مع اشتداد الحرب بين لبنان وإسرائيل، ونزوح مئات الآلاف من اللبنانيين الجنوبيين نحو بيروت وسوريا، في خطوة ربما تنتهي بوصول الكثير منهم إلى العراق، وهو ما بدأ يحدث فعلا، نظرا للتسهيلات التي قدمتها الحكومة العراقية، بدءا من إلغاء تأشيرة الدخول وعدم اشتراط وجود أوراق ثبوتية، وسط ترحيب شعبي ورسمي، الأمر الذي طرح عدة أسئلة حول طاقة البلاد لاستيعاد أعداد كبيرة من اللاجئين، في ظل شحة فرص العمل وتزايد العمالة السورية والآسيوية.
متخصصون بالاقتصاد، أكدوا أن السوق العراقية ستتعرض لضغط كبير، وكان على الحكومة أن تدرس كافة الجوانب قبل أن تعلن عن هذا النوع من التسهيلات، مناشدين بضرورة إيقاف العمالة الآسيوية في مقابل دعم السورية واللبنانية، فيما أشار نائب إلى أن المرحلة الراهنة تتطلب “التضامن” مع لبنان، وليس التفكير بما سيحدث بعدها.
ويقول الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إنه “حسب قوانين العمل العراقية فإن سمة الدخول إلى العراق لا تعني العمل فيه، لأن إجازة العمل تختلف، لاسيما وأن العراق يعاني من قلة فرص العمل، حيث وصل عدد البطالة فيه إلى أكثر من 8 ملايين عاطل عن العمل أغلبهم من الشباب”.
ويضيف حنتوش، أنه “مع أزمة البطالة فإنه، يتواجد أكثر من مليون عامل أجنبي من جنسيات آسيوية أغلبهم دون إجازة عمل، ومع وجود الضيوف اللبنانيين في العراق، بسبب وضع الحرب في دولتهم، فإن استيعابهم في سوق العمل يتطلب جهدا حكوميا حقيقيا لتقليل أعداد العمالة الآسيوية أو منعها تماما، لفسح المجال أمام العمالة السورية واللبنانية”.وطيلة أيلول سبتمبر الماضي، دخلت لبنان في حرب مع إسرائيل، حتى وصلت قبل أيام لشن هجمات مكثفة على الضاحية الجنوبية لبيروت، وأدت إلى مقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وتدمير البنى التحتية في الجنوب بشكل شبه كامل.
وعلى إثر مجريات لبنان، قررت الحكومة العراقية الاستمرار في منح سمات الدخول للمواطنين اللبنانيين الواصلين إلى المنافذ الحدودية العراقية، وسمحت بدخول اللبنانين الذين لا يحملون وثائق ثبوتية مع إسقاط مبالغ سمة الدخول، وتمديد الإقامة للبنانيين المتواجدين في العراق.وقد نزح 100 ألف لبناني إلى سوريا خلال يومين فقط، نظرا لوجود حدود مشتركة بين البلدين، وذلك وفقا للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التي عدت هذا الرقم هو الأكبر بتاريخ لبنان. إلى ذلك، يبين الكاتب محمد الخباز، خلال حديث”، أن “الموقف العراقي الرسمي والشعبي تجسد بالوقوف إلى جانب الشعب اللبناني وإنحيازه المطلق بالدفاع عنه في مجمل المواقف التي تبعت الحرب القائمة عليه”.
ويؤكد الخباز، أن “فتح الحدود العراقية على مصراعيها قرار بحاجة إلى المزيد من التأمل، كون أعداد اللاجئين بتزايد، وهو ما سوف ينعكس على الوضع العراقي ويزيد من بطء حركة المقررات الخدمية والاقتصادية للبلاد”.
