خطت حكومة محمد شياع السوداني، خطوتها الثالثة في طريق تطبيق المادة 140 الخاصة بتطبيع الأوضاع في المناطق المتنازع عليها بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، تمهيدا لخطوات مقبلة في ذات السياق، الذي قد يستغرق سنوات عدة، وفقا لسياسيين.
الحزب الديمقراطي، وعبر عضو فيه، أكد أنه متابع لخطوات تنفيذ هذه المادة، وفقا للاتفاق السياسي الذي نتج عنه تشكيل هذه الحكومة، وهو ما لم ينفه الإطار التنسقي، الذي أكد أن تطبيق المادة قضية دستورية، لكن مراقبا وجد أن تطبيق المادة بالكامل "صعب" وستبقى ورقة ابتزاز خلال المفاوضات السياسية.
ويقول القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني وفاء محمد كريم، خلال حديث لـها إن "تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي، كان ضمن مطالب القوى السياسية الكردية لتشكيل ائتلاف إدارة الدولة المشكل لحكومة السوداني، وهذا المطلب دائما ما تؤكد عليه الكتل الكردستانية".
ويضيف كريم، أن "السوداني وحكومته لديهم الجدية الحقيقية على عكس الحكومات السابقة التي كانت دائما ما تسوف وتماطل في تنفيذ الاتفاقات السياسية، خصوصاً المادة 140، الواردة في الدستور"، مؤكدا أن "قيادة الحزب الديمقراطي تتابع تنفيذ كامل فقرات هذه المادة الدستورية، فهذه المادة لا تتساقط في تقادم السنين، كما يريد البعض الترويج لذلك".
وكان رئيس لجنة تطبيق المادة 140، هادي العامري، أصدر توجيها لوزارة الزراعية، عبر كتاب رسمي تسرب يوم أمس، وهو يحمل تاريخ 16 تشرين الثاني نوفمبر الحالي، تضمن تخصيص أراض زراعية للمزارعين العرب في كركوك في محافظاتهم الأصلية، بعد إلغاء قرار تمليكهم لأراض تابعة لغير العرب.
وتنفيذا للمادة 140، كان قد وافق مجلس الوزراء، في آذار مارس الماضي، على قيام الدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، بإعداد مشروع قانون تعديل قانون مؤسسة الشهداء (2 لسنة 2016)، بما يفيد (عدم شمول الشهداء بإجراءات المساءلة والعدالة)، وشمول عوائل الشهداء من البيشمركة والأجهزة الأمنية في المناطق التي تقع خارج إقليم كردستان في قانون المؤسسة المذكورة آنفًا، وإحالته إلى مجلس النواب.
وفي كانون الثاني يناير الماضي، أصدرت وزارة الداخلية أمرا لمديرية الجنسية والأحوال المدنية التابعة لها، يقضي بوقف عملية نقل القيود (سجل النفوس) للمناطق المتنازع عليها المشمولة بالمادة 140 من الدستور، كما نص الأمر على إعادة سجلات المواطنين الذين نقلت لهذه المناطق، إلى مناطقهم الأصلية.
ووفقا لتقرير، فإن توجيه وزارة الداخلية هو بداية لتطبيع الأوضاع في المناطق المتنازع عليها، وهناك خطوات سيتم اتباعها في المرحلة المقبلة، من أجل حسم قضية تلك المناطق وإدارتها، إما أن تكون تحت إدارة حكومة الإقليم أو الحكومة الاتحادية لفض النزاع عليها.
من جهته، يبين القيادي في الإطار التنسيقي عائد الهلالي، خلال حديث لـه، أن "تنفيذ أي فقرة في المادة 140 من الدستور العراقي، لا يعني التنازل إطلاقاً، بل هو تنفيذ وفق المواد الدستورية والقوانين النافذة، ولا يمكن تنفيذ أي شيء خارج الدستور العراقي".
ويتابع الهلالي، أن "الإطار التنسيقي لا يمكن له أو لحكومة السوداني تنفيذ أي شيء من الاتفاق السياسي يخالف النصوص الدستورية، وعلى هذا الأساس فإن الإطار لم يوقع على أي شيء يخالف الدستور في ورقة الاتفاق السياسي، بما فيها تنفيذ بعض فقرات المادة 140، فهي لا تخالف الدستور".
