يربط مراقبون سياسيون التحذير الأمريكي الأخير بشأن “عودة داعش”، بموضوع انسحاب القوات الأمريكية والتحالف الدولي من العراق، إذ يرى المراقبون أن الولايات المتحدة لا ترغب بمغادرة العراق على أقل تقدير في هذه الفترة التي تتزامن مع الحرب في غزة والتوتر اللبناني، لذا تتخذ من وجود داعش ذريعة للبقاء لأطول فترة ممكنة.
وبهذا الصدد، يقول عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية علي البنداوي، خلال حديث لـه، إن “حديث الأمريكان عن خطر داعش يخالف واقع الحال الذي يثبت أن الأمن مستتب في مدن العراق والقوات الأمنية تقوم بدور كبير، نعم هناك بقايا لعصابات داعش الإرهابية لكنها لا ترتقي إلى مستوى المخاطر السابقة، بل هي حالات فردية مشخصة من قبل قواتنا الأمنية”.
ويضيف “هذا التصريح يندرج ضمن قضايا سياسية وما تم الاتفاق عليه بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي واضح جدا وهناك لجنة أمنية عليا مشتركة هي من تقيم خطر داعش، ولهذا الأمور سائرة باتجاه غلق هذا الملف وتواجد أي قوات أجنبية على أرض البلد والذهاب نحو العلاقات الدبلوماسية والتجارية وتبادل تكنولوجيا المعلومات وهذا قطع شوطا كبيرا”.
ويؤكد البنداوي أن “هذه التصريحات لا توثر على المفاوضات الجارية بين بغداد وواشنطن والمفاوض العراقي يفاوض بقوة بسبب التطور الأمني العراقي بعد القضاء على داعش بالتزامن مع الثورة العمرانية في المحافظات التي احتلها داعش سابقا، أما هذه التصريحات فهي دائما ما تصدر من متحدثين أمريكيين لخلط الأوراق”.
وكانت القيادة المركزية للجيش الأمريكي قد أعلنت يوم أمس الأربعاء، أن تنظيم داعش يحاول “إعادة تشكيل نفسه” في حين بات عدد هجماته بالعراق وسوريا في طريقه إلى التضاعف مقارنة بالعام الماضي، مبينة أن داعش تبنى 153 هجوما في كلا البلدين خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي.
وعلى الرغم من مرور سبع سنوات على إعلان العراق انتصاره على تنظيم داعش، والتطور الكبير الذي شهدته القوات المسلحة والاستخبارية من حيث التجهيز والتدريب، فضلا عن الاستقرار الأمني الذي بات واضحا في عموم البلاد، إلا أن الفراغات الأمنية في محافظات معدودة ما زالت تشكل تحديا خطيرا، وبالأخص في صلاح الدين والمناطق المحاذية لمحافظة ديالى.
بدوره يرى المحلل السياسي أثير الشرع، خلال حديث له، أن “السفارة الأمريكية في بغداد وأيضا قادة وزارة الدفاع الأمريكية وبعض أعضاء مجلس الشيوخ يؤكدون أن مسألة الانسحاب من العراق أمر سابق لأوانه، وعليه هناك من يلوح بأن داعش الإرهابي لم ينته بعد وربما يعود بقوة في حال انسحاب القوات الأمريكية من البلاد”.
ويشير إلى أن “هناك حراكا داخليا في العراق على حث الجانب الأمريكي لجدولة تواجد قواتها وربما هناك تظاهرات تتم العدة لها ليس فقط في العراق وأنما ببعض الدول من أجل إجبار القوات الأمريكية على عدم التدخل في الشأن الداخلي لهذه البلدان”.
ويتابع أن “مسألة بقاء القوات الأمريكية في العراق لا صلة له بداعش وهذه قد تكون ذريعة للبقاء لأطول فترة ممكنة، ودليل ذلك أنه منذ صباح اليوم (أمس) بدأت بعض الهجمات على قواعد أمريكية وأيضا استهداف لقاعدة عين الاسد (مساء أمس الأول الثلاثاء) وهذا الهجوم هو بداية لشن هجمات بعد هدنة من الفصائل المسلحة في العراق”.
