بصفة فنية وليست سياسية، يحل وفد يمثل حكومة إقليم كردستان ضيفا على بغداد، ليناقش مع السلطات الاتحادية جملة من القضايا المتعلقة بجوانب مالية واقتصادية، في ظل تفاقم الأزمة بين الطرفين بعد صمت حكومي وتلويح برلماني بخطوات رادعة للإقليم الرافض لقرار المحكمة الاتحادية والقاضي ببطلان إجراءات بيع النفط.
ويقول القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي عبد الكريم في تصريح إن "الوفد الموجود في بغداد حاليا هو وفد فني لمناقشة ملفات ذات طابع اقتصادي ومالي، بعيدا عن القضايا السياسية".
ووصل إلى بغداد أمس الإثنين، وفد يمثل حكومة إقليم كردستان العراق، مؤلف من خالد شواني وزير إقليم كردستان، وأوميد صباح رئيس ديوان مجلس وزراء كردستان، وعبد الحكيم خسرو رئيس هيئة المتابعة والتنسيق في الإقليم، وذلك للتفاوض مع الحكومة الاتحادية.
ويضيف عبد الكريم، أن "سبب عدم الوصول إلى اتفاقات بين بغداد وأربيل، على الرغم من الزيارات المتبادلة بين الطرفين منذ زمن طويل، هو عدم التزام بغداد بالاتفاقات مع حكومة إقليم كردستان، إضافة إلى وجود ضغوط سياسية تعمل على عرقلة أي تقدم في الحوارات".
وتعصف خلافات سياسية في الوقت الراهن بالعلاقة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني بسبب تمسك كل منهما بمنصب رئيس الجمهورية، تقابلها خلافات شديدة في بغداد بين التيار الصدري والإطار التنسيقي إزاء تشكيل الحكومة وطريقة إدارة الدولة.
وقادت مجموعة الخلافات المتشابكة في بغداد وأربيل إلى ما بات يعرف بالانسداد السياسي، إلا أن الوفد الكردستاني لم يأت إلى بغداد لبحث سبل إنهاء هذا الانسداد، إذ يوضح عبد الكريم أن "وفد حكومة كردستان سوف يناقش في بغداد ملف النفط والغاز، والتخصيصات المالية للإقليم، إضافة إلى قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق بخصوص تصدير النفط والغاز من الإقليم، وغيرها من الملفات الاقتصادية بين الطرفين".
وأصدرت المحكمة الاتحادية، في 15 شباط فبراير الماضي، قرارا يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان، ومنعته من تصدير النفط لصالحه، على أن يكون التصدير عن طريق بغداد، بناء على دعوى رفعتها وزارة النفط الاتحادية مؤخرا.
ورددت سلطات الإقليم مرارا أنها لن تمتثل لقرار المحكمة الاتحادية، حتى خرج مجلس قضاء كردستان ببيان قبل يومين قال فيه إن المحكمة الاتحادية غير دستورية ولا تمتلك سلطة إلغاء قانون النفط والغاز في الإقليم.
وقوبل البيان بغضب من بعض الأطراف في بغداد وعلى رأسها الإطار التنسيقي، الذي شدد أعضاؤه على عدم السماح بالتشكيك في شرعية المحكمة الاتحادية، حيث يقول عضو لجنة النفط والغاز النيابية علي الجوراني خلال حديث لـ"العالم الجديد"، إن "قرارات المحكمة الاتحادية ملزمة لكافة السلطات في العراق، بما في ذلك إقليم كردستان"، لافتا إلى أن "قرارات هذه المحكمة غير قابلة للطعن أو حتى التفاوض بين الأطراف السياسية".
ويبين الجوراني، وهو عضو في الإطار التنسيقي، أن "عدم تطبيق قرارات المحكمة الاتحادية من سلطات الإقليم سيدفع الجهات الحكومية الاتحادية إلى استخدام كثير من الإجراءات، بينها قطع الحصص المالية للإقليم، ومخاطبة الدول والشركات العالمية بعدم التعاون مع الإقليم في مجالي النفط والغاز".
وكانت وزارة النفط، في 21 أيار مايو السابق، قد ذكرت أن الحكومة الاتحادية تهدف إلى تأسيس شركة جديدة للنفط في إقليم كردستان تهدف إلى الدخول في عقود خدمة جديدة مع شركات النفط العاملة في الإقليم.
وعينت الوزارة شركة المحاماة الدولية "كليري غوتليب ستين أند هاملتون" للتواصل مع شركات النفط والغاز العاملة في إقليم كردستان "لبدء مناقشات بحيث تتوافق عملياتها مع القانون العراقي المعمول به"، وفقا لنسخة من خطاب أرسل في الثامن من أيار مايو الماضي.
وكان متخصصون أبلغوا "العالم الجديد" في تقرير سابق بأن سيطرة الحكومة الاتحادية على تصدير نفط الإقليم سيرفد العراق بمنفذ جديد ويعظم إيراداته بدلا من ذهاب الأموال لصالح حكومة إقليم كردستان العاجزة عن تأمين الرواتب، وبالمقابل فإن بغداد ستكون قادرة على توفير حصة الإقليم من الموازنة بما فيها رواتب موظفيه.
من جهته، يقول الخبير القانوني سالم حواس خلال حديث لـ"العالم الجديد" إن "من غير الممكن إلغاء قرارات المحكمة الاتحادية العليا في العراق أو التسويف في تنفيذها وفق اتفاقات سياسية، فقرارات المحكمة ليس لها أي علاقة بالأجواء السياسية، وهي قرارات باتة ولا يمكن إلغاؤها أو التراجع عنها لأي سبب كان".
ويضيف حواس أن "الحكومة الاتحادية ملزمة بتطبيق قرارات المحكمة الاتحادية وستعرض نفسها للمساءلة القانونية إذا تهاونت في ذلك بدافع الضغوط السياسية أو الصفقات"، مشيرا إلى أن "وزارة النفط العراقية تحركت بشكل فعلي لتطبيق قرارات المحكمة الاتحادية".
وتجدر الإشارة إلى أن موازنة العام 2021 تضمنت نسبة إقليم كردستان فيها أكثر من 14 بالمئة بقليل، بعد مفاوضات استمرت لأشهر عدة، أدت الى تأخر إقرار الموازنة لغاية آذار مارس من ذلك العام.
وجرت العادة طيلة السنوات الماضية، أن تدفع الحكومة الاتحادية رواتب موظفي الإقليم، وأبرز ما جرى بشأنها هو إيقافها من قبل رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي، بعد عدم التزام الإقليم بالاتفاق الذي ينص على تسديد إيرادات تصديره النفط إلى خزينة الدولة، فيما أطلقها بعد ذلك رئيس الحكومة السابق عادل عبد المهدي.