استمرارا بملف الذكرى الـ20 للحرب على العراق، وخاصة في المحور الأمني الذي شهد تدهورا كبيرا في العقدين الماضيين، بدءا من ظهور التنظيمات المتشددة، وانتشار المسلحين، وتنامي عمليات الخطف والتفخيخ وليس انتهاءً بتحرير المساحات الواسعة التي سقطت بيد تنظيم داعش، وغير ذلك، ما عزاه متخصصون، إلى حل الجيش العراقي، والاستحواذ على سلاحه من مختلف الجهات المسلحة "السنية والشيعية"، داعين لتجاوز تلك المرحلة عبر سيطرة الدولة على السلاح المنفلت.
ويقول الخبير الأمني والعسكري أعياد الطوفان، خلال له إن "حل الجيش العراقي بعد سنة 2003، لم يكن قرارا عشوائيا، بل كان قرارا مخططا له من أجل إشاعة الفوضى في العراق وهذا ما حدث فعلا، ولهذا استغلت الجماعات المسلحة كافة حل الجيش، وسيطرت على الملايين من قطع السلاح ما بين المتوسطة والخفيفة وحتى الثقيلة منها، وهذا ما كان بداية الانفلات الأمني والقتلى والدماء، مع عدم وجود أي حكومات قوية طيلة السنوات الماضية قادرة على مسك زمام الأمن، ولهذا فأن الأمن في العراق مر بعدة مراحل خطيرة طيلة الـ20 سنة الماضية".
ويبين الطوفان، أن "المرحلة الأمنية الأولى التي بدأت في العراق بعد سنة 2003 هي تشكيل الجيش الحالي والشرطة العراقية الحالية، منذ سنة 2003 ولغاية سنة 2014، عندما تمت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على ثلاث محافظات واستحوذ على أسلحة الجيش والشرطة بملايين الدولارات، وبعد 2014 وانطلاق عمليات التحرير حصل تحسن امني مضطرب، بسبب وجود سلاح المليشيات والعصابات، خصوصاً أن البعض منها مسنود من الدولة نفسها وهذا ما يهدد حتى كيان الدولة العراقية".
ويضيف أن "حل المليشيات سوف يكون عاملا مهما في ضبط الأمن في المدن العراقية، بشرط أن يكون هناك تنشيط للقوات الأمنية، فبقاء السلاح المنفلت مازال يهدد العراق والعراقيين، وهذا ابرز متغير حصل في العراق بعد سنة 2003، فإن هذا السلاح أصبح يحكم بالتهديد".
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، قادت تحالفا دوليا للإطاحة بالنظام السابق، بدأت في مثل هذا اليوم قبل 20 عاما، الموافق لـ19 من آذار مارس من ذلك العام، نتيجة لمزاعم وجود أسلحة دمار شامل كيميائية أو نووية أو بيولوجية، طورها نظام صدام حسين، إلا أنه لم يتم العثور لاحقا على أي من تلك الأسلحة.
وقد تعرضت بغداد وحدها في أول يوم من أيام الحرب، الى 1000 ضربة جوية بصواريخ "كروز"، في حرب غير مسبوقة حملت اسم "الصدمة والرعب"، وطالت أغلب المنشآت الحيوية والرسمية، التي اعتقد في حينها أن النظام السابق استخدمها لخزن أسلحة محرمة وأعتدة.
واشنطن، كلفت جاي غارنر، وهو جنرال أمريكي متقاعد بإدارة العراق، تسلم مهامه في 21 نيسان أبريل 2003، ليكون أول حاكم مدني، ومن ثم تم تعيين بول بريمر كخلف له في أيار مايو من العام ذاته.
وكانت سلطة التحالف المؤقتة أصدرت الأمر رقم 2 في 23 مايو أيار 2003، عندما كان بريمر حاكما مدنيا، وفيه تقرر حل الهياكل الأساسية العسكرية والأمنية والاستخباراتية العراقية التابعة للنظام السابق، ليشمل القرار حل وزارتي الدفاع والإعلام والأجهزة التابعة لهما وقوات الحرس الجمهوري والمحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة وتسريح مئات الآلاف من الضباط والجنود والموظفين العاملين بالمؤسسات التي يشملها القرار، فضلا عن تعليق عمليات التجنيد للخدمة العسكرية وتسليم جميع الممتلكات والمباني الخاصة بالمؤسسات التي تم حلها إلى الإدارة الأميركية بالعراق.
