تحدث رئيس الحكومة محمد شياع السوداني لأول مرة، عن حل الفصائل المسلحة أو دمجها ضمن الأطر القانونية، وهو حديث رآه مراقبون “واقعيا”، لافتين إلى أن قرار الحل كان قد اتخذه الإطار التنسيقي على الرغم مما يسببه من حرج للسوداني أمام الفصائل نفسها وإيران التي تدعمها، وفيما أكد مقرب من رئيس الحكومة مواجهته لعدة تحديات جراء القرار، رأى آخرون أن قرار الحل جاء بعد استشعار القوى الشيعية خطر العقوبات الأمريكية، خاصة بعد وصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة.
وقال السوداني، أمس الثلاثاء، في حديث متلفز، إن الحكومة تعمل على دمج الفصائل المسلحة ضمن الأطر القانونية والمؤسساتية، مؤكدا عزمها على بناء عراق جديد يستند إلى إرثه الحضاري.وتعقيبا على ذلك، يقول المحلل السياسي المقرب من رئيس الحكومة، عائد الهلالي، خلال حديث ”، إن “تصريح السوداني حول دمج الفصائل المسلحة ضمن الأطر القانونية قد يضعه في موقف حرج مع إيران والفصائل التي تدعمها، فالعديد من الفصائل المسلحة التي تشارك في الحشد الشعبي، والتي تمت الإشارة إليها ضمن هذا التصريح، تحظى بدعم مباشر من إيران، ولها علاقة وثيقة بالسياسات الإيرانية في المنطقة”.
ويجمل الهلالي مجموعة تحديات قد يواجهها السوداني، في هذا الملف، منها “مواجهة النفوذ الإيراني داخل العراق”، إذ يرى أن “إيران تعتبر نفسها أحد اللاعبين الرئيسيين في العراق، ولها تأثير كبير على العديد من الفصائل المسلحة، ومحاولة دمجها قد تتعارض مع مصالح طهران في المنطقة، وقد تؤدي إلى توترات بين الحكومة العراقية من جهة وإيران والفصائل الموالية لها من جهة أخرى، كما أن هذه الفصائل قد ترى في التصريح تهديدا لوجودها المستقل أو لإضعاف قدرتها على التأثير في السياسة العراقية”.
ويضيف أن “السوداني في محاولته لتعزيز السيادة الوطنية من خلال دمج الفصائل المسلحة ضمن الأجهزة الأمنية، قد يجد نفسه أمام ضغوط من إيران لتجنب تقليص دور هذه الفصائل أو تقليص نفوذها، ومن جهة أخرى، قد تتأثر علاقات العراق مع إيران سلبا إذا اعتُبرت هذه الخطوة محاولة لتقليص التأثير الإيراني في البلاد”.
وبشأن ردود أفعال الفصائل المسلحة، يشير المحلل السياسي، إلى أن “الفصائل المدعومة من إيران قد تشعر بأن دمجها في الأجهزة الرسمية يُعتبر تقييدا لدورها وقدرتها على التحرك بشكل مستقل، وهذه الفصائل قد تمتلك هياكل وصلاحيات غير رسمية تخضع لتوجيهات قوى خارجية، وبالتالي قد تواجه صعوبة في التكيف مع العملية القانونية والمهنية التي تفرضها الدولة”.وعن الموقف الشعبي والسياسي الداخلي، يجد الهلالي، أن “تصريح السوداني قد يحظى بدعم داخلي من قبل بعض القوى السياسية والشعبية العراقية التي تدعو إلى تعزيز سيطرة الدولة على جميع الفصائل المسلحة، وتفكيك الولاءات الخارجية، ولكن قد يُعتبر هذا التصريح أيضا تهديدا لبعض الجماعات التي ترى في هذه الفصائل وسيلة لتحقيق مصالح محلية أو إقليمية، مما قد يخلق توترات داخلية في العراق”.
