بعد انقضاء ثلثي العام الحالي دون صدور تعليمات تنفيذ الموازنة، أكد خبراء ومتخصصون بالاقتصاد أن هذه الموازنة جرّبت أسلوباً مغايراً عن سابقاتها، عبر عدم توقف الصرف في نهاية العام، وستستمر بتمويل المشاريع التي غالبا ما تتلكأ بسبب نهاية السنة المالية، لكنهم ذكروا أن هذه الميزة لا تخلو من السلبيات، لأنها تطلق يد الحكومة في الاقتراض دون الرجوع إلى البرلمان.
ويقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، إن "تعليمات تنفيذ الموازنة من وزارة المالية تحتاج شهرا أو أقل لإصدارها، ومن المتوقع أن تصدر يوم 18 من الشهر الحالي بحسب اللجنة المالية البرلمانية، ليتم تنفيذ الموازنة".
وبالنسبة لكيفية الصرف في حال تنفيذها، يضيف المشهداني أن "الموازنة التشغيلية وهي الجزء الأكبر، سيتم صرفها اعتباراً من شهر كانون الثاني يناير لهذا العام، وستشمل رواتب التعيينات الجدد من تاريخ صدور أمر تعيينهم، وكذلك كل الرواتب والأجور كمستحقات المتقاعدين وشبكة الحماية الاجتماعية ومستحقات الشركات الأجنبية، ونحو 10 تريليونات تذهب للبطاقة التموينية وشراء الأدوية والحبوب والعقود مع الشركات"، لافتا إلى أن "نحو 130 تريليوناً من الموازنة تعتبر مصروفة بتنفيذ الموازنة أو من دونه".
أما الموازنة الاستثمارية، يشير خبير الاقتصاد إلى أنها "تبدأ من تاريخ إعلان تنفيذ الموازنة، فهناك مشاريع مستمرّة سيتم صرف مستحقاتها لأنها مُوّلت بطريقة السلف، وأخرى جديدة ستموّل مباشرة"، موضحاً أن "الميزة في موازنة 2023 أن الصرف سيستمرّ فيها، ولن ينتهي بنهاية السنة المالية، وهذه النقطة أقرّت بناء على التلكؤ والتأخير في المشاريع الذي حصل في الموازنات السابقة".
ويؤكد المشهداني أن "كل الموازنات تحتوي على مشاريع لا تنتهي بسنة واحدة، كمشاريع الغاز مع شركة توتال مثلا، وهذه المشاريع تحتاج إلى استمرار بالصرف، فعدم انقطاع الصرف بنهاية السنة المالية، هو ما سيحلّ مشكلة التلكؤ في المشاريع، والأمر في النهاية مرتبط بالمتغيّرات المالية حتى أن رئيس الحكومة ذكر أن الصرف سيكون مقيّداً بحجم الإيرادات".
وكان البرلمان أقر الشهر الماضي، الموازنة الاتحادية للعام الحالي والعامين المقبلين، وعلى الرغم من إقرارها بعد مخاض طويل، وقعت موازنة الثلاث سنوات بمطبات الطعون في أروقة المحكمة الاتحادية، إذ أقدم رئيس الحكومة محمد شياع السوداني على تقديم طعون بـ12 مادة فيها.
وفي الأسبوع الماضي، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا، أمراً ولائياً بخصوص بعض مواد قانون الموازنة، تضمن إيقاف تنفيذ المواد (28/ رابعاً: أ- ب ) و(57/ أولاً -ج) و (65/ ثانياً) و(70/ ثانياً) و(71) و(75) من قانون رقم (13) لسنة 2023 (الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنوات المالية (2023 – 2024 – 2025) لحين البت بالدعوى الدستورية المقامة أمام هذه المحكمة للطعن بدستوريتها المسجلة بالعدد (153/اتحادية/2023).
من جانبه، يوضح الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، أن "الصرف ما لم تصدر تعليمات من وزارة المالية يبقى بقانون 1 على 12 بالنسبة للإنفاق التشغيلي، أما الإنفاق الاستثماري سيبدأ عندما تنتهي وزارة المالية من إصدار تعليماتها".
