هل يوضع «الانسحاب» على طاولة الحوار العراقي الأمريكي؟
هل يوضع «الانسحاب» على طاولة الحوار العراقي الأمريكي؟
23 Jul
23Jul
مع بدء الحوار الأمني العراقي الأمريكي ومستقبل التحالف الدولي، يستبعد مراقبون للشأن السياسي والأمني أن يوضع مصطلح الانسحاب على الطاولة، وفيما لفتوا إلى أن العراق مكبل باتفاقية أمنية استراتيجية، أكدوا أن موقف الفصائل المسلحة في هذا الملف لا يشكل أهمية للجانب الأمريكي ولا يغير من استراتيجياته. ويقول المحلل السياسي المقيم في واشنطن، نزار حيدر، خلال حديث لـه، إن “المتابع للبيانات الرسمية منذ تاريخ تشكيل أول لجنة مفاوضات مشتركة قبل 4 سنوات، لن يجد عبارة انسحاب فيها، وإنما يجري الحديث عن مستقبل العلاقات الأمنية بين بغداد وبقية أطراف التحالف الدولي، ما يعني أن اللجنة التفاوضية تبحث في صيغ تغيير العناوين وليس في المحتوى والأصل”. ويضيف حيدر، أن “العراق مازال يعتقد انه بحاجة إلى التحالف الدولي بعناوين جديدة لمواجهة الإرهاب والقضاء على خلاياه النائمة، فيما يرى التحالف الدولي من جانبه أن داعش مازالت تشكل تهديداً مباشراً للعراق”. وكانت القيادة المركزية الأميركية نشرت الأسبوع الماضي جداول مفصلة عن العمليات المشتركة التي نفذها التحالف الدولي مع الجانب العراقي فقط ضد داعش خلال الأشهر الستة من هذه السنة، إذ أكدت أن 137 عملية مشتركة في العراق أسفرت عن مقتل 30 عنصراً من داعش من بينهم 8 من كبار القادة، واعتقال 74 آخرين من بينهم 32 من كبار القادة. كما أعلنت القيادة المركزية للجيش الأمريكي قد أعلنت الأسبوع الماضي، أن تنظيم داعش يحاول “إعادة تشكيل نفسه”، لكن مراقبين سياسيين ربطوا في تقرير سابق، التحذيرات الأمريكية من “داعش”، بموضوع انسحاب القوات الأمريكية، إذ يرى المراقبون أن الولايات المتحدة لا ترغب بالمغادرة على أقل تقدير في هذه الفترة التي تتزامن مع الحرب في غزة والتوتر اللبناني، لذا تتخذ من وجود داعش ذريعة للبقاء لأطول فترة ممكنة.
ويشير حيدر إلى أن “الدولة العراقية لم تكاشف العراقيين بحقيقة ملف العلاقة بين واشنطن وبغداد، وسعت لتضليلهم من خلال حصر الملف في هذه العلاقة بتواجد القوات الأجنبية فحسب، والحقيقة ليست كذلك، فالعراق مازال واقعا تحت النفوذ والسيطرة الأميركية سياسياً وامنياً وعسكرياً ودبلوماسيا ومالياً وذلك من خلال استمرار تجديد البيت الأبيض لقانون حالة الطوارئ منذ 2003 ولحد الآن”. ووفقا لحيدر، فإن هذا القانون يمنح الولايات المتحدة الحق في التصرف بالعراق على مختلف المستويات، و”لعل في ظاهرة جولات السفيرة الأمريكية على الزعامات والمسؤولين بلا استثناء، والتي باتت شبه يومية، دليلا واضحا على ذلك، فهي صاحبة رأي وقرار في كل خطوة وملف”. وبدأ أمس الاثنين، وفد عراقي رفيع المستوى، ومسؤولون أميركيون، جولة جديدة من الحوار الأمني المشترك بين البلدين، بما في ذلك مستقبل التحالف الدولي، ونقلت وسائل إعلام الوفد العراقي برئاسة وزير الدفاع ثابت العباسي وقادة عسكريين عراقيين وصل إلى واشنطن من أجل التباحث حول ملف إنهاء وجود التحالف الدولي. وكانت السفيرة الأميركية في بغداد، ألينا رومانوسكي، أكدت في تغريدة على منصة إكس، إن “المسؤولين الأمنيين من الولايات المتحدة والعراق سيناقشون مستقبل مهمة التحالف الدولي وتعزيز التعاون الأمني بين بلدينا”. من جهته، يرى الخبير الأمني علاء النشوع، خلال حديث لـه، أن “علاقة العراق والولايات المتحدة منذ عام 2003 هي علاقة احتلال، لذا فمن غير المنطقي أن تكون الحكومات العراقية ندا ونظيرا للأمريكية، واتفاقية صوفا التي وقعها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي عام 2008 كبلت العراق بكل ما يمتلك من مقدرات للولايات المتحدة، فالأمريكان يعتبرون العراق بوابة الشرق الأوسط ومنطقة جيوستراتيجية عسكريا وأمنيا”. ويرى النشوع، أن “القواعد العسكرية الموجودة في وسط وغرب وشمال العراق تمثل اليوم إحدى أدوات التحكم في قواعد الاشتباك، سواء من ناحية أمن إسرائيل بشكل خاص والأمن القومي الأمريكي