وينبه الشرع إلى “وجود تطورات سياسية وأمنية قد تحصل في بعض دول الشرق الأوسط في حال أي احتكاك ما بين الكيان الصهيوني ولبنان، وأيضا إعادة إحياء تنظيم القاعدة في اليمن، وكل هذه لها صلة بتواجد القوات الأمريكية والناتو وما داعش إلا ذريعة لهذا التواجد”.
وينوه إلى أن “انسحاب القوات الأمريكية من النيجر وتوجهها إلى قطر والكويت ثم العراق هو أمر خطير يجب الانتباه له، ويجب التأكيد على أن العراق يمتلك القوة والقدرة لحماية أمنه الداخلي والخارجي أيضا”.
يشار إلى أن النائب ياسر الحسيني كان قد صرح في وقت سابق، بأن مفاوضات بغداد وواشنطن بشأن إنهاء مهام التحالف الدولي وإخراج القوات الأمريكية من العراق، معلقة فعلياً منذ أسابيع دون معرفة أسباب ذلك، مشيراً إلى أن “ما هو واضح لدينا أن هناك ضغوطا أمريكية على الحكومة العراقية للإبقاء على قواتها في البلاد لفترة أطول، من دون أي انسحاب حقيقي”.
وبدأت الجولة الأولى من المحادثات بين بغداد وواشنطن في كانون الثاني يناير الماضي، فيما أفضت الجولة الأولى للحوار الثنائي الذي عُقد في بغداد إلى اتفاق على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة لمراجعة مهمة التحالف الدولي وإنهائها والانتقال إلى علاقات أمنية ثنائية، من دون الإعلان حتى الآن عن أي نتائج رسمية لعمل اللجنة.
واستؤنفت مفاوضات بغداد وواشنطن في شباط فبراير الماضي، مع اعتماد خفض مدروس وتدريجي، وصولا إلى إنهاء مهمة قوات التحالف الدولي لمكافحة داعش، وفق البيانات الرسمية العراقية، لتتبعها جولتان أخريان في آذار مارس ونيسان أبريل الماضيين.
في السياق، يوضح الخبير الأمني هيثم الخزعلي، خلال حديث لـه، أنه “مع كل مرحلة من مراحل التفاوض مع الولايات المتحدة للخروج من العراق، ويزداد نشاط داعش الإرهابي المدعوم من دول وأطراف سياسية، لكي يعطي مبررا لبقاء القوات الأمريكية في العراق”.
ويشدد على أن ذلك “يعني محاولة لإضعاف الحكومة الاتحادية، فداعش هو أداة توظف من قبل الولايات المتحدة أو أطراف مستفيدة من بقاء الولايات المتحدة في العراق”.
ويختم الخزعلي أن “تصريحات القيادة المركزية الأمريكية من شأنه أن يوثر على جميع المفاوضات الجارية بين بغداد وواشنطن من أجل ترتيب جداول زمنية للانسحاب الأمريكي وأيضا لتحويل العلاقات من عسكرية أمنية إلى تفاهمات تجارية اقتصادية وتبادل المصالح بين الطرفين، وهذا التصريح هو بمثابة تهديد”.
ويوجد نحو 2500 عسكري أمريكي في العراق، ضمن التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن منذ أيلول سبتمبر عام 2014، ويتوزع الجنود على ثلاثة مواقع رئيسية في العراق، هي قاعدة عين الأسد في الأنبار، وقاعدة حرير في أربيل، ومعسكر فيكتوريا الملاصق لمطار بغداد الدولي، ويضاف للقوات الأمريكية، قوات فرنسية، وأسترالية، وبريطانية، تعمل ضمن قوات التحالف، وأخرى ضمن الناتو في العراق.