ويتابع أن “الإمعان في التعاطف الإنساني والوطني والعروبي، لابد وأن يأخذ بالحسبان محدودية الإنفاق وعدد من يفدون إلى العراق، في إطار المساعدة العراقية للشعب اللبناني في محنتة التي يمر بها، التي ربما تتضاعف وفق المؤشرات وتزيد من أثقال حجم المساعدات، وإن كان ذلك من شيم الشعب العراقي، لكن في الوقت ذاته يجب على الحكومة العراقية أن تناشد الدول العربية والخليجية أن يكون لها دور في مساعدة اللبنانيين، وتقديم ما يمكن من دعم مادي وتوفير البيئة الآمنة لهم”.
ويوضح أن “الدور الإنساني للشعب العراقي في استقبال أشقائه، يجب أن يؤخذ بالحسبان الإجراءات الأمنية، والتدقيق الأمني للاجئين الذين سيدخلون للبلد، كون الاحتياط والحرص واجب، فيما يجب على الحكومة الاهتمام بمسألة الضغط الاقتصادي الذي سيحصل على سوق العمل، وأيضا على الخدمات الصحية والتعليمية، التي هي بالأساس تعاني من فشل كبير”.
يشار إلى أن وزير التربية إبراهيم نامس الجبوري، وجه بإصدار ضوابط وتعليمات “عاجلة” لاحتضان الطلبة الوافدين من لبنان تجنبا لحرمانهم من الدراسة، وتضمنت التوجيهات إكمال دراسة الطلاب للصفوف التي وصلوا لها في لبنان، عبر كتابة تعهد من ولي الأمر، نظرا لتعذر جلب المستمسكات الرسمية التي تثبت بلوغ الطلاب لمرحلة دراسية معينة.
ويقدر عدد اللاجئين السوريين في العراق بنحو 260 ألف لاجئ، أغلبهم في إقليم كردستان، وذلك حسب أحدث إحصائية رسمية لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهذا يضاف إلى وجود الآلاف من الذين يدخلون بطريقة غير رسمية من إيران وتركيا ودول شرق آسيا، والذين شكلوا ضغطا كبيرا على سوق العمل في العراق.
من جانبه، يؤكد النائب كريم عليوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “احتضان الشعب اللبناني في هذه المرحلة، هو واجب وطني وإنساني، فالأزمة الحالية تتطلب في المرحلة الأولى تقديم كل سبل التضامن الإنساني والأخوي، وبعدها التفكير في الأمور الأخرى”.
ويستطرد أنه “بالتأكيد فإن الأجهزة الأمنية تأخذ بالحسبان التدقيق الأمني لجميع القادمين إلى العراق، وفيما يخص الضغط على سوق العمل فإن الأزمة هي مؤقتة، والواجب أولاً احتضان الشعب وتخليصهم من جحيم الحرب، على أمل الضغط على إسرائيل، لوقف إطلاق النار، وبالتالي كل اللاجئين يريدون العودة لبلدانهم”.
وتتضارب الأرقام الرسمية بشأن عدد العمال الأجانب، ففيما أعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في كانون الثاني يناير الماضي، أن عددهم بلغ 4 آلاف عامل فقط، كشف وزير العمل الأسبق، باسم عبد الزمان، في عام 2019 أن عدد العمال الأجانب بلغ 750 ألفا، لكن بحسب لجنة العمل والشؤون الاجتماعية السابقة في البرلمان فإن هناك نحو 1.5 مليون عامل أجنبي في العراق.يشار إلى أن العتبتين “العلوية والحسينية”، أعلنتا عن الاستعداد لاستقبال اللبنانيين المهجرين جراء الحرب، مبينتين في بيانين منفصلين أن ما تقومان به يأتي “امتثالاً لتوجيهات المرجعية الدينية العليا، وانطلاقاً من الواجب الديني والأخلاقي والإنساني”.
كما وجهت وزيرة الهجرة والمهجرين إيفان جابرو، كادر الوزارة بالاستعداد لاستقبال العائلات من لبنان، وتوفير المستلزمات الضرورية وتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية في حال مجيئها بشكل عاجل.