كشف مصدر مطلع بوزارة الداخلية، عن عزل مسؤول رفيع فيها، كان مدعوما من جهة سياسية، وذلك بسبب تستره على جريمة قتل ارتكبها أحد أقاربه، في حالة أكد متخصصون أمنيون، على شيوعها بين المسؤولين، بالإضافة لتقاضي الرشى، ما بات يؤثر على سمعة الوزارة، داعين إلى الحد من الظاهرة، عبر تشديد الرقابة، ومعاقبة المتورطين بالطرد أو السجن، وعدم الاكتفاء بالعزل.
ويقول مصدر أمني، خلال حديث لـه إن "جريمة قتل حدثت مؤخرا، حيث أقدم شاب على طعن ابن خالته حتى الموت، نتيجة خلافات شخصية، لكن ضابطا رفيعا في وزارة الداخلية، ومدعوم من جهة سياسية معروفة، سعى للتستر على الجريمة".
ويضيف المصدر، أن "عائلة الشاب القاتل تربطها علاقة وثيقة بذلك الضابط، وهو برتبة عميد، ويحظى بمنصب كبير داخل الوزارة، الأمر الذي دفعه للتواطؤ مع عائلة القاتل ودفع التهمة عنه، وعرقلة سير العدالة"، موضحا أنه "ساهم بتلفيق تهمة وهمية للضحية تتمثل بابتزازه النساء من خلال حصوله على فيديوهات مبتذلة لهن، ما أدى إلى مقتله على أيدي أحد ذويهن".
ويتابع أن "ذوي الضحية، لم يستسلموا لتلك التهمة، وأصروا على ملاحقة القاتل، حيث تسنى لهم، بعد بحث طويل، الحصول على مقطع مصور لعملية الطعن من قبل صاحب أحد المنازل بمنطقة زيونة التي جرت فيها الجريمة، وهو ما جعلهم يلجأون إلى القضاء والجهات المعنية التي سارعت بإدانة القاتل وإصدار الحكم عليه بالسجن لمدة 15 عاما لكونه حدثا لم يبلغ الـ18 عاما".
ويردف أن "عائلة المغدور، وبعد صدور الحكم بحق القاتل، تقدمت بشكوى إلى الوزير (عبدالأمير الشمري) ضد ذلك الضابط، مرفقة بالأدلة والشواهد على مشاركته في التستر على القاتل، فأمر بتشكيل لجنة للتحقيق حول هذا الأمر، حيث تبين له صحة المعلومات المرفقة بالشكوى، ما أدى إلى اتخاذ قرار بعزله من المنصب".
وتشهد المناصب العليا في الوزارات، بما فيها الداخلية والدفاع، تقاسما على أساس المكونات الرئيسة (الشيعة والسنة والكرد)، تحت مسمى "التوازن"، وهو ما تضمنه الدستور العراقي، وغالبا ما توزع الحصص حسب الثقل السياسي للكتل السياسية الممثلة لكل مكون، ومدى نفوذها وقوتها في كل دورة نيابية.
وتعد وكالات وزارة الداخلية من ضمن المناصب الخاضعة لنظام المحاصصة، ودائما ما تجري خلافات وصراعات بشأنها، ومن المشاكل التي تواجهها، ارتياد الضباط للنوادي الليلة، ما أثار شبهات حول عملهم، وقد وجه الوزير عبد الأمير الشمري في وقت سابق، بمنع الضباط من ارتياد تلك النوادي، وهو قرار وصف في حينها بـ"الايجابي"، نظرا لكونه يساهم بالحفاظ على الضابط من الاختراق، وعُد تطبيقا للقانون العسكري الذي يمنع الضباط من ارتياد هذه الأماكن.
إلى ذلك، يبين المحلل الأمني سرمد البياتي، خلال حديث لـه، أن "العمل في المناصب الأمنية والعسكرية العليا، هي أمانة ثقيلة جدا، ويجب حمايتها من قبل هذه القيادات، فالمسؤول الأمني مهمته الأولى والأساسية حماية المواطن، كما يجب التكتم في بعض القضايا الأمنية والعسكرية، وهذا الأمر بصراحة غير موجود داخل المؤسسة الأمنية في الآونة الأخيرة".