ويقول الباحث في الشأن الأمني سرمد البياتي إن "التغييرات الأمنية التي حصلت طيلة الـ20 سنة الماضية تضمنت أحداثا كبيرة على مستوى كل الطوائف العراقية، فالتسعة أشهر الأولى بعد الاحتلال كان الوضع فيها هادئا جداً، كون الحكومة كانت هي حكومة الشارع أي حكومة الشعب نفسه، ولهذا هي كانت فعلا فترة ذهبية".
ويبين البياتي، أن "الوضع الأمني بدأ يتدهور بعد تفجير مقر الأمم المتحدة، وبعدها كانت معارك الفلوجة ومعارك النجف، وكان جيش المهدي بارزا في النجف ومدنية الصدر في وقتها، ثم تطورت الأمور وحصلت معارك في البصرة وغيرها وظهرت القاعدة والزرقاوي، وختمت هذه الاضطرابات الأمنية بتنظيم داعش".
ويضيف أن "هناك ضحايا سقطوا جراء هذه الأحداث الأمنية وكانت هناك سيارات مفخخة وعبوات ناسفة وسقوط لمحافظات عراقية"، لافتا إلى أن "الـ20 سنة الماضية كانت مليئة بالدماء، خصوصاً الأحداث الطائفية والقتل على الهوية، وهي متغيرات أمنية صعبة على الشعب العراقي، ولغاية الآن فإن الخطر الأمني مازال موجودا من خلال استمرار تعرضات تنظيم داعش في عدد من قواطع العمليات وكذلك المخدرات والسلاح المنفلت".
ويتابع الباحث في الشأن الأمني أن "المواطن العراقي لم يعد له أي طلب غير فرض سلطة القانون والحكومة وحصر السلاح بيد الدولة"، مؤكدا أن "الأحداث خلال الـ20 سنة الماضية كان 80 بالمئة منها محزن وصعب على العراقيين، فالاحتلال لم يترك بالعراق غير القتلى والدماء، وكان اخطر قرار هو حل الجيش العراقي الذي لو بقي لم تحصل أي كارثة أمنية من الكوارث التي حصلت طيلة هذه الفترة".
جدير بالذكر أنه سرعان ما بدأت تنشط بعض المجاميع الإرهابية، التي كانت ترفع شعار "مقاومة الاحتلال الأمريكي" بعد 2003، وخاصة في محافظة الأنبار، ونفذت تلك المجاميع عمليات استهداف للقوات الأمريكية، وعلى إثرها اندلعت معركة الفلوجة في العام 2004.
بالمقابل، فإن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، برز بعد 2003 مباشرة كزعيم شيعي، وأعلن عن تأسيس "جيش المهدي" الذي أخذ على عاتقه حماية المدن الشيعية، وخاصة مدينة الصدر شرقي العاصمة بغداد، حيث كانت مقر التيار وزعيمه آنذاك.
وفي العام 2006، جرت عملية استهداف لمرقدي الإمامين العسكريين في مدينة سامراء بمحافظة صلاح الدين، وعلى إثرها اندلعت حرب طائفية بين المكونين السني والشيعي، شملت أغلب مدن البلد، وخاصة العاصمة بغداد، التي شلت بالكامل لنحو عامين، وفيها ذهب الآلاف ضحية لهذه الحرب، وباتت عمليات القتل على الهوية.
دخل العراق، بعد انتهاء الحرب الطائفية بمرحلة أخرى من التردي الأمني، تمثلت باستخدام التنظيمات الإرهابية وأبرزها القاعدة للسيارات المفخخة، والتي كانت تستهدف المناطق الشعبية والتجارية، وبلغت مرحلة تفجير نحو 20 سيارة مفخخة بيوم واحد في العاصمة بغداد.