ويخلص إلى أن “هذا التصريح يعكس رغبة الحكومة العراقية في تعزيز السيادة الوطنية والسيطرة على الفصائل المسلحة، ولكن في الوقت نفسه قد يخلق تحديات كبيرة على صعيد العلاقات الإقليمية والمحلية”.وكان السياسي عزت الشابندر كشف في لقاء متلفز، عن وصول التفاهمات بين السوداني وقادة الفصائل المسلحة إلى مرحلة متقدمة، تمهد لاتفاق على حل تلك الفصائل وبشكل نهائي، وفيما أشار إلى أن “هناك آلية قيد النقاش لتنفيذ عملية نزع السلاح”، أكد أن “الخيارات المطروحة تشمل تحول الفصائل إلى أحزاب سياسية، أو دمج أفرادها في القوات المسلحة العراقية، أو انسحابهم من المشهد السياسي والعسكري بالكامل”، مشيرا إلى أن “الفصائل الثلاثة الرئيسية، التي تعمل خارج الإطار الرسمي، وافقت على حل نفسها بالتنسيق مع رئيس الوزراء، وأن قادة الفصائل أبدوا استعدادهم للتعاون”.
من جهته، يرى الباحث في الشأن السياسي فلاح المشعل، خلال حديث”، أن “تصريح السوداني بدمج الفصائل ليس اجتهادا شخصيا، بل هو قرار اتفقت عليه القوى السياسية والإطار التنسيقي بالتحديد، خاصة بعد الرسائل الأخيرة التي تلقاها السوداني من الرئيس الأمريكي ترامب”.ويضيف المشعل، أن “أمريكا لوحت بالعقوبات ما لم يتم حل الفصائل، لذا فإن حديث السوداني عن دمج الفصائل هو أمر واقعي، وبتصنيف آخر هو خضوع للتوجه الأمريكي والأوروبي وحتى الجهات العربية وبعض الأطراف الداخلية التي تجد في وجود الفصائل تهديدا للأمن العراقي ولأمن المنطقة”.
ويشير إلى أن “هذا الإجراء لو تم سينعكس بشكل إيجابي على طبيعة العلاقة بين العراق والولايات المتحدة، لكن هناك بحثا آخر لا تزال الأخيرة تصر عليه وهو أن الإدارة الأمريكية تطالب بتصفية مراكز القوى الإيرانية الموجودة في العراق ومكافحة الدولار الذي يذهب من العراق إلى إيران، وهذا المطلب لا يزال من الصعب تحقيقه”، مستدركا أن “القوى السياسية والأحزاب المتصدية للسلطة ستخضع لهذه الأوامر في النهاية، لأنها لا تستطيع تحمّل العقوبات الأمريكية وخصوصا الاقتصادية”.
ويمثل وصول ترامب إلى الرئاسة الأمريكية مجددا، خطرا كبيرا على هذه الفصائل بسبب سياساته المعروفة بمناوأتها، ويترقب الشارع العراقي، مرحلة جديدة من التعامل بين الولايات المتحدة والعراق، في ظل مخاوف من عقوبات اقتصادية أو ما شابه قد تفرضها الإدارة الأمريكية الجديدة على البلاد، فيما لو استمرت هذه الفصائل بنشاطها.إلى ذلك، يرى الباحث في الشأن السياسي مجاشع التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “السوداني أعلن أكثر من مرة في تصريحات تكاد أن تكون جريئة عن موضوع دمج الفصائل وإغلاق هذا الملف الذي يستشعر الجميع خطورته حتى أن بعض زعامات الإطار تحدثوا بشكل علني عنه لكن ما عقد الأزمة هي التصريحات التي صدرت من المرشد الإيراني علي خامنئي عقب لقائه السيد السوداني”.
وشدد المرشد الإيراني علي خامنئي، في الثامن من يناير كانون الثاني الحالي، على ضرورة الحفاظ على الحشد الشعبي العراقي، وأخبر خامنئي، رئيس الوزراء العراقي، خلال لقاء عقد في طهران، بحسب ما أورده مكتب المرشد، بأن “الأدلة والبراهين تشير إلى أن الأمريكان يحاولون تثبيت وتوسيع وجودهم في العراق، وهو ما يجب التصدي له بشكل جدي”.وعقب اللقاء، كتب خامنئي في تغريدة: “كما تفضّل السيد السوداني، فإنّ الحشد الشعبي يشكّل أحد عناصر القوة المهمة في العراق، ويجب السعي إلى الحفاظ عليه وتعزيزه بنحو أكبر”.