ويتابع البياتي، أن "القيادات الأمنية والعسكرية العليا، عليها السير وفق القانون، دون النظر إلى مدى قرب المتهم منه، ووقوف بعض القيادات مع المتهمين من أجل قربهم أو علاقتهم بهم، أمر موجود داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية ولا يمكن نفيه، لكن من يعمل بذلك يعرض نفسه إلى المحاسبة وفق القانون العسكري".
ويؤكد أن "أي أحد من القيادات الأمنية والعسكرية العليا يعمل على إخفاء الحقائق بسبب قرب أي متهم منه أو عدم تنفيذ القانون، سيكلفه مستقبله المهني، بل قد يصل الأمر إلى الفصل من الخدمة والسجن، إذا ما ثبتت إدانة هذا الشخص بمثل هذه الأعمال، وهناك الكثير من مجالس التحقيق مشكلة بحق بعض الضباط المتهمين بالتستر على جرائم مقربين منهم".
وتثار دائما ملفات فساد في الوزارات الأمنية، ويتم توجيه الاتهام فيها إلى مسؤولين كبار، فضلا عن الخروق الأمنية التي يكون فيها التقصير من مسؤولية ضباط وقادة كبار، وقد جرت العديد من التغييرات ومنح رئيس الحكومة أكثر من مهلة لإجراء تقييم للضباط بغية تغيير المقصر منهم.
وأواخر العام الماضي، انتشرت وثائق هي عبارة عن تعهد، من قبل وزارة الداخلية للمنتسبين، بناء على قرار الوزير عبد الأمير الشمري، يقضي بمنع نشر المناشدات في وسائل التواصل الاجتماعي، وورد في التعهد أنه في حال مخالفة المنتسب يتحمل التبعات القانونية.
وخلال السنوات الأخيرة، توجه المنتسبون إلى مواقع التواصل الاجتماعي لغرض نشر مناشداتهم وتظلمهم، فضلا عن طرح المشاكل في المؤسسات الأمنية، وغالبا ما يحصل ضغط إعلامي كبير بناء على هذه المناشدات بغية تحقيق مطالب المنتسبين، ومنها قضايا الطعام الرديء ومسألة نظام البديل، وشكاوى أخرى متعددة.
من جانبه، يبين الخبير في الشأن الأمني العميد المتقاعد عدنان الكناني، خلال حديث لـه، أن "المؤسسة العسكرية والأمنية تشهد مع الأسف بعض الإجراءات الخارجة على القوانين والنصوص التي يجب العمل عليها، مثل أخذ الرشى والوقوف مع الظالم ضد المظلوم، ومحاولة التستر على الكثير من القضايا المخالفة للقوانين".
ويضيف الكناني، أن "مثل تلك الأعمال المخالفة للقوانين أثرت بشكل كبير على سمعة المؤسسة الأمنية والعسكرية في العراق، ولهذا يجب الحفاظ على ما تبقى من هذه السمعة من خلال إبعاد هؤلاء عن المناصب الحساسة، والعمل بهذا الامر بعيداً عن أي ضغوطات أو مجاملات سياسية، فالتدخل السياسي في العمل الأمني والعسكري أساس ما يحصل من عمليات فساد داخل المؤسسة".
وبشدد على أن "الرقابة على عمل القيادات العليا في المؤسسة العسكرية والأمنية، يجب أن يكون مكثف، ويجب أن تكون هناك تغييرات دورية تجري في المناصب العليا، حتى لا يتم استغلال تلك المناصب من قبل بعض القيادات للمصالح الشخصية أو حتى لتمشية مصالح بعض الجهات والشخصيات السياسية المتنفذة".
ومن الأمثلة على حماية المسؤولين لمعارفهم، هو ما جرى الأسبوع الماضي، حيث اعتدت امرأة على ضابط مرور في منطقة الحارثية وسط بغداد، وذلك بعد ارتكابها مخالفة مرورية، ليتضح فيما بعد، أن المعتدية هي شهد الطائي، التي تحظى بمتابعين على منصة الإنستغرام، ومن ثم جرى الكشف عن تدخل النائب عن ائتلاف دولة القانون بهاء النوري في القضية، وساعد بإخلاء سبيلها، قبل أن يصدر بحقه قرار طرد من كتلة ائتلاف دولة القانون.