ويستطرد: "هناك لجان فنية وقانونية تدرس كل فقرة في المادة 140، والحكومة لا تتخذ أي قرار يخص هذه المادة، ويكون مخالفا للدستور، كما أن تنفيذ كامل بنود هذه المادة يحتاج إلى المزيد من الوقت".
يشار إلى أن المحور التنفيذي بالمنهاج الوزاري لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وفي الفقرة 15 منه، ورد التأكيد على تطبيق المادة 140 وتفعيل اللجنة الخاصة بها، خلال شهر واحد من تشكيل الحكومة، كما تضمنت الفقرات التي سبقتها، التأكيد على إعادة انتشار قوات البيشمركة وعودة الأحزاب الكردية إلى محافظات كركوك ونينوى وديالى وصلاح الدين، وإخلاء مقراتها التي شغلت من جهات أخرى، كما ورد في المنهاج.
وتعد المادة 140 من أبرز المواد الخلافية بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، حيث تطالب الأخيرة دائما بتطبيق هذه المادة الخاصة بالمناطق المتنازع عليها، بين المركز والإقليم.
وتتركز هذه المادة، حول محافظات كركوك وديالى وصلاح الدين ونينوى، وهي المحافظات التي تعرضت للتغيير الديموغرافي ولسياسة التعريب على يد النظام السابق، حيث نصت المادة على آلية تضم ثلاث مراحل: أولاها التطبيع، ويعني علاج التغييرات التي طرأت على التركيبة السكانية في كركوك والمناطق المتنازع عليها في النظام السابق وبعده، والثانية الإحصاء السكاني في تلك المناطق، وآخرها الاستفتاء لتحديد ما يريده سكانها.
من جانبه، يبين المحلل السياسي ماهر جودة، خلال حديث لـه، أن "المادة 140 عليها خلافات سياسية كبيرة وعميقة وهي مادة خلافية ما بين كل الكتل، وهناك صعوبة في تطبيقها رغم كل المحاولات طيلة السنوات الماضية".
ويلفت إلى أن "الخلاف حول المادة 140، هو حول إدارة المناطق المتنازع عليها وحدودها ومواقع انتشار قوات البيشمركة، بالتالي نعتقد أن هذا الملف هو من يعيق حسم تطبيق هذه المادة رغم كل السنين الماضية ورغم كل المحاولات السياسية"، مضيفا أن "تطبيق المادة بالكامل سيبقى معلقا لسنوات طويلة مقبلة، فلا يمكن حسم هذا الامر في ظل قوى سياسية تريد الهيمنة على مناطق مختلفة في المحافظات العراقية، في نينوى وكركوك وديالى وحتى صلاح الدين، بالتالي ستبقى هذه المادة لغرض الابتزاز السياسي في كل مفاوضات".
جدير بالذكر، أن قوات البيشمركة المنتشرة خارج إقليم كردستان، لا تأتمر بامر القائد العام للقوات المسلحة، وما تزال اوامرها تصدر من وزارة البيشمركة أو قادة إقليم كردستان، فضلا عن الاحزاب الكردية الرئيسية، إذ يملك كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، قوات بيشمركة خاصة به.
وشكلت لجان لتطبيق أحكام المادة 140، في ظل حكومة إبراهيم الجعفري، حيث أسندت رئاسة اللجنة إلى حميد مجيد موسى، وفي حكومة نوري المالكي شكلت لجنة أخرى برئاسة وزير العدل السابق هاشم الشبلي، لكنه استقال من منصبه، ثم حل محله رائد فهمي، وأسندت رئاسة اللجنة التي أعيد تشكيلها في آب أغسطس 2011 إلى رئيس تحالف الفتح ووزير النقل الأسبق هادي العامري.
وتعد كركوك من أبرز مناطق الصراع بين بغداد وأربيل، وخضعت لسيطرة الأحزاب الكردية في عام 2014 بعد أن اجتاح تنظيم داعش محافظات عدة.