09 Mar
09Mar

بعد سقوط النظام السابق في العام 2003، فرض النظام الجديد ديمقراطية اتسمت بالشكلية، تحمل شعارات تنادي بحقوق الإنسان والمرأة، بغية إدخال العراق في قائمة أصدقاء الدول المتقدمة، وتضمنت البرامج الحكومية تمكين المرأة في مفاصلها، وعلى الرغم من استحداث وزارة للمرأة ودائرة في مجلس الوزراء لها، إلا أنه على أرض الواقع لم تتحقق نتائج ملموسة، بحسب ما يؤكد مختصون، ويشيرون إلى أن هذه العناوين ما زالت تحت هيمنة العقلية الذكورية الحاكمة.
وتقول رئيسة مركز بابليات لتمكين المرأة نورس حسين، خلال حديث لـها إن “مصطلح تمكين المرأة في العراق وتضمينه في البرامج الحكومية المتعاقبة بعد 2003 ليس سوى غطاء للعقلية الذكورية الحاكمة والمشرعة”.
وتضيف حسين، “يخالف تمكين المرأة أدبيات السياسات الحاكمة، ويتنافى مع أهدافها الساعية لتثبيت جذورها، وتضمين هذا المصطلح في البرامج الحكومية الغرض منه الظهور بمظهر المهتم بحقوق المرأة أمام المجتمع الدولي ومنظمات مراقبة حقوق الإنسان في العراق.
ويصادف اليوم 8 آذار مارس، يوم المرأة العالمي، الذي يشهد احتفاء بالمرأة في كل دول العالم، وتستذكر الشعوب دورها الريادي، حصوصا ممن تركن بصمة واضحة في مجالاتهن.
وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، سبق وأن أعلن أن الحكومة تعمل على إعداد الإستراتيجية الوطنية للمرأة العراقية (2023- 2030) التي تضمنت محاور المشاركة والحماية والتمكين الاقتصادي والمحاور الاجتماعية.
يشار إلى أنه جرى استحداث وزارة الدولة لشؤون المرأة في حكومة نوري المالكي الثانية 2010 – 2014، للعناية بشؤون المرأة والنهوض بواقعها، لكن فيها 18 موظفا فقط وميزانيتها تقتصر على النثريات ودون حقيبة وزارية.
وفي آب أغسطس 2015 قرر رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي إلغاء وزارات الدولة لشؤون المرأة، وحقوق الإنسان، وشؤون المحافظات، وشؤون مجلس النواب، ووزارة دولة إضافية، تحت غطاء تقليص النفقات ضمن ما اصطلح عليه في حينها “سياسة التقشف”، وفي العام 2016 تم استحداث دائرة تمكين المرأة في مجلس الوزراء، إلى جانب شعبا وأقساما بنفس العنوان في وزارات ومؤسسات الدولة.
ويتفق عضو حزب البيت الوطني محمد الحسيني، مع ما ذهبت إليه نورس حسين، خلال حديث لـه، على أن “النساء في العراق لم يشهدن تمكينا حقيقيا على مختلف الأصعدة، خصوصا على الصعيد السياسي رغم بذل المنظمات المحلية والدولية أموالا طائلة في هذا الصدد”.
ويوضح الحسيني، أن “أسباب متعددة، أبرزها عدم وجود مشاريع سياسية حقيقية تشجع المرأة على الخوض في هذا الغمار، وحتى وجودها في المناصب الحكومية المتقدمة فهو شكلي”.
تجدر الإشارة إلى أنه باستثناء الحكومة الحالية التي تسلمت فيها طيف سامي وزارة المالية، لم تتسلم المرأة أية وزارة سيادية في جميع الحكومات السابقة، ولم تتبوأ منصب وكيل وزارة، كما أنه لا توجد سوى ست قيادات نسائية لأحزاب وحركات سياسية من أصل 294 حزبا وحركة سياسية، ووفقاً للإحصائيات الرسمية فإن النساء يتسنمن 17 بالمئة فقط من المناصب الإدارية في المؤسسات الحكومية.
وتعاني النساء في العراق من الحرمان من التعليم الجامعي لدى نسبة كبيرة منهن حيث ترى الكثير من العوائل المحافظة أن التعليم الإعدادي، وأحيانا المتوسطة كاف للمرأة، في حين هناك عوائل أكثر تشددا ترى أن التعليم الابتدائية لإتقان القراءة والكتابة هو ما تحتاجه الفتاة، في المقابل تصر عوائل أخرى على أن المراة ليست بالحاجة للتعلم من الأساس، مما أدى إلى ارتفاع نسبة الأمية في صفوف النساء، فواحدة من كل خمس نساء في العراق لا تجيد القراءة والكتابة بحسب إحصائيات وزارة التخطيط، ونسبة اللواتي يمتلكن عملا لا تتعدى الـ18 بالمئة من النساء القادرات على العمل.
وكذلك تعاني النساء من عدم تكافئ فرص العمل بحيث أن نسبة البطالة بينهن أكبر من الرجال على الرغم من أن عدد النساء في العراق يتجاوز 20 مليون امرأة، بحسب الإحصائيات مما يشكل ثروة بشرية بإمكانها تحريك العجلة الاقتصادية.
وترى القانونية ضحى الزبيدي، خلال حديث لـه، أنه “في حين يرتكز فيه تمكين المرأة على أسس عدة، قد يكون أبرزها القانونية التي تحفظ للمرأة حقوقها وتكفل عدم تمييزها سلبا من قبل المنظومة القانونية، إلا أن ذلك منعدم في العراق”.
وتشير إلى أن “التمييز ضد النساء في القوانين العراقية صارخ ولا يخجل المشرعون من السكوت عنها، بل ويرفضون تعديلها بالرغم من توقيع العراق معاهدات دولية تهدف إلى القضاء على التمييز ضد المرأة، إضافة إلى عدم دستورية هذه القوانين وسهولة الطعن بها أمام المحكمة الاتحادية”.
وتستشهد الزبيدي بالمادة 409 من قانون العقوبات العراقي التي “تستهين بحياة النساء، ويتم استغلالها لأغراض شخصية، كما أنه لغاية الآن لم يتم استحداث محكمة مختصة بالعنف الأسري رغم جهود منظمات محلية ودولية بهذا الصدد، والسبب هو عدم التوافق السياسي”.
وبين فترة وأخرى، يثار الجدل حول بعض مواد قانون العقوبات العراقي لسنة 1969، وخاصة المتعلقة بحرية الرأي والتعبير أو مقدار العقوبات الواردة فيه دون تعديلها وفق الوضع الراهن.
ومن المؤاخذات على القانون، هو الأحكام المخففة لـ”جرائم الشرف” التي تصل عقوبتها بالحبس لأشهر عدة، ووفقا للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، فإنها أكدت سابقا أن الأحكام التشريعية في القانون الجنائي العراقي، تنص على عقوبات مخففة لما يسمى بـ”جرائم الشرف”، معتبرة أن تلك الأحكام ما تزال تمييزية ضد المرأة العراقية في الوقت الحالي، ويجب على العراق مراجعة تشريعاته المحلية لإلغاء أو تعديل الأحكام التي تسمح بالعنف ضد المرأة.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة