لم تكن المياه المعبئة ومرشحات التنقية المنزلية “الفلاتر” ومن ثم محطات الـ”RO” وأجهزة تبريد المياه “البرادات”، مفردات مفهومة للعراقيين قبل العام 2003، لكنها بعد هذا التاريخ لاقت انتشارا واسعا، وباتت بديلا عن محطات الإسالة الحكومية المتهالكة والتي اختلطت مياهها بمياه الصرف الصحي جراء التكسرات في شبكاتها منذ تسعينيات القرن الماضي، ما أدى إلى تفشي العديد من الأمراض الانتقالية والجلدية، وأبرزها التهاب الكبد الفايروسي والكوليرا والتسمم وغيرها.
ويقول كاظم مطشر، صاحب محطة RO في مدينة الصدر شرقي بغداد، خلال حديث لـه، إن “أصحاب المحطات يقومون بفحص المياه قبل تعبئتها وبيعها للمواطنين، كما أننا نقوم باستبدال فلاتر مكائن التحلية كل ستة أشهر رغم أن عمرها الافتراضي تسعة أشهر، لكننا نقوم بذبك حرصا على سلامة المواطنين”.
ويضيف مطشر، “نحن نستخدم مكائن إيرانية الصنع وصينية وتركية ويابانية وأمريكية لتنقية المياه وضمان جودتها وسلامتها بشكل تام”.
وبحسب خبراء في وزارة البيئة، فإن شبكات الإسالة غالبا ما تعاني من تغيرات في خصائصها الكيميائية والبايلوجية، فهناك روائح كريهة وعوالق في مياه الشرب بسبب عجز مشاريع الماء عن تلبية حاجة الطلب المحلية، وتضخ الماء دون تعريضه لفترات كافية من التفاعل مع مادة الكلور، فضلا عن تقادم الخطوط الناقلة واستمرار تعرضها للتكسرات وكثرة التجاوزات على الشبكة، ما يؤدي إلى تجهيز المواطنين بمياه غير مطابقة للمواصفات، وأحيانا تحتوي على البكتيريا القولونية والأشريشيا وقليل من الجراثيم المسببة للتايفوئيد والتهاب الكبد الفايروسي والكوليرا.
بدورها، تلفت المواطنة نادية لفتة (33 عاما)، خلال حديث لـه، إلى أن “ابنتي ذات الخمس سنين أصيبت بفشل كلوي بسبب استخدام ماء الإسالة لأغراض الشرب، وقد نصحني أحد الأطباء باستخدام المياه المعدنية المعبئة”.
وتشير إلى أن “حالتي المادية لا تسمح لي بشراء المياه المعبئة، لكنني بدأت باستخدام مياه محطات RO لمنع تفاقم حالة ابنتي الصحية”.
وتخضع محطات تنقية المياه “RO” إلى فحص دوري من قبل فرق وزارتي الصحة والبيئة بشكل مستمر، كما لا يتم منح الإجازات للمحطات الجديدة إلا بعد التأكد من التزامها بالشروط المحددة واعتماد مكائن ومعدات وفق المواصفات المطلوبة.
وبهذا الصدد، يؤكد المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر، خلال حديث لـه أنه “يتم أخذ موقع المحطة ومدى صلاحيته بنظر الاعتبار قبل منح الإجازة لأصحاب المحطات، بالإضافة إلى جولات المتابعة المستمرة من قبل الفرق الصحية لفحص المياه والتأكد من مدى موافقتها للشروط الصحية”.
ويضيف البدر، أن “هناك زيارات دورية للمحطات وكذلك دورات مفاجئة وأي محطة تفشل في الفحص يتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق صاحبها، وقد تم إغلاق العديد من المحطات في مختلف المناطق”.
يشار إلى أنه مع انتشار محطات تنقية المياه في جميع المحافظات، توفرت معها المئات من فرص العمل للشباب، حيث يقومون بتعبئة سياراتهم الحوضية بالمياه النقية ونقلها إلى المنازل للاستخدامات المنزلية، كما أن هناك سيارات حمل تقوم بنقل القناني الكبيرة من مياه الشرب التي تستخدم في أجهزة تبريد الماء “البرادات”.
وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي عبد الهادي الركابي، خلال حديث لـه ، أن “النظام الاقتصادي نظام تكاملي يعتمد كل جزء منه على جزء آخر، ومحطات تنقية المياه تعد من المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تسهم في تحسين الواقع الاقتصادي للبلاد، وإيجاد مصدر مالي إضافي للفرد، خاصة وأن الاقتصاد العراقي قائم على القطاع النفطي المحفوف بالمخاطر بسبب تذبذب الأسعار العالمية”.
وينبه إلى “ضرورة قيام الدولة برعاية المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتوفير فرص عمل للشباب، وكذلك التفكير بما هو أبعد من ذلك مستقبلا في حال تحسن شبكات الإسالة وانتفاء الحاجة لمحطات تنقية المياه حيث سيفقد العاملون فيها مصادر رزقهم”.
وكان المستشار الإعلامي لوزير العمل والشؤون الاجتماعية كاظم العطواني، قد بين في تصريح سابق أن الوزارة عملت على خفض مستوى خط الفقر باستهداف المناطق المصنفة تحت مستوى خط الفقر في العراق، بخدماتها المتنوعة.
وأشار العطواني آنذاك، إلى أن الإحصائية الرسمية عن مستوى خط الفقر في العراق تشير إلى 22 بالمئة وفق تقارير وزارة التخطيط قبل انطلاق الحكومة الحالية، متوقعا انخفاض هذه النسبة بشكل كبير جدا بعد الإجراءات التي اتخذتها وزارة العمل التي شرعت بحملة أطلقت عليها تسمية (أبشر يا الفقير) وهي حملة كبرى لمسح المناطق الفقيرة وشمول المستحقين منها بإعانات الحماية الاجتماعية وتم تسجيل نحو مليوني مواطن، فيما يوجد لدى الوزارة نحو سبعة ملايين نسمة من المشمولين بشبكة الحماية الاجتماعية.
ولم تسجل وزارة التخطيط أو الجهات المعنية، أي إحصائية عن عدد محطات تحلية المياه المنتشرة في العراق وأعداد العاملين فيها، على الرغم من أنها أسهمت بتوفير فرص عمل كثيرة للعاطلين.