مع كل احتجاجات في العراق، يعود الحديث عن تشريع قانون حرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي، رغم أن مشروع القانون هذا جوبه بحملة رفض واسعة منذ طرحه قبل سنوات عدة ولغاية الآن، وقبل أيام بدأت تصريحات نيابية تطلق حول تمرير هذا القانون، الامر الذي رفض من قبل الناشطين مجددا، بل أكدوا أن البلد يسير بـ”اجتهادات سياسية” وضربوا مثالا على ذلك ما جرى في الناصرية، فيما أشار مراقبون إلى أن فحوى القانون هي منع حرية التعبير وليس صونها.
ويقول الناشط محمد عفلوك، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “قانون حرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي، وضع أكثر من مرة على طاولة النقاش ومن ثم يستبعد، فأي مبادرة لتشريع قانون يخص حرية التعبير والرأي في هذا الوقت يراد منها تكميم أفواه الشجعان”.
ويضيف عفلوك، أنه “بدورنا كناشطين ومهتمين بالوضع العام نرفض ونشجب أي قانون يقوض حرية التعبير أو المساس بما نمتلك، وهو شرف الكلمة ونعتبر هذا مساس بشرف العراقيين”، مبينا أن “سلاحنا الوحيد هو التعبير عن الرأي ولا يمكن لنا أن نسمح لأي من كان أن يقوض هذه المساحة أو يحجب حرية إبداء الرأي عن المجتمع”.
وكان عضو مجلس النواب كاظم الفياض، أكد يوم أمس، وجود مساعٍ من قبل اطراف سياسية داخل البرلمان لغرض تشريع قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي، لكن النائب عبر عن خشيته، أن يكون هذا القانون يقيد بشكل أكبر أصحاب الرأي وبالتالي نريد مناقشة ودراسة القانون بصيغته النهائية، حتى لا تكون حرية التعبير في خطر خلال المرحلة المقبلة.
وقصة هذا القانون بدأت منذ عام 2010 أبان تولي نوري المالكي رئاسة الحكومة، إذ طرح مشروع القانون في البرلمان بغرض التشريع، لكنه واجه انتقادات عدّة أسهمت في ترحيله، قبل أن يُفتح هذا الملف مجدّداً عام 2016 ليواجه العقبات ذاتها، ثم نوقش في آذار مارس العالم الماضي ولم يحظ بالقبول، والآن يحضر البرلمان المسودة نفسها وسط موجة من الاعتراضات.
وكانت لجنة الثقافة والإعلام النيابية، أكدت في 20 آذار مارس الماضي، أن قانون حرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي أصبح جاهزاً للتصويت خلال جلسات البرلمان القادمة، لافتة إلى أن هناك ورش عمل وحوارات واجتماعات مع المختصين والخبراء ومنظمات دولية وتم الأخذ بجميع آراء ومقترحات الحكومة والتي تم إرسالها مؤخرا.
وحاول البرلمان تمرير هذا القانون، أواخر العام الماضي، بإدراجه على جدول أعماله، ليرفع منها بضغط من منظمات المجتمع المدني ونواب وكتل مدنية سجلت اعتراضات وملاحظات على مسودة القانون، في ظل محاولات محمومة لتشريع قانون جرائم المعلوماتية المثير للجدل أيضا.
إلى ذلك، يبين الناشط علي الدهامات، خلال حديث، أن “الحديث عن حرية التعبير والرأي يتزامن مع مؤتمر من المفترض أن يعقد، وهو عشائري ويضم ناشطين ونخب في مضيف عشيرة الظوالم بمدينة السماوة، لتهدئة الأوضاع التي حصلت في الناصرية وخلال توجهنا وجدنا المحافظة قد تحولت لثكنة عسكرية حرفيا ومنعوا دخولنا وحصروا الدخول بمن يمتلك بطاقة سكن خاصة بالمحافظة”.ويؤكد الدهامات، أنه “رغم تواصلنا مع جميع المسؤولين في المحافظة وخارجها، إلا أننا لم نحصل على جواب شافي لمنعنا من الدخول للمدينة وعقد مؤتمرنا الخاص” مؤكدا أن “كل القوانين العراقية مركونة على جنب والبلد يسير باجتهادات سياسية وحزبية”.
جدير بالذكر أن السوداني، ضمَّن في منهاجه الحكومي، فقرة خاصة بتمرير قانون حرية التعبير عن الرأي.يشار إلى أن المادة 38 من الدستور تنص على: تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب: أولاً:- حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.
ثانياً:- حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.
ثالثاً:- حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون.وتشهد مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار، احتاجاجات كبيرة منذ أيام، وجوبهت بردع من القوات الأمنية، ما أسفر عن تسجيل إصابة 26 شخصا من القوات الأمنية والمتظاهرين، توزعت بين 17 عنصرا أمنيا بينهم ضابطان اثنان، فيما تم تسجيل إصابة بكدمات لتسعة متظاهرين مصابين، وهذا فضلا عن حملة اعتقالات كبيرة شنت ضد الناشطين في المدينة.
وفي السياق، يبين المحلل السياسي فلاح المشعل، خلال حديث ، إن “قانون حرية التعبير في جوهره وتوجهاته يستثمر في منع حرية التعبير، وإخضاعها لقنوات حكومية ورسمية، وعدم التقرب من ملفات الفساد ونشرها، وبخلاف ذلك يخضع من يتداول المعلومات لأحكام قانونية بالغة القسوة كالسجن خمس سنوات وسبع سنوات مع غرامات مادية”.ويضيف المشعل، أن “حرية التعبير عن الرأي هي حق عام بالدول الديمقراطية، وأن قانون حرية التعبير في حالة صدوره يصادر جميع الحقوق للمواطن، وأدوات عمل الصحافة والإعلام، أي تكميم الأفواه ومصادرة حق النقد والرقابة”.
ولا زالت مواد قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، نافذة على الرغم من تعارض العديد منها مع حرية التعبير، لا سيما المتعلقة بإهانة السلطات والمؤسسات الحكومية، والسب والقذف بحق مسؤولين أو متنفذين، حيث كانت تستخدم بشكل واسع خلال فترة النظام السابق، والتي تم تعطيلها بأمر بريمر في 10 حزيران يونيو 2003.وشهدت المرحلة الحالية، حالات ملاحقة لمحللين سياسيين وناشطين، وفق مواد في قانون العقوبات، بناءً على دعاوى ترفعها الحكومة في الغالب.