عمليات اغتيال واحدة تلو الأخرى، نفذتها تركيا داخل الأراضي العراقية، وطالت مسؤولين في ألوية الحشد الشعبي في سنجار، ما عد خرقا للاتفاقية الموقعة بين بغداد وأنقرة في ثمانينات القرن الماضي، والتي لا تسمح بتنفيذ مثل هذه العمليات، وفيما أبدى متخصصون بالقانون والسياسة استغرابا من صمت بغداد على هذه الخروق، أكدوا أن العراق من حقه الرد العسكري نظرا لتصنيف ما جرى بـ"العدوان"، فضلا عن توقعهم إمكانية انتزاع قرار دولي ضد تركيا بدعم أمريكي.
ويقول الخبير القانوني احمد العبادي، خلال حديث لـه إن "الأتراك في يتذرعون في توغلهم باتفاقية وقعت بينهم وبين العراق في عام 1983، تسمح للجانبين العراقي والتركي بالتوغل داخل أراضي كل منهما لمسافة 20 كيلو مترا، إذا ما اقتضت الضرورة، لمحاربة من يزعزع الأمن القومي للبلد المعني، على أن يجري ذلك بتنسيق بين الطرفين".
ويضيف أن "عملية الاغتيال التي جرت الآن لم تستهدف شخصية محسوبة على حزب العمال الكردستاني، بل هو مواطن وقائد أمني عراقي، وهذا خرق صريح للاتفاقية، ومن جهة أخرى فإن التواجد التركي داخل العراق يتعارض مع بنود هذه الاتفاقية، فبناء قواعد عسكرية كبيرة، وتواجد عسكري يناهز الـ 5000 جندي يمثل خرقاً آخر للاتفاقية، التي تسمح بتنفيذ عمليات عسكرية، ثم الانسحاب".
ويبين العبادي، "من الناحية القانونية فالعراق مخول بالرد عسكرياً على الجانب التركي، لأن خرق الاتفاقية يمثل اعتداء على السيادة العراقية، واستمرار تواجد القوات التركية على الأرض يمثل احتلالاً، وبالتالي فللعراق كامل الصلاحية بالتدخل، بعدما عجز عن إعلام المجتمع الدولي مرات عديدة بالخروق التركية".
ويشير إلى أن "الاتفاقية الموقعة هي بين بلدين، وسارية المفعول ولا علاقة لها بتغيير رئيس الحكومة، وتلغى في حالة واحدة وهي عقد اتفاقية جديدة لإلغاء الاتفاقية السابقة".
ونفذت الطائرات التركية خلال الأيام الثلاث الماضية، عمليات اغتيال لقادة في الفوج 80 الإيزيدي المرتبط بالحشد الشعبي، وكان آخرها يوم أمس حيث استهدفت عجلة تقل عناصر في الفوج، وذلك بعد يومين فقط من اغتيال آمر الفوج بير جكو واثنين من مرافقيه، باستهداف عجلتهم في سنجار.
وكانت تركيا، اغتالت في آب أغسطس 2021، آمر الفوج 80 سعيد حسن سعيد، إثر قصف بطائرة مسيرة.
وتتهم تركيا الفوج 80 المشكل من المكون الإيزيدي والتابع لهيئة الحشد الشعبي، بأنه يرتبط بعناصر حزب العمال الكردستاني، وأنه يضم جزءا كبيرا من عناصر الحزب، الذي تصنفه تركيا على أنه إرهابي ومعاد لها، وعلى هذا الأساس تشن حملات عسكرية مستمرة في شمال العراق لاستهداف مقاره وقادته.
من جانبه، يؤكد الخبير الأمني والإستراتيجي أحمد الشريفي أن "القوات العراقية قبل إسقاط النظام البائد كانت تتدخل عسكرياً بعد أن تعبر الطائرات التركية مديات تتجاوز 15 كيلو مترا، كما لم يسمح لهم بإنشاء قواعد عسكرية والتوغل لمديات كبيرة".
ويضيف الشريفي أن "ما حصل ويحصل من حملات عسكرية تركية في شمال العراق تصنف بأنها عدوان اتحادي، وعلى الحكومة أن تتصرف بشكل مسؤول، وتضغط على مجلس الأمن لانتزاع قرار ينهي كل الحملات العسكرية داخل الأراضي العراقية، كما يمكن للعراق الاستعانة بالولايات المتحدة لدعمها في تقديم شكوى دولية، مع طلب رسمي يقدم للسفيرة الامريكية، يأمر باجتماع طارئ لمجلس الأمن لمناقشة مسألة القصف التركي".
وكان الجيش التركي بدأ عملية عسكرية جوية في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، في شمال العراق وسوريا تحت اسم "وقت الحساب"، استخدم فيها الطائرات الحربية والتوغل البري، وبحسب وسائل إعلام تركية، فإن العملية انطلقت من مطار دياربكر العسكري التركي.
