عُدَّ تقديم الطعن بدستورية جلسة البرلمان التي شهدت التصويت على جزء من قانون الانتخابات وقبول المحكمة الاتحادية للدعوى، بأنه رسالة "إنذار" للقوى السياسية الكبيرة، التي ستضطر لكسب ود الكتل الصغيرة، كما يرى مراقبون للشأن السياسي، لكن رغم هذا لم يتوقعوا أن تنتهي الدعوى بنتائج كبيرة ممكن أن تغير المسار، وربما، حسب توقعهم، ستبقى مجرد "موقف" سجل من قبل النواب المستقلين.
ويقول المحلل السياسي راجي نصير، خلال حديث لـه إن "المحكمة الاتحادية هي الضمانة القانونية لعدم خروج السلطات التشريعية والتنفيذية عن المسار الذي حدده الدستور أو خروجها عن الدستور بشكل عام".
وفي ما يخص الدعوى، يوضح نصير أن "هناك شكلا ومضمونا في دعوى قانون الانتخابات، وقبول المحكمة من حيث الشكل لا يعني أنها ستحكم لصالح القضية، فالقضية شكلا مقبولة، ولكن ليس بالضرورة أن تصدر المحكمة حكما لصالح المدعين أو أن تؤيد دعواهم فهنالك الكثير من القضايا التي قبلتها المحكمة الاتحادية وناقشتها ورفضتها في ما بعد لأنها لم تثبت من الناحية القانونية، وبالتالي قبول الدعوى شكلا لا يعني أنها محسومة لصالح المدعي".
وفيما يؤكد أن "أي قرار يصدر من المحكمة الاتحادية واجب التنفيذ على جميع السلطات، على اعتبار أن المحكمة تمتلك سلطة عليا"، يرى أن "شكوى المستقلين هو عمل ايجابي من الناحية السياسية لأنه دليل على التمسك بالأطر الدستورية والأساليب الديمقراطية في الاعتراض والتنازع، كما أن قبول المحكمة للطعن يشكل عامل طمأنة للجميع".
ويشدد نصير على أن "العراق بحاجة فعلية إلى أن يكون القانون هو الحكم ففي كل دول العالم تحصل نزاعات، والمحكمة الدستورية العليا هي من تحسم الموضوع".
ويستبعد نصير "عودة الطعن في القرارات مرة أخرى لأن هنالك توافقا بين قوى إدارة الدولة على التعديلات، أما المستقلون فمن حقهم الاعتراض والطعن، ولكن في النتيجة الدستور والقانون هو الفيصل فإذا كانت مطالبهم مطابقة للدستور فالقضاء سيحكم إلى جانبهم أما إذا كانت مطالبهم غير دستورية فالقضاء لن يجاملهم في بالتأكيد".
وكان النائب المستقل أمير كامل المعموري، أعلن يوم أمس قبول المحكمة الاتحادية الدعوى بعدم دستورية الجلسة رقم 15 لمجلس النواب، التي شهدت التصويت على فقرات من قانون الانتخابات.
كما أصدرت المحكمة الاتحادية، نفيا بشأن إصدارها قرارا بعدم دستورية الجلسة، وأكدت على لسان مصدر مسؤول فيها لوكالة الأنباء العراقية، أن المحكمة الاتحادية قبلت دعوى مرفوعة للطعن بالجلسة المتعلقة بقانون الانتخابات ولم تصدر أي قرار بشأن ذلك، وأن المحكمة الاتحادية تقبل أي دعوى تقدم أمامها لتأخذ مسارها القانوني.
يشار إلى أن مجلس النواب، قد صوّت فجر الاثنين الماضي، على بعض فقرات تعديل قانون الانتخابات، وهي الخاصة بالكوتا وآلية العد والفرز وشروط المرشحين، وذلك بعد جدل واجتماعات استمرت لنحو 20 ساعة داخل أروقة البرلمان، وانسحاب بعض الأطراف السياسية قبل عودتها.
وكان من المفترض أن يمر هذا القانون بشكل خاص لانتخابات مجالس المحافظات، لكن جرى تمريره من قبل الكتل السياسية ليشمل الانتخابات المحلية والنيابية معا.