ويضيف المرسومي، أن "الإنفاق الاستثماري والمشاريع ستستفيد من كون هذه الموازنة ثلاثية، إذ لن يوقف الصرف بنهاية العام، وهذه كانت مشكلة الموازنات العراقية في كل سنة، وهي أحد أسباب التضخم الذي يحدث".
ويوضح أنه "في السنوات السابقة عندما تنتهي السنة المالية يجري وضع الفائض من الموازنة في حساب الأمانات، ويدوّر إلى السنة القادمة، لكن هذا العام سيتم إطلاق الأموال ويبقى الصرف مستمرا ولن يتوقف حتى في عام 2024".
ويعد المرسومي إبقاء الصرف مستمرا، بأنه "خطوة إيجابية من ناحية أن الإنفاق الاستثماري لا يتوقف وتمويل المشاريع يبقى جارياً دون انقطاع، وهذا ما يقلل من التلكؤ في إنجاز هذه المشاريع"، مستدركا أن "هذه الخطوة لا تخلو من السلبيات لأنها تطلق يد الحكومة في الاقتراض، لاسيما أن أغلب الإنفاق الاستثماري مموّل من القروض الداخلية والخارجية، بالتالي ستستمر الحكومة بالاقتراض دون الرجوع إلى البرلمان".
ويشكّل الاقتراض الخارجي في الموازنة، ما نسبته 20 بالمئة من إجمالي الإنفاق الاستثماري، ويذهب أغلبه نحو تطوير أهم قطاعين في البلاد وهما الكهرباء والصحة، وفي تقرير سابق، بين مستشار حكومي، أن مبالغ الاقتراض تسحب تباعا لتنفيذ المشاريع وبشكل تدريجي، فيما انتقد متخصصون بالاقتصاد هذه العملية كون القطاعات التي تذهب لها الأموال مازالت تعاني من مشاكل كبيرة، مبينين أن الاقتراض يؤكد عجز الدولة عن تنفيذ المشاريع بمفردها.
وتشير إحصائيات وزارة التخطيط إلى وجود 1452 مشروعاً متلكئاً في عموم مناطق البلاد، تتوزع بين قطاعات أساسية هي: النقل والاتصالات وقطاع المباني والخدمات وقطاع الزراعة والصناعة، إضافة برنامج تنمية الأقاليم، وتؤكد التخطيط أن الإنفاق التراكمي على مجمل هذه المشاريع تجاوز العشرة تريليونات دينار، تضاف لها الخسائر الناجمة على حالة الإضرار والاندثار، التي أصابت هذه المشاريع بسبب توقفها لسنوات.
من جهته، يجد الباحث في الشأن الاقتصادي، رشيد السعدي، أن "موازنة السنوات الثلاث وإبقاء الصرف مستمرا خطوة ستساهم في عدم تلكؤ المشاريع، فالآلية المتبعة والتجاذبات السياسية وخلافات المركز والإقليم تجعل الموازنة لسنة واحدة غير مجدية".
ويضيف السعدي أن "الموازنة السنوية ستنجح في حال كان العراق مستقرا ولديه خطة خمسية، ليقوم بتخصيص موازنة سنوية ويتم الصرف على المشاريع"، لافتا إلى أن "الموازنة لسنة واحدة من المفترض أن يكون نقاشها في شهر أيلول سبتمبر، ويتم إقرارها قبل بداية العام، ويكون تنفيذها في الشهر الأول من العام".
وبلغت قيمة موازنة العام الحالي والعامين المقبلين، 198 تريليون دينار (نحو 150 مليار دولار) لكل عام، وتم بناء الموازنة على سعر 70 دولارا للبرميل، فيما بلغت نسبة العجز فيها 63 تريليون دينار.
يشار إلى أن أعلى موازنة في تاريخ البلد، كانت في عام 2012، خلال تولي نوري المالكي لدورته الحكومية الثانية، بواقع 118 مليار دولار، وعدت في حينها بـ"الموازنة الانفجارية".