من جهته، يفيد المختص في الشأن الأمني والاستخباراتي، فاضل أبو رغيف، خلال حديث لـه بأنه "بعد الانهيار الكبير الذي أصاب المنطقة برمتها حدث هذا التغيير، الذي غير من خارطة العالم من خلال تغيير في الوضع العراق، فالعراق يحظى بموقع جغرافي واستراتيجي، خصوصاً بما يتعلق بالأمن القومي للشرق الأوسط".
ويضيف أبو رغيف، أن "أول لبنة لتأسيس الجماعات المتطرفة المتشددة كانت قبل سنة 2003 ما يسمى بالفدائيين العرب، الذي أسسها صدام حسين، وتحت هذا المسمى دخلت التنظيمات الإرهابية، منها تنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات المتشددة بأكثر من 32 فصيلا متطرفا، يخضع للسلفية الجهادية".
ويبين أن "الجانب العراقي ذهب كرد فعل نحو تشكيل بعض القطعات الأمنية والاستخباراتية وكلما تطور الجهد الاستخباراتي كثرت تلك الجماعات، وهذا ما أدى لظهور موازين قوى".
ويتابع أن "العراق استطاع خلال السنوات الماضية كبح جناح الجماعات المتطرفة، ليصبح صاحب بصمة وفضل كبير على دول العالم، كونه منع مرور تلك الجماعات المتطرفة إلى باقي دول العالم، ومع ذلك كان التنظيم الإرهابي نشطا ومدد نفوذه بما يسمى بـدولة التمكين وأحدث بركانا من العنف".
ويخلص المختص بالشأن الأمني والاستخباراتي إلى أن "الملف الأمني في العراق ماض نحو كبح جماح وإحاطة المجاميع الإرهابية كافة، والدليل انكسار جدوى التنظيم في سنة 2017 في المناطق الشمالية والغربية، وهنا جرت إزاحة الستار عن اخطر تنظيم ضرب العالم وتغلغل لأوروبا وإفريقيا ودول أخرى في آسيا".
قبيل العام 2014، بدأت تظهر بعض التشكيلات المسلحة الشيعية، والتي انشقت عن التيار الصدري، وبعضها جرى تأسيسه بشكل منفصل، حيث كان دورها بسيطا جدا، ولم تظهر للعلن، لكن بعد اجتياح تنظيم داعش لثلاث محافظات وصدور فتوى الجهاد الكفائي من قبل المرجعية الدينية، برز دور هذه الفصائل كجهات عسكرية تطوعت لتحرير المدن من سيطرة داعش إلى جانب الأجهزة الأمنية.
استمر دور الفصائل المسلحة، بعد إعلان النصر على داعش في العام 2017، وأصبحت أكثر قوة عبر مشاركتها في العمل السياسي، فضلا عن نمو تعدادها البشري وتوسع قاعدة سلاحها، التي شملت كافة الصنوف الخفيفة والمتوسطة والثقيلة.
دخلت الفصائل خلال الأعوام الأخيرة، بصراع مع القوات الأمريكية في العراق، بلغ مرحلة تهديد الاستقرار في العراق، بعد تلميح واشنطن سابقا بغلق سفارتها في بغداد، وذلك نظرا لكثرة الاستهدافات التي طالتها فضلا عن استهداف أرتال التحالف الدولي، وما جرى لم يكن دون رد أمريكي، حيث استهدفت واشنطن أكثر من مرة مخازن سلاح هذه الفصائل وقادتها ومعسكراتها.
يذكر أن الأجهزة الأمنية بكافة صنوفها، تمكنت من إنهاء تواجد التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش، كما ساهمت الأجهزة الاستخبارية العراقية بمهام عديدة، أبرزها المشاركة في عملية قتل زعيم تنظيم داعش عبدالله قرداش عام 2022، حيث أعلن المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول، في حينها، أن عملية قتل "الإرهابي أمير محمد سعيد والمكنى بأبي عبدالله قرداش" نُفذت بعد أن زود جهاز المخابرات الوطني العراقي التحالف الدولي بمعلومات دقيقة، قادت للوصول إلى مكانه وقتله.
وهذا إلى جانب العملية الأهم، وهي إعلان النصر على داعش وتحرير المدن من سيطرته، واستمرار ملاحقة خلاياه سواء في المحافظات التي سيطر عليها سابقا أو أطراف العاصمة بغداد، بعملية عسكرية كبيرة.