بشكل عام”. ويضيف أنه “في ظل الصراعات الدولية واتساع النفوذ الروسي والصيني، والظروف الدولية التي تمر بها المنطقة بعد الحرب على غزة وتزايد النفوذ الإيراني والتصعيد بين إسرائيل واذرع إيران في لبنان وسوريا واليمن، فإن قضية الانسحاب استهلاك إعلامي لا أكثر، والتصريحات هي لتهدئة الشعوب والتخادم بين الدول”. وعن موقف الفصائل المسلحة من هذه الحوارات، يؤكد النشوع، أنها “لن تغيّر من الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة ولا يمثل موقفها أي أهمية لصانع القرار الأمريكي فهو يعتبر كل القوى الموجودة بما فيها إيران كدولة إحدى أدواته التي تحقق كل الأهداف الأمريكية في المنطقة العربية التي أصبحت اليوم تحت السيطرة الأمريكية والإسرائيلية”. وكانت المفاوضات بين الجانبين استؤنفت خلال شهر فبراير (شباط) الماضي على أثر طلب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إنهاء مهمة التحالف الدولي الذي تم إنشاؤه لمحاربة تنظيم داعش 2014، ودعا السوداني إلى التحول في العلاقات بين العراق ودول التحالف الدولي وفي مقدمتها الولايات المتحدة إلى علاقات ثنائية. وبدأ الحوار في شهر فبراير الماضي، وعُقدت جولتان في شهري آذار مارس ونيسان أبريل أثناء زيارة السوداني إلى واشنطن حيث أعلن عن العودة إلى اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين البلدين الموقعة عام 2008. إلى ذلك، يذكر مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، خلال حديث لـه أن “القوات العراقية بمختلف صنوفها مرتبطة بالتسليح والتطوير والقدرات الجوية بالجانب الأمريكي، ودوّن هذا الترابط باتفاقية التحالف الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة في عام 2008 وتمت إضافة ملاحق أخرى لها في الأعوام، وعزز هذا الموضوع رئيس الحكومة الحالي محمد شياع السوداني في زيارته الأخيرة إلى واشنطن”. ويضيف فيصل، أن “الجانب الأمريكي لا يتحدث عن الانسحاب في أي مرة، بل عن ترتيب الأولويات والأسباب التي أوجدت التحالف الدولي في العراق للحرب على الإرهاب، إذ تم تشكيل هذه القوات الدولية بناء على طلب عراقي وشاركت في هزيمة داعش، والعراق يحتاجها الآن لمواجهة البؤر الموجودة في مساحات من الأنبار والموصل وصلاح الدين، فعلى الرغم من عدم وجود حاضنة مجتمعية لداعش، لكن بؤره متنقلة والتهديد مازال موجودا”. وعلى الرغم من مرور سبع سنوات على إعلان العراق انتصاره على تنظيم داعش، والتطور الكبير الذي شهدته القوات المسلحة والاستخبارية من حيث التجهيز والتدريب، فضلا عن الاستقرار الأمني الذي بات واضحا في عموم البلاد، إلا أن الفراغات الأمنية في محافظات معدودة ما زالت تشكل تحديا خطيرا، وبالأخص في صلاح الدين والمناطق المحاذية لمحافظة ديالى. ويعتقد فيصل أن “تخفيض القوات الدولية أو انسحابها إلى سوريا ومناطق أخرى أمر عائد للخبراء العسكريين الذين يخوضون هذه الحوارات التي قد تستمر إلى سنة أو أكثر”، لافتا إلى أن “الخبراء الأمريكان سيستمرون طالما كانت هناك طائرات وأسلحة أمريكية فهي تحتاج إلى مهندسين وخبراء صيانة وتدريب على الأرض، وهذه مسألة لا تنتهك السيادة للدول لأنها ضمن إطار الاتفاقيات والمصالح المشتركة”. وعن موقف الفصائل المسلحة من استمرار الخبراء، يشير إلى أنه “موقف يبالغ في بعض الشعارات الراديكالية كطرد السفراء والبعثات وقطع العلاقات، وهذا غير جائز لأن الولايات المتحدة حليف استراتيجي وتربطها بالعراق علاقات ومصالح مشتركة، فلا مجال اليوم لهذه الشعارات”. واستهدفت طائرتان مسيرتان الأسبوع الماضي، قاعدة عين الأسد الجوية في العراق، والتي تستضيف قوات أميركية، في هجوم هو الأول على القوات الأميركية في العراق منذ أوائل شباط فبراير، عندما أوقفت الفصائل العراقية هجماتها. يشار إلى أن الفصائل المسلحة ومنذ منتصف تشرين الأول أكتوبر 2023، بدأت باستهداف القواعد الأمريكية في العراق، وذلك بالتزامن مع حرب غزة، حيث أعلنت الفصائل أن استهدافها للقوات الأمريكية، ردا على الدعم الأمريكي لإسرائيل.