وضع مجلس النواب حزمة قوانين “جدلية” للتصويت عليها في سلة واحدة خلال جلسته المقررة يوم غد الأحد، أهمها قانون العفو العام وتعديلات قانون الأحوال الشخصية، الأمر الذي يواجه انتقادات شديدة، بسبب “المساومات الطائفية” التي تخدم الكتل السياسية واستقطاباتها، بحسب مراقبين.
ويقول المحلل السياسي محمد نعناع، خلال حديث ، إن “ما يزعج الكثير من العراقيين في الأمر هو عودة السلة الواحدة في تمرير القوانين، لاسيما أنها سلة غير مثمرة تصب في مصلحة الكتل السياسية واستقطاباتها الطائفية والفئوية والجهوية، كما أن إقرار القوانين في سلة واحدة أمر غير دستوري وقد اعترضت عليه المحكمة الاتحادية سابقا”.
ويشير نعناع إلى أن “مشاريع القوانين المعدة في هذه الجلسة كالأحوال الشخصية والعفو العام وحتى تنظيم أمور الحشد المالية، كل قانون لوحده هو جدلي، والقوانين بمجموعها جدلية، فضلا عن أن دمجها ببعضها سيخلف جدلا جديدا وسوء تقدير واضحا”.وينتظر مجلس النواب، جلسة متخمة بالخلافات غدا الأحد بعد إدراج قوانين “جدلية” على جدول أعماله في الجلسة التي ستشهد التصويت على العفو العام والأحوال الشخصية وإعادة العقارات وتقاعد الحشد، وسط معلومات تفيد بتمريرها خلال الجلسة وفق مبدأ “السلة الواحدة”.
وبدمج هذه القوانين في جلسة واحدة، “ستكون الحالة طائفية بامتياز”؛ كما يعبر نعناع، مضيفا: “للسنة العفو العام وللشيعة الأحوال الشخصية، وهذه حالة طائفية مقيتة يجب أن تبتعد عنها مؤسسات الدولة لأنها تولد استقطابا طائفيا ومذهبيا مستمرا”.
ويتابع أن “المسألة الأخرى المؤشرة هي المساومات في مسائل حرجة وحساسة جدا، الشيعة يساومون السنة في مسألة تعديلات على قانون الأحوال حسب المذهب والمدونة الشرعية وهي أمور مختلف عليها جدا فقهيا وشرعيا، والسنة يساومون الشيعة في أمر طالما اعترضوا عليه هو إخراج الإرهابيين من السجون وهم ممن تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء”.
وذكرت الدائرة الإعلامية لمجلس النواب أن جلسة يوم الأحد ستتضمن التصويت على مشروع قانون إعادة العقارات إلى أصحابها المشمولة ببعض قرارات مجلس قيادة الثورة (المنحل)/ كما تتضمن “التصويت على مقترح قانون الاحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 المادتين (2 ، 10)، والتصويت على مشروع قانون التعديل الثاني لقانون العفو العام رقم (27) لسنة 2016، والتصويت على مشروع قانون الخدمة والتقاعد لمجاهدي الحشد الشعبي”.
وقالت مصادر ، أمس الأول، إن “هناك توافقا سنيا شيعيا كرديا حول تمرير العفو العام والأحوال الشخصية واعادة العقارات خلال جلسة الأحد وفق مبدأ السلة الواحدة”.من جهته، يؤكد المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “القوانين الجدلية غالباً ما تخضع الكتل التي تريد تمريرها لتنازلات، فالقانون الذي يخدم فئة، سيكون مقابل قانون يخدم فئة أخرى”.
ويضيف الدعمي، أن “التخادم والتنازل جرى في تشريع قوانين كثيرة بالبرلمان بينها ما يتعلق بإقرار الموازنة العامة، فمن سمات النظام السياسي بعد 2003 هو إقرار القوانين الجدلية بالتنازل بين جهات سياسية مختلفة أو بصفقات تخدم الكتل السياسية وليس الشارع العراقي”.
ويعتقد الدعمي، أن “جلسة البرلمان ربما تؤجل لأن هناك اعتراضات كثيرة، والحكومة لا تريد لقانون الأحوال أن يمضي على ما يبدو، والأكراد وبعض السنة والشيعة يرفضون هذه التعديلات أيضا، لذا سيتغيب عدد لا يستهان به عن الجلسة، وإذا ما أجلت ستحتاج هذه القوانين وقتا آخر”.
ويواجه تعديل قانون الأحوال الشخصية اعتراضات كبيرة، إذ حذر خبراء قانونيون وناشطون مدنيون، في تقرير سابق لـ”العالم الجديد” من التعديلات التي ينوي البرلمان وضعها على القانون، وفيما أكدوا أنها يمكن أن تنسف أحد أهم التشريعات العراقية، لفتوا إلى أن التعديلات تضع سلطة المذاهب ورجال الدين في مكانة أعلى من سلطة القضاء والقانون.
كما يواجه تعديل قانون العفو العام، اعتراضات ومخاوف من شموله المدانين بتهم الإرهاب والانتماء إلى تنظيم “داعش”، ويعد هذا التعديل من المطالب الرئيسية لمعظم القوى السنيّة، وكان من بين أبرز الشروط التي وضعتها في مفاوضات تشكيل حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قبل التصويت عليها داخل البرلمان في تشرين الأول أكتوبر 2022.
إلى ذلك، يرى المحلل السياسي المقرب من رئيس الحكومة، عائد الهلالي، خلال حديث، أن “عملية إقرار القوانين داخل المؤسسة التشريعية مازالت عرجاء وغير قادرة على أن تمضي بمهنية بعيدا عن الضغوط والمناكفات والمساومات، فالبعض يرى أن عليه أن يتماهى مع الجانب الآخر لأنه سيكون بأمس الحاجة إليه في العمليات الانتخابية القادمة، ومازالت هذه العملية تحتاج إلى وقت طويل جدا حتى تتخلص من هذا الأسلوب”.
ويضيف الهلالي: “قبل عملية إقرار القوانين في سلة واحدة، يجب النظر في جملة من النقاط كأهمية القانونين (الأحوال والعفو العام) وتحديد مدى تأثيرهما على المجتمع، فالعفو العام له تأثيرات قانونية واجتماعية، بينما قانون الأحوال الشخصية يؤثر على حقوق الأفراد وبناء الأسرة، وهناك لغط كبير حصل في هذا الجانب”.
ويشير إلى “وجوب التنسيق وإعداد دراسة لمعرفة العلاقة بين القوانين، وهل هناك تداخل بين العفو العام والأحوال الشخصية وكيف يمكن أن يؤثر إقرارهما معا على المجتمع والرأي العام، والفوائد والمخاطر المحتملة من إقرار القوانين معا”.
ويشدد الهلالي، على ضرورة “التحقق من الإجراءات القانونية والذهاب إلى عقد اجتماعات بين المؤسسة التشريعية والمؤسسات الأخرى كالقضاء ومؤسسات المجتمع المدني، كما يجب علينا أن نرى مدى تأثير هذه القوانين على المجتمع وفيما إذا ما كانت ستحقق فائدة من تشريعها، خصوصا أنها تثير الرأي العام”.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتم دمج قانوني العفو والأحوال الشخصية في جلسة واحدة، ففي آب أغسطس الماضي أدرج مجلس النواب بشكل مفاجئ قانون الأحوال الشخصية في جلسة شهدت قراءة تعديل قانون العفو الذي تطالب به القوى السنية، وهو ما أثار الشكوك حول “مساومة” هذه القوى للتصويت على “الأحوال” مقابل إقرار “العفو”.