ويعتقد التميمي، أن “تصريح خامنئي يستهدف الداخل الإيراني باعتبار أن إيران وبعد 45 عاما خسرت أذرعا مهمة لها في المنطقة وكلفها ذلك مليارات الدولارات وهذا ما تسبب بإحراج كبير للقيادة الإيرانية”.ويلفت إلى أن “موضوع الفصائل العراقية بات هما كبيرا على القوى السياسية الشيعية التي بدأت تستشعر الخطر خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد، فالفصائل العراقية ورغم كل ما قدمت من دعم للنظام السياسي في العراق إلا أنها اليوم أصبحت خطرا يهدد النظام السياسي في العراق وباتت جماعات تثير قلق المجتمع الدولي والإقليمي، وهناك صعوبة في إقناع المجتمع الدولي أن هذه الفصائل لا تمثل خطرا وخطابها في أحيان كثيرة يهدد أمن المنطقة كما أنها لا تأتمر بأمر القائد العام للقوات المسلحة”.
ويذهب إلى أن “هذا القلق والتطور في المنطقة ووصول الرئيس الأمريكي ترامب كلها عوامل جعلت القوى الشيعية تتحدث بصراحة كبيرة عن ضرورة ضم الفصائل وإنهاء هذا الملف حتى أن هناك اتفاقا قد جرى بشكل واضح بين زعامات الإطار على إنهاء هذا الملف، لكن من الواضح أن إيران هي من أعاقته لأن القوى الشيعية تريد الحفاظ على النظام السياسي الذي يشكل عماده الشيعة”.
لذا، يرى التميمي، أن “قرار حل الفصائل ودمجها في القوات الأمنية أو العملية السياسية قد اتخذ وصار حتميا قبل أن يكون هناك قرار أمريكي بإنهائها بالقوة أو عبر استهداف المصالح العراقية وإسقاط النظام العراقي”.وزار السوداني، إيران، مطلع العام الحالي، ورجحت مصادر، إن السوداني كان يحمل إلى طهران ملفات إقليمية وداخلية ساخنة، من بينها ملف حل الفصائل العراقية المسلحة الموالية لإيران، وربما “رسائل تحذيرية شديدة الوضوح” تلقاها العراق من الجانب الأمريكي أخيرا حول حصر السلاح بيد الدولة فقط.
وفي تعقيبه على هذا الملف، يشير من جهته المحلل السياسي نزار حيدر، خلال حديث ”، إلى أن “العراق كدولة ومؤسسات وزعامات سياسية يستعد للدخول في نفق الحقبة الترامبية بأقل الخسائر بعد أن ثبت له بأن الإدارة الأمريكية الجديدة عازمة على تصحيح الكثير من الأخطاء الفظيعة التي غضت الطرف عنها الإدارة السابقة وعلى رأسها موضوع فشل السوداني في حصر السلاح بيد الدولة وملف الدولار والبترول وخاصة ما يتعلق بتهريب العراق للبترول الإيراني”. ويرى حيدر، أن “التصريحات بهذا الخصوص تسارعت وتيرتها في محاولة من السوداني لاتخاذ خطوات استباقية لإصلاح الأمور قبل ان تستقر إدارة الرئيس ترامب في البيت الأبيض وتبدأ التعامل المباشر والجدي مع هذه الملفات”.
ويكمل أن “هذه التصريحات تأتي بالتزامن مع تصريحات النائب الجمهوري المقرب من الرئيس ترامب، جو ويلسون، عن الفصائل المسلحة ودعوته وزارة الخارجية الأمريكية لإدراجها في قائمة العقوبات أو في القائمة السوداء، كما يطلقون عليها، فضلا عن جهده مع عدد من النواب من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي لتقديم مشروع قرار للكونغرس يعتبر أذرع إيران في المنطقة”.ويشدد على ضرورة أن “يلتزم السوداني والإطار التنسيقي الذي يدعمه ويسنده بالإسراع في الالتزام ببنود البرنامج الحكومي المتفق عليه والذي على أساسه تم منح حكومته الثقة تحت قبة البرلمان، خاصة في ما يتعلق ببند حصر السلاح بيد الدولة لوضع حد لوجود الفصائل قبل أن تتعامل معه واشنطن وبطريقتها الخاصة”.