يتجدد ملف استهداف القوات الأمريكية في العراق، ومحاولة الحكومة السيطرة عليه، بمقابل توعد واشنطن برد "قاس" على الفصائل، وفي ظل هذا التوتر القائم، أشار مراقبون إلى أن رئيس الحكومة لم ينجح حتى اللحظة بتنفيذ التعهدات التي أطلقها لواشنطن بحماية قواتها، ما ينذر بتصعيد خطير قد يؤثر على الداخل العراقي، لكن كل هذا لم يعر مقرب من الإطار التنسيقي له أي أهمية، بل أكد أن الفصائل تعمل بـ"التكليف الشرعي والوطني"، ولا أهمية للتهديدات الأمريكية.
ويقول رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، خلال حديث لـه، إن "الحكومة العراقية حتى الساعة لم تنجح في تنفيذ التعهدات التي أطلقتها الى الإدارة الأمريكية بشأن منع الفصائل من استهداف المصالح والاهداف الامريكية، وهذا ما دفع واشنطن إلى الرد عسكريا على تلك الفصائل".
ويضيف فيصل، أن "التطور الأخير في استهداف السفارة الامريكية، دفع الجانب الأمريكي إلى تصعيد لغة التهديد للفصائل وهذا ما يؤكد ان الرد على الاستهداف الأخير سيكون مختلف بكثير من النواحي، وهذا الأمر قد تكون له تداعيات كبيرة وخطيرة على الداخل العراقي".
ويتابع أن "السوداني محرج كثيرا أمام المجتمع الدولي، وأحداث غزة كشفت انه غير قادر على ضبط إيقاع الفصائل المشكلة لحكومته والداعمة لها، وتبين بأن الفصائل على خلاف مع السوداني وتوجهاته في بناء الدولة العراقية وحفظ هيبتها".
يشار إلى أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، تلقى مساء أمس الأول، اتصالاً هاتفياً من وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن، وفيه أكد السوداني على التزام العراق بحماية البعثات الدبلوماسية والمستشارين، مشددا على قدرة القوات الأمنية العراقية على القيام بواجباتها في ملاحقة منفذي الهجمات على البعثات الدبلوماسية، من دون تدخل أية جهة خارجية.
كما أشار الوزير الأمريكي إلى استمرار العمل المشترك والتواصل بين الجانبين، مرحباً بإجراءات الحكومة العراقية، لتأمين البعثات الدبلوماسية والسفارات العاملة بالعراق، وملاحقة العناصر التي تقف وراء الهجمات عليها.
يذكر أنه في جرى استهداف السفارة الأمريكية بـ10 قذائف هاون، 8 منها استهدفت مقر جهاز الأمن الوطني، في 8 كانون الأول ديسمبر الحالي، فيما سقطت قذيفتان عند مقتربات محيط السفارة الأميركية، بسبب الإحداثيات الخاطئة.
وكان السوداني، وجه في حينها بملاحقة مرتكبي اعتداء إطلاق المقذوفات باتجاه السفارة الأمريكية، وتقديمهم للعدالة، وقال السوداني إن التلاعب باستقرار العراق، والإساءة للأمن الداخلي، ومحاولة التعريض بسمعة العراق السياسية، واستهداف أماكن آمنة محمية بقوة القانون والأعراف والاتفاقيات الدولية، هي "أعمال إرهابية".
وقبل استهداف السفارة الأمريكية، استهدفت ضربة أمريكية حركة النجباء التي يتزعمها أكرم الكعبي في قضاء الدبس بمحافظة كركوك، تسببت بقتل 5 من عناصرها، فيما قال مسؤول عسكري أمريكي، إن تلك الضربة كانت "دفاعا عن النفس ضد تهديد وشيك في موقع يستخدم لإطلاق طائرات مسيرة"، بحسب ما نقلت وسائل إعلام.
من جهته، يبين المحلل السياسي المقيم في واشنطن نزار حيدر، خلال حديث لـه أن "الولايات المتحدة الامريكية، أوصلت الكثير من رسائل التهديد والتحذير إلى الفصائل عبر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، والإدارة نفذت بعض تلك التهديدات من خلال قصف الفصائل بأكثر من مدينة عراقية".
ويتابع أن "الإدارة الامريكية كانت واضحة في التعامل مع عمليات الاعتداء عليها من قبل الفصائل، وأبلغت بغداد بأن عجزها عن حماية القوات الأمريكية في العراق سيدفع واشنطن لإتخاذ موقف الدفاع عن النفس، واستمرار عمليات استهداف الفصائل للقوات الأمريكية يعني أن وجود رد عسكري أمريكي على تلك الفصائل".
ويتابع المحلل السياسي المقيم في واشنطن، أن "الرد الأمريكي على الفصائل قد يتصاعد ويتطور ويكون ردا مشابها لما حدث بمطار بغداد الدولي، أي يتم استهداف بعض قادة الفصائل المتورطة بالهجمات ضد الأمريكان، وهذا إذا ما حصل سيكون له تداعيات كبيرة وخطيرة، ولهذا السوداني يحاول العمل على تهدئة الموقف، لكنه عاجز عن ذلك بصراحة".
وكان مسؤول أمريكي رفيع، لم يكشف اسمه، أرسل تحذيرا إلى بغداد من مواجهة عزلة دولية غير مسبوقة إذا استمرت الهجمات ضد القواعد العسكرية التي تستضيف مستشارين أمريكيين في العراق، بحسب ما أوردت "الشرق الأوسط".
وكان الإطار التنسيقي المشكل للحكومة، والذي يضم قوى مسلحة في الحشد الشعبي، شدد في بيان سابق، على رفضه "الاعتداءات الإرهابية التي تستهدف أمن البلاد وسيادته أيًّا كان نوعها والمستهدف فيها والحجة من وراء ذلك"، وأعلن دعمه الكامل لإجراءات الحكومة ومطالبتها بالكشف عن كل تفاصيل "الحادثة المشبوهة" التي استهدفت السفارة الأمريكية.
إلى ذلك، يرى المحلل السياسي المقرب من الإطار التنسيقي علي فضل الله، خلال حديث له أن "العراق لا يهتم للتهديدات الأمريكية، بل السوداني أكثر من مرة ومناسبة حذر واشنطن من أي تصعيد عسكري ضد الفصائل، فأكيد لكل فعل رد فعل، والفصائل لن تبقى متفرجة على استهدافها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية".
ويلفت إلى أن "الفصائل المسلحة تعمل وفق تكليفها الشرعي والوطني في التصعيد ضد الأمريكان خصوصاً بعد الدعم الأمريكي الكبير للكيان الصهيوني لارتكابه مجازر ضد غزة، بالتالي فأن الحكومة العراقية لا يمكن لها منع تلك الفصائل من تكليفها الشرعي والوطني"، مبينا أن "أي تصعيد أمريكي ضد الفصائل، سيكون مقابله رد وتصعيد من قبل تلك الفصائل، خصوصاً وأن الولايات المتحدة الامريكية تتعمد التصعيد من أجل زعزعة الاستقرار الأمني والاقتصادي وكذلك السياسي في العراق".
ودخل السجال العسكري بين "فصائل المقاومة" في العراق والقوات الأمريكية مرحلة جديدة، بحسب مراقبين أكدوا في تقرير سابق أن الموقف الأمريكي أصبح واضحا بالرد على أي فعل بضربة "مميتة" بحسب وصفهم.