وقد أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في تعقيبه على العملية "سنواصل محاسبة الذين استهدفوا أمن بلادنا وأمتنا مثلما حاسبناهم من قبل"، كما أعلنت وزارة الدفاع التركية، عبر حسابها الرسمي في تويتر أن "العملية تستند إلى المادة الـ51 من ميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص على الحق المشروع في الدفاع عن النفس".
ومنذ مطلع العالم 2021، صعدت تركيا من عملياتها في العراق بشكل كبير، ونفذت العديد من عمليات الإنزال الجوي، فضلا عن إنشاء نقاط أمنية بعد دخول قواتها البرية لمناطق مختلفة من دهوك ونينوى، إضافة إلى إعلان عن إنشاء قاعدة عسكرية جديدة في الأراضي العراقية، وذلك بهدف ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، وخاصة في قضاء سنجار بنينوى.
وكان قضاء سنجار هو الهدف التركي المعلن، حيث يعتبر معقلا لعناصر حزب العمال الكردستاني، وهو ما دفع بالفصائل المسلحة العراقية لإرسال ألوية عسكرية الى القضاء، وتمركزت فيه لصد أي عملية تركية محتملة داخل القضاء الذي يقع جنوب غربي نينوى، ويعد موطنا لتواجد أبناء المكون الإيزيدي في العراق، والذي تعرض إلى إبادة على يد تنظيم داعش في آب أغسطس 2014، حيث اختطف التنظيم آلاف النساء والأطفال، فضلا عن قتل آلاف آخرين، ومؤخرا تم الاعتراف بما تعرض له المكون كـ"إبادة جماعية"، في العديد من بلدان العالم.
بدوره، يبين المحلل السياسي جاسم الموسوي، خلال حديث لـه، أن "الصمت الحكومي حول العمليات العسكرية التركية في شمال العراق مستغرب تماماً، ويشير إلى وجود اتفاقات وتفاهمات ثنائية بين العراق وتركيا، وبموافقة حكومة إقليم كردستان، أو أن العراق راضخ لاتفاقات إقليمية ودولية".
ويضيف الموسوي أن "الدستور العراقي واضح تماماً في رفضه وجود أي قوات عسكرية غير عراقية داخل العراق، وتواجد هذه القوات يمس القانون الداخلي العراقي، وهذا خرق للسيادة يمكن بموجبه للعراق أن يقدم شكاوى دولية لثلاث جهات، هي المحكمة الدولية، مجلس الأمن، والأمم المتحدة".
ويعتقد أن "الظروف الآنية مهيأة للعراق في لعب دور كبير على المستوى الدولي لإيقاف الاعتداءات التركية، عبر استغلال الأزمات التركية الحالية، واستثمار تهديد الأتراك للأمن القومي العراقي، عبر تجفيف نهري دجلة والفرات، واستهداف المواطنين العراقيين بالطائرات، وهي حجج كافية لانتزاع قرار دولي مهم بشأن الاعتداءات التركية".
وكانت بغداد أربيل، وقعتا في 9 تشرين الأول أكتوبر 2020، اتفاقا سمي بـ"التاريخي"، يقضي بحفظ الأمن في قضاء سنجار من قبل قوات الأمن الاتحادية، بالتنسيق مع قوات البيشمركة المرتبطة بإقليم كردستان، وإخراج كل الفصائل المسلحة وإنهاء وجود عناصر العمال الكردستاني "PKK".
وكشفت مصادر في تقرير سابق، أن رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال لقائهما، بعجزه عن تنفيذ اتفاق بغداد– أربيل للسيطرة على سنجار وطرد عناصر حزب العمال الكردستاني منها، ومنح الضوء الأخضر لأردوغان بالدخول الى سنجار، تحت مظلة تحالف الناتو، تحسبا لردود أفعال سلبية من قبل الفصائل المسلحة، في حال دخول تركيا بمفردها لسنجار، وذلك بحسب مصادر دبلوماسية كانت حاضرة للقاء الذي جرى في أنقرة، وتخللته مأدبة فاخرة على أنغام الطرب العراقي التراثي.
وفي تموز يوليو 2022، قصفت القوات التركية مصيفا سياحيا في قرية برخ التابعة لقضاء زاخو بمحافظة دهوك، ما تسبب بإصابة ومقتل 31 مدنيا أغلبهم من النساء والأطفال، وسط تأكيدات شهود عيان في المنطقة بأن هذا المصيف يقع عند حدود زاخو وتحيط به نقاط القوات التركية، ولا يشهد أي نشاط إرهابي من قبل أي جماعة.
وتقدم العراق بشكوى لدى مجلس الأمن الدولي بشأن القصف التركي، وعقد المجلس جلسة في 26 تموز يوليو الماضي، وفيها أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أن الأدلة من موقع الاعتداء على مصيف دهوك، تضمنت شظايا مقذوفات مدفعية ثقيلة، هي ذاتها التي يستخدمها الجيش التركي، وأن هناك حالة من الغضب الشعبي العارم الذي يجتاح العراق من الجنوب إلى الشمال بسبب الاعتداء التركي.