يذكر أنه جرى اعتماد الدوائر المتعددة في الانتخابات التي جرت في عام 2021، وهو ما يحصل لأول مرة في الانتخابات العراقية، حيث كانت تجري سابقا باعتماد كل محافظة دائرة واحدة، وفق نظام سانت ليغو، وتختلف نسب تقسيم الأصوات من انتخابات لأخرى وفق ما يقره البرلمان في حينها.
من جانبه، يعتقد المحلل السياسي عبد الله الكناني، خلال حديث لـه، أن "اللجوء إلى المحكمة الاتحادية قد يعيدنا إلى دوامة الطعون والمشاكل القانونية التي شهدناها خلال الانتخابات النيابية السابقة والأحداث التي رافقتها".
ويتساءل الكناني عن "دور وموقف المستقلين من القوانين المهمة التي تهم الشعب العراقي كالموازنة وغيرها، ولماذا نشاهد الآن هذا الإصرار لديهم، وفي الحقيقة أن عملهم يكشف أنهم في واد والمواطن في واد آخر".
ويؤكد أن "هذه الخطوة جزء من الصراع السياسي الذي لم ينته وما زال مستمرا حتى بعد تشكيل الحكومة وظهر هذا الصراع للعلن بسبب اعتماد نظام سانت ليغو في قانون الانتخابات الذي تعمل الكتل الآن على تمريره".
وشهد هذا القانون معارضة واسعة من النواب المستقلين، الذين امتنعوا عن الدخول للجلسة، فضلا عن إصدارهم بيانات عديدة بالضد من تمرير القانون، مطالبين بالبقاء على الدوائر المتعددة.
وكانت تقارير مطلعة سلطت الضوء على هذا القانون، ووفقا لمراقبين بالشأن السياسي فأنه سيؤدي إلى خفض نسبة المشاركة بالانتخابات لمستوى أقل من الانتخابات الأخيرة، والتي عدت في حينها بأنها أقل نسبة مشاركة منذ العام 2003، كما أكد ناشطون أنهم لن يقفوا متفرجين لتمرير القانون، وسيكون هناك حراك لمنع تمريره.
بدوره، يبين المحلل السياسي علي البيدر، خلال حديث لـه أن "خطوة تقديم الطعن أمام المحكمة بقانون الانتخابات تأتي في إطار تفعيل دور القضاء التقويمي في المشهد السياسي في البلاد، ومحاولة رسم مشهد مستقر، وقد تكون هذه رسالة إنذار باتجاه إعداد قانون انتخابات يحظى بتأييد الجميع، ونقصد بالجميع هنا الشارع والمنظومة السياسية والنخب المجتمعية بشكل عام".
ويتابع البيدر أن "الأطراف الكبرى ستحاول كسب ود الأحزاب الصغيرة والمستقلين، وبالتالي فإن خيار التوافق هو الخيار المطروح في هذه المرحلة ومن هنا قد نشهد إقرار قانون يتلاءم مع ما يريده العراقيون"، لافتا إلى أن "الطعن بالقانون قد يكون لإصلاح الوضع السياسي وخلق حالة من الانسجام بين الكتل النيابية بعيدا عما يحدث في الوقت الحالي".
وشهد العام الماضي، تقديم العديد من الدعاوى لدى المحكمة الاتحادية بشأن الانتخابات وآلية انتخاب رئيس الجمهورية والبرلمان، والكثير من المواقف التي جرت داخل البرلمان، ما أدى لتعاظم دور المحكمة الاتحادية بشكل غير مسبوق، حيث استمر الجدل السياسي في حينها لأكثر من عام.
و"سانت ليغو" طريقة حساب رياضية تُتبع في توزيع أصوات الناخبين بالدول التي تعمل بنظام التمثيل النسبي، وتعتمد على تقسيم أصوات التحالفات على الرقم 1.4، وفي هذه الحالة، تحصل التحالفات الصغيرة على فرصة للفوز، لكن العراق اعتمد سابقاً القاسم الانتخابي بواقع 1.9، وهو ما جعل حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة تتصاعد على حساب المرشحين الأفراد (المستقلين والمدنيين)، وكذلك الكيانات الناشئة والصغيرة.