسلحة متطورة”، معتقدا أن “تركيا لن تفرط بالاتفاق الاقتصادي، لذا من المتوقع أن تتراجع عملياتها العسكرية في الفترة المقبلة”.